"مانشستر بجوار البحر".. كيسي أفليك البطل الضد

فوز كيسي أفليك بأوسكار أحسن ممثل، بطولته لفيلم (مانشستر بجوار البحر) هو نموذج لأفلام (البطل الضد) التي طالما قدمتها هوليوود.
جاء أوسكار أحسن ممثل ليزيد من دهشة الحاضرين المتابعين للحفل، فقد فاز به كيسي أفليك، أخو النجم بن أفليك، عن بطولته لفيلم (مانشستر بجوار البحر)، وسبق لكيسي الفوز بجائزة "جولدن جلوب" عن نفس الدور.
بدأ كيسي التمثيل في سن الحادية عشرة، عندما لعب دور أخ (الممثل كيفين بيكون) عام 1988 في فيلم تليفزيوني، وعندما شب كيسي ذهب إلي كاليفورنيا ليدرس التمثيل، بجانب دراسته للفيزياء في جامعة كولمبيا، ليبدأ حياته السينمائية بأدوار صغيرة، ولكنه عمل كمساعد مخرج ومونتير، ومدير إنتاج.
عمل "كيسي" في العديد من الأفلام الأمريكية المستقلة، مع أخيه وزملاء الدراسة، حيث التقطه المخرج الأمريكي ستيفن سوديربرج، ومنحه فرصة المشاركة في كل أفلام (أوشن) في أعوام 2001، و2004، و2007.
برز كيسي في العديد من الأفلام المستقلة، التي جذبت إليه الأنظار؛ ففي 2005 أعطاه الممثل ستيف بوشيمي دور البطولة في فيلمه (Lonesome Jim) الذي قام بإخراجه وقدم من خلال مهرجان (صن دانس) الشهير للأفلام المستقلة، ليحوز على إعجاب كبير.
وفي عام 2006 قام ببطولة فيلم (القبلة الأخيرة)، من إخراج توني جولدوين، قبل أن يعطيه أخوه بن أفليك دورا مهما في أول أفلامه كمخرج مع فيلم (Gone Baby Gone) في 2007، ليبرز بشكل كبير يسمح له بالوقوف أمام براد بيت في الفيلم الشهير (مقتل جاسي جيمس على يد الجبان روبرت فورد 2008)، ليحصل على أول ترشيح له لجائزة الأوسكار كأحسن ممثل مساعد.
ويبدأ نجمه في الصعود، لنجد اسمه مع العديد من النجوم في أعمال هوليوود الكبرى، لعل من أهمها وأشهرها دوره في فيلم (كريستوفر نولان) الشهير (Interstellar 2014).
فيلم (مانشستر بجوار البحر) الذي فاز عنه كيسي أفليك بجائزة أوسكار أحسن ممثل هو نموذج لأفلام (البطل الضد) الذي طالما قدمتها هوليوود بعيداً عن أعمالها الكبرى في تاريخها، والتي لمع من خلالها ممثلون مثل جيمس دين ومارلون براندو، ومونتجمري كليف، قبل أن يقوم روبرت ردفورد، وآل باتشينو بتجسيد أدوار مماثلة في سينما السبعينيات والثمانينيات.
شخصية البطل الذي لا يمتلك أياَ من عوامل الجذب الهوليوودية ، فهو لا شجاع ولا بطل خارق ولا جاذب للنساء بوسامته، وغيرها من الصفات التي طالما دمغت بها هوليود معظم أبطالها.
فهو مجرد حارس عقارات لمجموعة من المركبات السكنية في بوسطن، نكتشف من خلال الأحداث جفاف مشاعره وعنفه الزائد الذي يصل إلى حد لكمه لأحد رواد الحانات لمجرد أنه ينظر إليه.
تلك هي شخصية لي شاندلر التي يجسدها كيسي أفلاك في فيلم (مانشستر بجوار البحر) عبر سيناريو كتبه "كينث لونرجان"، والذي ساهم في كتابة فيلم (عصابات نيويورك 2002) من إخراج مارتين سكورسيسي، فيلم (مانشستر على البحر) هو إنتاج النجم مات ديمون، صديق بن أفلك، أخو كيسي أفلك، بطل الفيلم، وقد فاز مات ديمون وبن أفليك بأوسكار أحسن سيناريو عن فيلم (Good Will Hunting 1997).
نكتشف أن الحياة القاسية التي يحيياها "لي" بطل الفيلم، لها جذورها من الماضي، وذلك عندما يتم إخباره بوفاة أخيه بأزمة قلبية، لذا فإنه يعود إلى بلدته الساحلية الصغيرة (مانشستر بجوار البحر) المطلة على المحيط في ولاية "ماساشوستس"، التي تحيا على الصيد والسياحة.
يبدأ الفيلم الجولة في الماضي من خلال "فلاش باك" سلس، نتعرف من خلاله على حياة "لي شاندلر" المأساوية التي جعلت منه هذا الإنسان الجامد العنيف.
فهو فقد ولاديه في حريق منزله، حيث كان هو بإهماله المتسبب في نشوب هذا الحريق، الذي نجا منه مع زوجته، وابتلعت النيران أطفاله، فماتت مشاعره وقتل طموحه، ولم يعد يمكنه أن يرتبط بمصير أي كائن آخر.
لذا عنما يكتشف أن أخاه الراحل قد أوصى له برعاية ابنه حتى يبلغ سن الثامنة عشرة، يحاول التنصل من تلك الوصية بجميع الطرق، وعن لم يستطع، يحاول إقناع ابن أخيه بالعودة معه إلى بوسطن، وترك تلك البلدة التي تذكره بالماضي المحزن والقاسي، وعندما يرفض ابن أخيه الرحيل يتركه عند عائلة صديقه، ويرحل عائداً.
يحتوي الفيلم على كل عناصر الميلودراما من موت لأطفال، وطلاق، ونهاية الحياة بالنسبة لفرد مازال على قيد الحياة، ولكن طريقة السرد وأداء الممثلين، لم يحاول للحظة انتزاع مشاعر التعاطف أو الشفقة من المتفرج، بل على العكس كان كل ما يهم الفيلم هو إبراز موت مشاعر بطله، الذي قد عاني من مأساوية ما مر به في حياته، ليتحول إلى رجل جليد مشابه لأكوام الجليد الأبيض الذي يحاصرنا طوال مدة الفيلم.
جمود المشاعر هذا لا يعني عدم تعاطف البطل مع ابن أخيه، أو مع حادث موت أخيه، ولكن يعني خوائه هو من مشاعر استكمال الحياة، والرغبة في البدء من جديد، أو بناء حياة اجتماعية وعاطفية جديدة.
فيلم رقيق يعلمنا عن سينما هوليوود المختلفة التي تبتعد عن السينما التقليدية المحققة لأعلى الإيرادات، ولقد كانت الأفلام المرشحة لأوسكار هذا العام تحتوي على الكثير من النماذج لقصص المعذبين والبائسين، والذين قتلتهم الوحدة، وقبلوا أن يعيشوا ويكملوا الحياة بجراحهم دون انتظار شفقة من أحد.
التريلر الدعائي الرسمي لفيلم (مانشستر بجوار البحر):