رواية "كالماء للشيكولاتة".. الطعام وسيلة للتعبير عن الحب
رواية تعتمد اعتمادا كاملا على السرد من داخل المطبخ ومشاعر الحب تبدو كوصفات.
تعتبر رواية "كالماء للشيكولاتة" للكاتبة المكسيكية لورا إسكيبيل واحدة من أشهر الأعمال الأدبية التي تناولت عالم الطبخ وثقافة الطعام، إذ تستعرض حكاية امرأة تكن حبًا غير معلن لرجل ما لن تتمكن منه، فاستعاضت عن العشق بفن الطعام. وبدلاً من أن تكبت رغبتها في باطنها، فجرت أحاسيسها الأنثوية، في وصفات مختلفة يمثل الحب المكون الرئيسي فيها.
ومؤلف الرواية هي لورا إسكبيل واحدة من أشهر كتاب أمريكا اللاتينية، استخدمت في كثير من أعمالها حركتين أدبيتين مهمتين وهما الواقعية السحرية والحركة النسوية، إذ كتبت بين عامي 1979 و1980 برامج للأطفال في السلسلة الثقافية للتلفزيون المكسيكي، وفي عام 1983 أسست مركز الاختراع الدائم، الذي يتألف من ورش عمل فنية للأطفال، وأعطاها العمل في التلفزيون الحافز لتكرس نفسها لكتابة النصوص السينمائية. وفي رواياتها، أظهرت نوعا من الواقعية السحرية للجمع بين ما هو خارق للطبيعة وما هو دنيوي.
وتنتمي رواية "كالماء للشوكولاتة" التي صدرت عام 1989 وترجمت للعربية من خلال المترجم الفلسطيني ذائع الصيت صالح علماني، واعتُبرت واحدة من أهم روايات الأدب اللاتيني، إلى مدرسة الواقعية السحرية، وقد كتبتها لورا إسكيبيل بلغة جميلة مشبعة بروائح الخبز الساخن والحليب المغلي والبهارات.
واستوحت الكاتبة عنوان الكتاب من المطبخ المكسيكي الذي يعتمد في صناعة الشوكولاتة على الماء بدلا من الحليب، على خلاف الدول الأخرى، وترتبط هذه الفكرة بصورة الماء الذي ما إن يصل إلى درجة الغليان حتى تُضاف إليه الشوكولاتة لتذوب فيه وتأخذ طعمها المميز.
في عام 1992 عرضت الرواية في فيلم سنيمائي أنجزه زوجها المخرج ألفونسو أراو، وحصلت على 10 جوائز منها جائزة أرييل لأكاديمية الفنون المكسيكية وجائزة العلوم السنيمائية. وقد حقق كل من الفيلم والكتاب -والمترجم الي أكثر من 30 لغة- نجاحا هائلا في مختلف البلدان. وفي عام 1994 حصلت على جائزة كتاب العام لبائع الكتاب الأمريكي (بالإنجليزية: American bookseller book of the year)، التي تمنح لأول مرة لكاتبة أجنبية.
ويبدأ كل فصل في الرواية بوصفة ترتبط بذكرى أو حادثة معينة في حياة البطلة. وبذلك، يكتشف القارئ، بمرور الصفحات، أنه أمام نص جميل يراوح بين حالتين متباعدتين، الأولى روحانية وهي العشق، والثانية مادية وتتمثل في الطعام.
تؤكد الكاتبة أن للروائح خاصية إعادة إنتاج أزمنة غابرة جنبا إلى جنب مع أصوات وروائح لا مثيل لها في الحاضر.
وربما لهذا السبب احتار النقاد في تصنيفه، فهل هو رواية حب تم سردها في مكان أنثوي وهو المطبخ؟ أم هو كتاب تاريخي يدون لنا الكثير من تقاليد وعادات هذا المجتمع في تلك الحقبة التاريخية؟ أم هو كتاب لوصفات الطهي؟
في الرواية، تحرم التقاليد المجتمعية في المكسيك الزواج على تيتا الابنة الصغرى لعائلة دي لا جارثا، في الوقت الذي عشقت فيه تيتا حبيبها ببيدور، إلا أن والدتها تقف بقوة وحسم أمام هذا الزواج، ويقرر بيدور الزواج من روساورا أخت تيتا، فقط لكي يظل بالقرب منها.
وفي محاولة من تيتا لتخطي مرارتها نتيجة هذا الزواج، تقرر التواصل مع حبيبها بيدور من خلال الطعام، فبدون النطق بكلمة واحدة كانت الروائح والتوابل المنبعثة من الطعام الذي تعده تيتا كفيلا بتأجيج مشاعر الحب كل مرة بقلب بيدرو، وبعد سنة من زواج بيدور بأختها، تختار تيتا طاهية رسمية للمزرعة، وتتلقى حينها أول باقة ورد من بيدرو بسبب نجاحها الذي حققته، وهنا تتأكد تيتا عبر نظرات بيدور من حبه لها، هنا تتدخل أمها وتطلب منها التخلص من باقة الورد، ولأن تيتا لم ترغب بذلك، فتقرر تحضير وجبة طيور السمان مع بتلات الورد التي أهداها لها بيدور، فبهذه الطريقة لن تموت تلك الورود أبدا، وسيظل تأثيرها قويا فقط بسبب دمجها بالطعام.
"إن هذا كمتعة إلهية" هكذا يهتف بيدرو بسبب وجبة الطعام التي أعدتها له تيتا، حيث نتج عن الورود وطيور السمان وجبة رائعة، أما ما حدث لخيرتردويس أخت تيتا الثالثة فهو الغريب حقًّا، خيرتردويس كانت قد أغرمت في ذلك الصباح بخوان قائد كتيبة الثوار في القرية، وبعد تناولها لطيور السمان أحست بالتعب، إذ أخذت تتعرق بغزارة من كل أنحاء جسدها. وكانت قطرات العرق المتصببة منها وردية اللون ولها رائحة الورد اللطيفة والنفاذة.
رواية "كالماء للشوكولاتة" رواية ممتعة تجمع بين غذاء الروح وهو الحب، وغذاء الجسد وهو الطعام، بأسلوب فني مُبتكر. كما تقدم حكاية حب مستحيلة، تستغلها تيتا لتبتكر أطباقا شهية ورائعة تؤجج نار الحب عند حبيبها بيدرو وتزيده اشتياقا لها وتعلقا بها.
aXA6IDE4LjExOC4xMzcuOTYg جزيرة ام اند امز