انتهى قبل أيام مؤتمر ميونخ للأمن الـ58، وهو المحفل الأكبر في العالم الذي يناقش قضايا الأمن الرئيسة التي تهم المجتمع الدولي ككل.
خصوصاً الدول الكبرى فيه. وقد شهدت دورة هذا العام مناقشة قضايا عديدة وملفات ساخنة. يمكن وصفها بأنها قضايا فرضتها التحولات التي استجدت على اهتمامات العالم.
فباستثناء الأزمة الأوكرانية التي فرضت نفسها على المؤتمرين وباتت تهدد بعودة العالم إلى أجواء الحرب الباردة وتذكر الرأي العام العالمي بأزمة الصواريخ الكوبية قبل ستين عاماً، فقد كان الغالب على أجندة المؤتمر قضايا "عالمية" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولعل أبرز تلك القضايا والتحديات هي: تغير المناخ، جائحة كورونا، الأمن السيبراني، الأمن الغذائي، والإرهاب. وكما هو واضح هي لم تظهر من فراغ، ولا هي تهديدات مفاجئة للأمن والاستقرار في العالم.
وإنما درجة التعامل الدولي مع كل التحديات وتحركاتها تختلف حسب مستوى خطورة وإلحاح كل تحد، لكن الأهم هو مدى استعداد حكومات العالم للتعامل معها بما تستحق من اهتمام ومن إجراءات عملية. فعلى سبيل المثال، أُجبر العالم كله على اتخاذ إجراءات قاسية ومشددة فرضتها عليه جائحة كورونا. ليس فقط من أجل الحد من أعداد الضحايا التي بلغت إلى ملايين، لكن أيضاً لتقليل حجم وتأثير الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها كل دول العالم، طبعاً بنسب مختلفة، في حين لم يحظ التغير المناخي وحتى الغذاء بما يستحق من اهتمام.
الإمارات وكعادتها مع القضايا التي تخدم الأمن والاستقرار الدوليين فقد كان لها موقفها ورؤيتها الخاصة التي عادة ما تتصف بمزتين قلما تجدها في كثير من دول العالم وهما: الميزة الأولى: الاستباقية في استشراف التحديات من أجل الاستعداد لمواجهتها أو من أجل التقليل من تداعياتها السلبية.
الميزة الثانية: التوازن بين المحافظة على المستويات التنموية للدول بالطريقة التي لا تجحف من الاحتياجات البشرية وبين مواجهة بعض التحديات التي بدأت تفرض نفسها بأنها ستكون لها تأثير سلبي على البشرية وأقصد هنا المناخ تحديداً ولكن هذا لا يعني عدم البحث عن المعالجات والحلول البديلة.
ووفق ما سبق ذكره، فقد عبرت مشاركة معالي الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والمبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، في الجلسة الرئيسية بالمؤتمر عن الرؤية الموضوعية التي تتبناها الإمارات حول كيفية التصدي لهذه القضية المهمة والتي لخصها معاليه في ضرورة التعامل بمرونة مع قضية المناخ.
والمقصود بالمرونة التوازن والديناميكية. فالحرص على تقليل الانبعاثات لا يجب أن يكون مدعاة لوقف النمو. كما أن تحقيق النمو الاقتصادي والتطور الصناعي، يجب ألا يكون على حساب مستقبل البشرية بل وحاضرها.
واستكمالاً للهم الإنساني فإن استراتيجية دولة الإمارات الأمن الغذائي تصدرت جلسة "ضرورة تغيير البذور: ضمان الأمن الغذائي" وهي إحدى أهم جلسات وحوارات مؤتمر ميونخ في هذه الدورة. حيث استعرضت خلالها معالي مريم المهيري وزيرة التغير المناخي والبيئة بالإمارات، استراتيجية الدولة لتحقيق الأمن الغذائي التي صاغتها الإمارات في عام 2018 أي أنها أولت اهتمامها وركزت جهودها إلى ملف الأمن الغذائي قبل مؤتمر ميونخ بفترة وحتى قبل معرفة تداعيات جائحة كورونا في الجانب الغذائي. وينطبق الأمر نفسه، ولو بشكل مختلف قليلاً، على قضية الأمن السيبراني وهي في الواقع أوسع من نطاق "الأمن" بمعناه المباشر وهي الأخرى وجدت اهتمام من القيادة الإماراتية من خلال فعاليات مؤتمر يومكس وسيمتكس 2022 الذي عقد في أبوظبي الأسبوع الماضي حيث دعت دولة الإمارات المجتمع الدولي إلى التكاتف لمواجهة تحديات مخاطر الطائرات غير المأهولة "درونز".
إن النقطة التي ينبغي التركيز عليها أنه قد يكون مؤتمر ميونخ لهذا العام قد التفت إلى نوعية مختلفة من القضايا والتحديات التي فرضت نفسها مؤخراً رغم أنها موجودة من قبل، لكن تبقى المشاركة الإماراتية المميزة والرؤية الاستباقية التي قدمتها في المؤتمر، تأكيداً مجدداً للمكانة التي احتلتها الإمارات بأن تكون شريكاً أساسياً وفاعلاً رئيسياً في صياغة مستقبل البشرية في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة