خبراء لـ«العين الإخبارية»: التحنيط بالدخان بدائي ولا يقارن بالمصري القديم

نفى خبراء وجود أي صلة بين ممارسات التحنيط في الحضارات الأخرى وتلك التي عرفها المصريون القدماء. وأكد الخبراء أن محاولات التحنيط التي سبقت الحضارة المصرية زمنياً كانت بدائية وتقليدية، ولم تقم على أي أساس علمي.
وقال د. زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق وعالم المصريات الشهير، في تصريحات لـ«العين الإخبارية»، إن التحنيط بالتدخين، الذي اكتُشف في آسيا ويُعد أقدم زمنياً من التحنيط المصري، لم يكن قائماً على أي علم، وجاء أقل جودة بكثير من التحنيط المصري الذي حافظ على الجسد بهيئته الكاملة.
وأوضح حواس أن التحنيط بالتدخين كان يعتمد على وضع الجسد، دون إزالة أعضائه الداخلية، في مكان خاص فوق نار منخفضة ودخان كثيف لفترات طويلة قد تصل إلى شهور، لتجفيف الأنسجة. بينما كان التحنيط المصري عملية علمية معقدة تبدأ بإزالة الأعضاء الداخلية (المعدة، الأمعاء، الكبد، الرئتين)، مع الإبقاء على القلب، ثم تفريغ الجمجمة من المخ، يليها تجفيف الجسد باستخدام مادة «النطرون» (خليط من الأملاح) لمدة 40 يوماً لامتصاص الرطوبة. وبعد التجفيف، كان الجسد يُلف بلفائف الكتان ويُدهن بالزيوت والراتنجات العطرية التي تعمل كمطهرات وحاجز ضد البكتيريا.
ويقول حواس: "الفرق بين العمليتين واضح، فالتحنيط المصري كان هدفه الحفاظ على الجسد كاملاً وهيئته الخارجية لأطول فترة ممكنة، لأن المصريين اعتقدوا أن الجسد ضروري لعودة الروح في الحياة الآخرة. أما التحنيط بالدخان فلم يحافظ على الشكل الكامل للجثمان، والدليل أن ما عُثر عليه لم يكن سوى بقايا بشرية".
وعُثر على هذه البقايا مدفونة في أوضاع القرفصاء أو الجلوس، مع وجود آثار قطع وحروق، في مواقع أثرية بالصين وفيتنام، وبدرجة أقل في الفلبين ولاوس وتايلاند وماليزيا وإندونيسيا.
وبحسب دراسة نُشرت مؤخراً في دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس"، فإن العظام أظهرت علامات تعرض الأجساد للحرارة، ما يشير إلى أنها جُففت بالدخان فوق نار منخفضة، ويُرجَّح أن تاريخها يعود إلى نحو 12 ألف سنة، أي قبل ممارسات التحنيط الفرعونية.
من جانبه، أشار المؤرخ والمحاضر الدولي بسام الشماع إلى تفاصيل فنية تجعل التحنيط المصري فريداً من نوعه، أبرزها براعة المصري القديم في استخراج المخ عبر فتحتي الأنف، وهي تقنية لم يعرفها غيره. ففي حضارة «تشينتشور» بتشيلي، كان المخ يُستخرج عبر فتحة في الرأس مما يؤدي إلى تدمير جزء من الجمجمة، بينما تكشف الأدوات الموجودة بالمتحف المصري بالتحرير عن براعة المصري القديم في تنفيذ هذه العملية بدقة عبر الأنف، بما يضمن الحفاظ على سلامة الرأس.
وتُعرف هذه التقنية باسم «التفريغ عبر الأنف»، حيث كان المحنطون يستخدمون أداة معدنية طويلة ورفيعة على شكل خطاف تُدخل عبر فتحة الأنف حتى تصل إلى قاعدة الجمجمة، لتفتيت أنسجة المخ وتحريكها بمساعدة زيوت خاصة. ثم يُقلب الجسد لتنساب بقايا المخ السائلة إلى الخارج، قبل غسل التجويف الداخلي بمواد عطرية أو نبيذ نخيل، وملئه بالكتان أو الراتنج للحفاظ على شكل الجمجمة ومنع التعفن.
ويضيف الشماع: «إذا كنا قد اعتبرنا تحنيط حضارة تشينتشور أقل كفاءة لأنه لم يحافظ على شكل الرأس، فماذا نقول عن التحنيط الآسيوي بالدخان الذي لم يحافظ على الجسد بكامل هيئته، بدليل أن ما عُثر عليه لم يكن سوى بقايا بشرية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز