الموصل.. "مطمع تاريخي" من الآشوريين والروم إلى الصفويين
مدينة الموصل العراقية تشهد حربا تعد الأكبر في تاريخها، لكنها الأخيرة في سلسلة من الصراعات تعود لعصور ما قبل الميلاد.
يرجع تاريخ مدينة الموصل الضارب في جذور التاريخ إلى حوالي 4000 عام تقريباً، يبدأ من حقبة قبل الميلاد وتحديداً إلى عام 1800 ق.م، وحتى يومنا هذا، وهو تاريخ اتخاذ الآشوريين محافظة نينوى عاصمة لهم.
ومع بداية الاستيطان الآشوري في الموصل، قاموا ببناء الأسوار والقلاع لتحصين المدينة وللدفاع عنها، وعلى الرغم من التوسعات التي أقامها الآشوريين ظلت المدينة مهملة فعلياً لأن ملوكها أقاموا في مدينة آشور وليس في نينوى، ولكن بمجيء آشور بانيبال الثاني للحكم عام "883- 859 ق.م" توسعت المدينة عمرانيا.
ووصلت الموصل إلى فترة مجدها عند تولي الملك "سنحاريب" الحكم في عام 700 ق.م، فقام ببناء القصور والقنوات لجلب المياه، وقام بتبليط الشوارع بالرخام، وفي عام 612 ق.م استولى الميديون والكلدانيون على المدينة ودمروا الحصن "العبوري" مما جعل أهالي الموصل ونينوى يفرون من المدينة، ولكن بعد انتهاء المعارك عاد الأهالي مرة أخرى وقاموا بتعمير المدينة وبناء البيوت، ما زاد من عمران المدينة وزيادة سكانها.
مرة أخرى، عانت الموصل من ويلات الحروب ودمارها ومنها الحرب بين الساسانيين والرومان في عام 241 و579، وأيضاً أصبحت الموصل حلقة للصراع بين الروم والفرس عام 627؛ حيث انتصر الروم وأصبحت الموصل ولاية تحت الحكم الروماني.
الموصل تحت الحكم العربي
استطاع العرب المسلمون دخول الموصل عام 637 بقيادة "ربعي بن الأفكل العنزي"، بعد لجوئه لحيلة عسكرية لدخول المدينة عن طريق القبائل العربية التي كانت تحارب الروم عن طريق انسحابها إلى الموصل، والادعاء بأنها هُزمت في تكريت وبالفعل استطاعوا دخول الموصل والسيطرة عليها وقامت الجيوش الإسلامية بالدخول بعدهم.
وبعد الفتح الإسلامي للموصل، قامت القبائل العربية بالتوطن هناك، وفي عهد الخليفتين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، زادت الهجرة العربية إلى الموصل، ليتم توسيع المدينة وتعميرها، ما جعلها مدينة كبيرة ذات كثافة سكانية عالية.
وفي العهد الأموي، ازداد توسع وتعمير المدينة بعد أن قام "سعيد بن عبدالملك بن مروان" بتحصين الموصل ورصف طرقها بالحجارة، وبناء جسر وقلعة، وشق نهر الحر بالمدينة، لتصبح جاذبة للقبائل العربية التي تزايدت بشكل كبير في العصر الأموي.
وعانى أهالي الموصل تحت الحكم العباسي للمدينة بعد ثورتهم على الوالي العباسي "محمد بن صول الفارسي"، فقام بقتل وتخريب بيوت الأهالي، وتم عزله وتولى بعده إسماعيل بن علي العباس، الذي قام بإصلاح أحوال البلاد والاهتمام بالخدمات وإصلاح الطرق والزراعة، مما أسهم في تحسن مركز الموصل الاقتصادي وعودتها همزة وصل بين الشرق والغرب.
وبعد انتهاء حكم العباسيين في الموصل أصبحت الموصل تحت نفوذ الحمدانيين في أواخر القرن الثالث للهجرة، وقد أصبحت مركزاً مهماً للتجارة، قبل أن تدخلها القبائل التركمانية ثم يسيطر عليها العثمانيون بقيادة "سليمان بن السلطان سليم" وتولية الوالي "محمد باشا بكلربكي".
الأطماع الصفوية في الموصل
حاولت الأسرة الصفوية السيطرة على الموصل عدة مرات، ففي عهد "حسين باشا الجليلي" حاول قائد الجيش الصفوي "نادر شاه" أن يستولي على الموصل عام 1732، وحاول احتلالها مرة أخرى بعدها بعام بعد أن كون جيشاً كبيراً تقدر قواته بنحو 300 ألف مقاتل، وتوجه إلى نهر دجلة، وكانت المعركة طاحنة وخسر فيها الجيش الصفوي.
وقام مرة أخرى الجليلي، محاصرة المدينة وإطلاق القنابل والنيران بغزارة، وأرسل رسالة إلى الوالي يتوعده فيها، ولكن أهالي المدينة قرروا مقاتلته وعدم الاستسلام، ولم يتمكن الجيش الصفوي من احتلال الموصل رغم ضخامة جيشه وحصاره للمدينة 40 يوماً، بل فقد الجيش الصفوي أعداداً كبيرة من جنوده ونفذت مؤونته، وأخيراً اضطر نادر شاه إلى عقد الصلح مع الوالي حسين باشا الجليلي، وغادر الجيش الصفوي ولم يستطع دخول الموصل.
معاناة الموصل من ويلات الحروب
عانت الموصل من ويلات كثيرة من أشهرها المجاعة التي سميت "غلاء الليرة" عام 1878، حيث شحت الأمطار في الموصل مما جعلت أرضها تعاني من العطش وأصيبت بالبوار، وارتفعت أسعار المواد الغذائية ومنها الحنطة التي أصبحت الوزنة الواحدة منها بليرة ذهب عثمانية، حتى أكل الناس فيها الحيوانات والجيف.
وعانت من مجاعة أخرى في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1917، التي سميت وقتها "سنة الغلاء"، نتيجة هزيمة الجيش العثماني في حربهم مع الإنجليز والذين دخلوا الموصل عام 1918 دون قتال بعد الهدنة.
ولم يعانِ أهالي الموصل من ويلات الحروب فقط على مر التاريخ، وإنما عانوا أيضاً من ويلات الطبيعة.. ففي عام 1906 تجمد نهر دجلة تماماً حتى سار الأهالي عليه، بسبب حدوث عواصف ثلجية نتيجة البرد الشديد الذي تسبب في هلاك الحرث والنسل، وتكررت العواصف الثلجية مرة أخرى عام 1911 بتساقط كميات كبيرة من الثلوج أدت إلى هلاك المواشي والأراضي وعرف بعام "ألذارية".
وما زالت الموصل تعاني حتى يومنا هذا من أطماع وصراعات دولية عديدة يعاني منها أهالي المدينة العراقية العريقة، الذين يخوضون معارك يومية لتحرير مدينتهم من سيطرة العصابات المسلحة المختلفة التي تحاول السيطرة على أرضهم، التي قامت بأعمال النهب والدمار والسلب لحياة وبيوت الأهالي البسطاء في الموصل.