رغم تحريرها منذ 4 سنوات.. الموصل العراقية تكتسي بآثار داعش
قبل 4 سنوات، كانت قوات الأمن العراقية تنتظر وصول رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، إلى مدينة الموصل، لإعلان "بيان النصر" ضد داعش.
في ذلك الحين، وعندما كان العبادي يذيع انتهاء دولة داعش المزعومة، واستكمال عمليات التحرير، كان العراقيون ورغم الجراح الكبيرة التي خلفها الاحتلال الإرهابي ينثرون الأفراح ويستبشرون بعهد جديد.
كانت الموصل آخر معاقل تنظيم داعش وعاصمة خلافته المزعومة، وباستعادتها التي استغرقت نحو 9 أشهر، تكون الخسائر الإجمالية التي تكبدها العراق نحو 100 مليار دولار، بحسب رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
ورغم أن النصر تحقق على تنظيم داعش إلا أن المناطق المحررة في أغلبها لم تكن سوى أكوام أنقاض وأطلال مبانٍ ومدن أشباح خالية من الأهالي.
في الموصل، مركز محافظة نينوى، وثاني أكبر المدن العراقية، كان لها النصيب الأوفر من ذلك الخراب، بعد أن طمست معالم مدينتها القديمة واختلط ساحلها الأيسر بالأيمن ودمرت البنى التحتية بشكل كامل.
يقول مواطن عراقي من الموصل، يقطن في أحد مناطق الساحل الأيسر من المدينة، إن "الكثير من الأحياء ما زالت مدمرة، وكأنها تواً خرجت من الحرب رغم مرور 4 سنوات على تحريرها".
يتحدث حارث لـ"العين الإخبارية"، والألم يعلو فوق كلماته "تحررت مدينتا من دواعش الإرهاب، ولكن ما بعد ذلك تسلم ذممها دواعش الفساد".
ويتقارب مع قول حارث، ما غرد به نائب رئيس المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقي علي ميزر الجربا في ذكرى التحرير الرابعة، اليوم السبت، بأن "أهالي الموصل قدموا الغالي والنفيس وحصلوا على الحرية بدمائهم، لكنها خرجت من احتلال داعش ليحتلها الفاسدون".
وشهدت مدنية الموصل حملات عمرانية طوال السنوات التي أعقبت التحرير، لإعادة بعض المرافق الحيوية والهامة.
محاولات تجميل
يؤكد مراقبون عراقيون أن ما تعيشه مدينة الموصل من بناء وتشييد وترميم لا يعدو أكثر من "محاولات تجميل"، لا تتناسب وحجم الدمار الذي تعانيه.
يروي الإعلامي والصحفي العراقي من الموصل، محمود الجماس لـ"العين الإخبارية"، حقيقة ما يجري على الأرض هناك، والمتغيرات التي شهدتها المدينة في الذكرى الرابعة لتحريرها.
ويؤكد الجماس أن "أغلب جهود الإعمار والتطوير التي تعيشها الموصل أشبه بعمليات تجميل خارجية في جسد يعاني اختلالات كبيرة".
ويتابع: "الموصل تملك 6 مستشفيات رئيسية بطاقة استيعابية كانت تصل قبل احتلال داعش وتدميرها إلى أكثر من 7 ألاف سرير، لم يجر تأهيل أكثر من ألفي سرير منها حتى الآن".
وبحسب آخر الإحصائيات شبه الرسمية، يبلغ عدد سكان محافظة نينوى نحو 4.5 مليون نسمة، تشكل الموصل منها نحو 25%.
ويستدرك بالقول،: "تشهد المدنية حملات تجميل لشوارع رئيسة في بعض المناطق وحملات تشجير وتأهيل لبعض الساحات العامة، فيما تزال أحياء بأكملها تتكوم فيها أنقاض المباني المهدمة بفعل احتلال داعش وما رافقها من عمليات تحرير عسكرية".
وبشأن عودة الأهالي، أوضح الجماس أن "أغلب العوائل عادت من النزوح، إلا أن هناك مناطق لم تسجل أي عودة ما خلا ثلاث أو أربع عوائل فقط، وهي: الميدان والشوال والقليعات عند المدينة القديمة".
لكن وزير التخطيط العراقي خالد البتال، أكد خلال مؤتمر صحفي عقده السبت، مع محافظ نينوى نجم الجبوري، أن "المدينة مقبلة على حملة كبيرة وغير تقليدية في الإعمار وسيتسلمها المواطن على أرض الواقع".
مناطق مهجورة وبقايا جثث
عند الساحل الأيمن من الموصل، ما زالت آثار الحرب حاضرة وبقوة، حيث المنازل المتناثرة جدرانها والمباني الخاوية على الأرض.
ويوضح الجماس أن "نحو 80% من أكوام الأنقاض التي تعتلي وجه أيسر المدينة لم ترفع حتى الآن، مما يجعلها غير صالحة للعيش والسكن وعودة الحياة في أزقتها".
في أيسر المدينة، يبدو الحال أفضل بكثير من شرقها، حيث ظهرت شوارعها ومناطقها شبه خالية من آثار الحرب، كما يقول مواطن عراقي آخر من الموصل.
لكنه يلفت إلى أن "الأضرار التي لحقت بالجانب الأيسر كانت أقل بكثير من الجانب الآخر الذي شكل آخر معاقل داعش قبل أن يخسروا الموصل بأكملها".
لكن المدينة القديمة المهدمة بالكامل يبدو الوضع فيها أشد مرارة وهجراً من قبل السلطات الخدمية العراقية، حيث لم تمسسها أي من معاول الإعمار والبناء.
سكان المدنية القديمة ما زال أغلبهم يعيش النزوح، فيما اختار البقية السكن في مناطق أخرى من المحافظة بعد أن يأسوا من عودتها إلى الحياة مرة أخرى.
ويفيد مصدر في دائرة الطب العدلي العراقي بمحافظة نينوى، بأن "فرقهم تنتشل أسبوعياً ما يقرب من (5-7)، جثثاً متفسخة من تحت الأنقاض المتراكبة".
وأغلب تلك الجثث مجهولة الهوية وفقدت ملامحها وبات من الصعب التعرف على أصحابها، حسب ما يذكر المصدر لـ"العين الإخبارية".
ومنذ أكثر من 3 سنوات، يوجه أهالي المدينة القديمة صرخات استغاثة لرفع الأنقاض المهدمة وانتشال الجثث المتفسخة التي تزكم روائحها الأنوف وتهدد برحيلهم مرة ثانية.