ملء فراغ "داعش".. معركة ما بعد تحرير الموصل
بينما تلوح في الأفق نهاية متوقعة لتنظيم داعش في معركة الموصل، على وقع تفاهمات مؤقتة، تستعد المنطقة لحرب أكثر ضراوة لبناء موازين القوة لملء فراغ التنظيم.
تضيق جغرافيا دولة الخلافة المزعومة، مع كل أرض جديدة تكسبها الدبلوماسية الإيرانية التركية في الطريق لتجاوز "سوء التفاهم"، فيما يرسم السلاح خارطة توازنات جديدة في الشرق الأوسط، مع انتقال معركة تحرير الموصل إلى داخل حدود المدينة للمرة الأولى منذ بدء المعارك قبل أسبوعين.
وتعكس معركة الموصل -حسب المراقبين- حجم التناقضات الإقليمية مع تعدد أهداف رفقاء السلاح المتحفزين لوضع حد لتنظيم داعش.
ويشير الباحث في الشؤون الإيرانية محمد محسن أبوالنور، إلى أن المعركة في الموصل أعادت العلاقات التركية الإيرانية لخطوط التفاهم العريضة تحت إلحاح الرهان الأمريكي الروسي على الدور الكردي في الإقليم.
لكن أبوالنور يرى أنه بالنظر إلى تعقيد الموقف الإقليمي فإن ما يبدو أكثر أهمية في الوقت الراهن هو مرحلة ما بعد الموصل، وهو أمر قد يتضح من موقف التحالف الدولي من الرقة، التي تعد النظير السوري للموصل.
وقال مسؤول ميداني عراقي، إن القوات العراقية اخترقت دفاعات تنظيم داعش في ضاحية شرقية بالموصل، يوم الاثنين، لتأخذ المعركة إلى معقل التنظيم داخل حدود المدينة للمرة الأولى.
وجاء القتال بعد أسبوعين من تقدم القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة التي أخلت المناطق المحيطة بالموصل من عناصر التنظيم في المراحل المبكرة من أكبر عملية عسكرية في العراق منذ الغزو الذي أطاح بصدام حسين في 2003.
تفاهم هش
ورغم ما يبدو من تفاهمات إيرانية تركية، يعتقد محمد عبدالقادر الباحث المتخصص في الشأن التركي أنها لحظة عابرة تشرف على مستقبل يحيطه الغموض في العلاقات بين البلدين مع اتساع حدود التناقض.
ويشير عبدالقادر إلى أن التفاهم المؤقت بين أنقرة وبغداد في اللحظة الراهنة هش، خاصة في ظل تبلور رغبة تركية في إعادة النظر في اتفاقية لوزان (1923) التي وضعت حدود الدولة التركية كما نعرفها اليوم.
ويرى مراقبون أن الموصل تبدو من وجهة النظر التركية سد يمكن أن يمنع الاتصال الفعال بين كردستان العراق والمواقع الكردية في سوريا، ومن ثم تسمح بأن تبقى المشاريع الاستقلالية الكردية، في سوريا والعراق، على شكل أقاليم جغرافية مطوقة ومعزولة، ما يمنع الأكراد الأتراك في النهاية من الاستفادة من المتغيرات الإقليمية الجديدة غير المرغوب فيها، وهي قضية يعيها الأكراد الطامحون أيضا إلى الاستحواذ على الموصل وتغيير الحدود التي رسمت منذ قرابة القرن، وقد أعلنوها صراحة قائلين إن "الحدود الجديدة ترسم بالدم".
لكن فيما تتقدم القوات العراقية والحشد الشيعي الموالي لإيران باتجاه الموصل، يسعى الجميع للاستفادة من التفاهم المرحلي.
يقول أبوالنور، معركة الموصل قد تسمح أيضاً بتقارب تركي عراقي ولو مؤقت.. إننا نسمع الآن عن وعود تركية بالانسحاب من شمال العراق بعد الانتهاء من معركة الموصل، رغم حدة الجدل بين أنقرة وبغداد خلال الأسابيع الماضية، فالجميع يرغب في أن يحافظ على وجوده في معركة الموصل.
موازين القوى
ويبدو بالنسبة للمراقبين أنه فيما تلوح في الأفق نهاية متوقعة لتنظيم داعش على وقع تفاهمات مؤقتة تستعد المنطقة لحرب أكثر ضراوة لبناء موازين القوة لملء الفراغ في بادية الشام من الموصل شرقاً إلى الرقة غرباً إلى القامشلي شمالاً.
ويدرك جميع الأطراف أن معركة الموصل ليست نزهة أو معركة خاطفة ناجحة بالضرورة لدحر تنظيم "داعش" الإرهابي.
وهو ما أكده عدة قادة عسكريين أمريكيين وعراقيين بقولهم إن المعركة ستستغرق عدة أسابيع، فيما قال البعض إن المعركة لن تنتهي قبل ديسمبر المقبل.
وتبدو النجاحات العسكرية التي تحققت خلال الأسبوعين الماضيين بدعم جوي وبري من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة مبهرة للبعض، فيما يعتبر آخرون أن لحظة الحقيقة لم تأتِ بعد بالدخول في مواجهة مباشرة مع عناصر "داعش" المتمركزة في مدينة الموصل.
وتقدمت القوات العراقية النظامية منذ بدء العملية في 17 أكتوبر الماضي على أكثر من محور من الشرق والجنوب، ونجحت بالفعل في تحرير عدد من القرى من أبرزها الخالدية والخياتة قرب مدينة القيارة، كما سيطرت على الرطبة بين الأنبار والحدود الأردنية، إلى جانب استعادة منطقة عين ناصر جنوب غرب الموصل.
ويتحرك الجيش العراقي من 3 محاور باتجاه شرق الموصل عبر السيطرة على القرى القريبة من الموصل بالتوازي مع تحرك من الجنوب، والذي يسير بوتيرة أسرع، ولكن ما زالت القوات العراقية بعيدا عن مدينة الموصل.
أما قوات البشمركة الكردية فتقدمت على محاور جنوب وجنوب شرق الموصل، وقامت بتطويق بلدة بعشيقة الإستراتيجية إلى جانب السيطرة على طرق إمدادات رئيسية لمدينة الموصل.
في المقابل، بدأت مليشيات الحشد الشعبي الطائفية التحرك بالفعل نحو مدينة تلعفر الإستراتيجية وتتحرك هذه المليشيات من المحور الجنوبي الغربي للموصل.
مخاوف الحرب الطائفية
وتعتمد القوات المشاركة في معركة الموصل على التقدم في المحاور الشرقية والجنوبية والشمالية والسيطرة على القرى للحيلولة دون أي عمليات إمداد بالمقاتلين أو الأسلحة لتنظيم داعش" خلال المعركة الفاصلة، إلى جانب الرهان على إمكانية قيام سكان الموصل بالاشتباك مع عناصر التنظيم الإرهابي في سياق انتفاضة شعبية تسهل من عملية تحرير المدينة.
وأبرز الصعوبات التي تواجه العمليات العسكرية في الموصل أنها تضم بين جنباتها 1,5 مليون نسمة مما يهدد بسقوط أعداد ضخمة من المدنيين من سكان المدينة. وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في معركة الموصل سيهدد العراق بحرب طائفية جديدة، خاصة أن أغلب سكانها من العرب السنة فيما القوات المشاركة أغلبها من الأكراد والعرب الشيعة.
ويشير خبراء عسكريون إلى أن المعركة في الموصل ستكون أصعب وأكثر تعقيداً من عملية استعادة السيطرة على قرى صغيرة كان يقطنها في السابق مسيحيون وعرب سنة وأصبحت خالية من السكان تقريباً.
ويخوض معركة الموصل 50 ألف جندي عراقي وشرطي ومقاتل من البشمركة، بدعم جوي وبري من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. كما انضم أيضا آلاف من المقاتلين من مليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران.
aXA6IDMuMTQ0LjEwOS4xNTkg جزيرة ام اند امز