"الطعام البطيء".. حركة ثقافية تواجه الوجبات السريعة

الباحثة العراقية بلقيس شرارة تؤكد أن الهدف من حركة "الطعام البطيء" هو مواجهة زوال تقاليد المائدة التي كانت تجتمع حولها العائلة.
ربما لا يعرف كثيرون من المارين في ساحة المدرجات الإسبانية الشهيرة في قلب روما وبالقرب من مطعم ماكدونالدز الكبير، أن المكان نفسه شهد قبل أعوام عدة انطلاق أكبر حركة احتجاج في العالم ضد مطاعم الوجبات السريعة، وتحول الاحتجاج لحركة ثقافية مهمتها التعريف بالتنوع الثقافي اعتمادا على وصفات الطبخ والمكونات الغذائية الطبيعية.
وفي كتابها "الطباخ.. دوره في حضارة الإنسان.. التطور التاريخي والسوسيولوجي للطبخ وأدوات المائدة" الصادر عن دار المدى تتوقف الباحثة العراقية بلقيس شرارة أمام حركة "الطعام البطيء" بوصفها تأكيدا لنمط مغاير من "عولمة الطبخ" هدفه مواجهة الاستهلاك وثقافة الوجبات السريعة.
وتشير شرارة إلى أن الهدف من الحركة مواجهة زوال تقاليد المائدة التي كانت تجتمع حولها العائلة، فالإحصائيات تقول إنه في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تجتمع العائلة حول المائدة لأكثر من 6 دقائق، حيث أصبح تناول الطعام يتم غالبا في الشارع أو أمام التلفزيون؛ ما حرم العائلة من فرصة الحوار وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتهدد ما تبقى من وقت.
وفي مواجهة هذا الأمر، ظهرت حركة "الطعام البطيء" التي تدعو إلى تباطؤ وتيرة الحياة، وبدأت مع عالم الاجتماع والناشط الإيطالي "كارلو بيتريني" احتجاجا على افتتاح مطعم ماكدونالدز في ساحة المدرجات الإسبانية الشهيرة في روما عام 1986.
وبدأ كل شيء ببيان بسيط نشره بيتريني عام 1986 في بلدته برا القريبة من مدينة تورينو في مقاطعة كونيو بشمال إيطاليا مؤذنا بانطلاق الحركة التي جاءت ردا على الوجبات السيئة التي تعد بغير تأنٍ أو إتقان، ناهيك عن الوجبات السريعة.
وانتهى الأمر لإنشاء حركة تدعو إلى ثقافة غذائية مواجهة للأطعمة السريعة، وتعتمد على العودة إلى الطبيعة سواء في إنتاج أو تجهيز وجبات الأطعمة وأصبحت "سلو فود"، التي تتخذ من الحلزونة شعارا لها، حركة دولية بدءا من 1989، وأعقبها ظهور ما يسمى حركة المدن البطيئة التي تؤكد الثقافة التي تحافظ على التنوع الخلاق، وتسعى للحفاظ على المطبخ التقليدي وتقاليد تناول الطعام في المجتمعات المحلية والطريف أنه من هذه الحركة تناسلت حركات أخرى تمجد البطء.
ولم يكتفِ كارلو بيتريني بالاحتجاج، بل قام بتنظيم مؤتمرات عدة في مدن عالمية للتعريف بأهداف حركته التي أصبحت عالمية بدعوتها لتشجيع الإنتاج المحلي، وإحياء تقاليد تناول الطعام والدفاع عن التنوع البيولوجي الزراعي، وبعد 18 عاما من انطلاقتها، تجمع هذه الحركة "الفلسفية-الغذائية" التي تؤمن بمطبخ يجمع حول مائدة مضيافة لذة الأكل المتقن، واختيار المنتجات الطبيعية والتقليدية عشرات الأعضاء والأصدقاء عبر العالم.
وفي عام 2004 قامت الحركة بتأسيس جامعة علوم لتذوق الطعام في Pollenzo كوسيلة لفهم مدى تعقيد الطعام، وكانت أول مؤسسة أكاديمية من نوعها في العالم، وتم مكافأتها مؤخرًا بالاعتراف الرسمي بفئة جديدة من وزارة التعليم والجامعات والبحوث الإيطالية.
وبعد مرور 30 عامًا على تأسيس الجمعية تغير السياق العالمي الذي تعمل فيه حركة (سلو فود) بشكل جذري من حيث تنامي ثقافة الاستهلاك ونمو مضاد لحركات روحية أخرى تسعى لمواجهة أكلات الوجبات السريعة؛ ما جعل الحركة قادرة على الاستمرار لتضم 83 ألف عضو في 50 بلدا.
وتوضح بلقيس شرارة أن هذه الحركة لم تتورط في تبني خطابات قومية بل كان هدفها إغناء العولمة بالتنوع القادم من ثقافات محلية، حيث ينظم سنويا مهرجان بعنوان المهرجان الدولي للطعام البطيء، يعرف باسم "الصالون الدولي للضيوف" أو "سالون إنترناسيونالي ديل جوستو"، يقام في مدينة تورينو الإيطالية.
aXA6IDE4LjIxNy4xMDMuMTExIA== جزيرة ام اند امز