فرنسا في مواجهة اختراق الإخوان.. من الرقابة إلى خنق التمويل

مع تصاعد القلق الرسمي من الاختراق الإخواني، تتحرك الحكومة الفرنسية نحو تشريع يضيق الخناق على الجماعة في مجالات التمويل.
فقد أصبح تنظيم الإخوان في صلب النقاش حول الإسلام السياسي في فرنسا، لا سيما في وسائل الإعلام التي تضغط باتجاه اتخاذ خطوات عاجلة في هذا الملف، خاصة فيما يتعلق بوقف مصادر الدعم المالي.
ورغم استمرار الجدل حول حجم وجود الجماعة في المشهد الديني الفرنسي، فإن القلق يتزايد من قدرتها على التمدد "الناعم" داخل المؤسسات، ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تبني استراتيجية أكثر صرامة تقوم على خنق التمويل وفرض رقابة قانونية واسعة.
الإخوان.. تهديد يصعب تحديده
ووفقا لما طالعته "العين الإخبارية" في مجلة Le Pèlerin، الفرنسية، بات اسم "الإخوان المسلمين" حاضرا بقوة في المشهد الإعلامي خلال الأسابيع الماضية، وغالبا ما يتم تقديمه كتنظيم يسعى إلى "أسلمة" المجتمع الفرنسي.
وقد تناول تقرير رسمي صادر عن وزارة الداخلية هذا الخطر، حيث تم تقديمه لمجلس الدفاع في 21 مايو/أيار الماضي.
وبعد مرور أربع سنوات على إقرار قانون "مكافحة الانفصالية"، يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الذهاب لأبعد من ذلك، عبر تسهيل تجميد الأصول وفرض عقوبات على الجمعيات المصنّفة إخوانية في فرنسا أو ذات طابع مجتمعي مغلق، وعلى رأسها جماعة الإخوان. ومن المنتظر تقديم مشروع القانون قبل نهاية الصيف.
تاريخ الحضور الإخواني في فرنسا
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن نشأة الإخوان في مصر خلال عشرينيات القرن الماضي، على يد حسن البنا، وانتشار فكر الجماعة منذ ذلك الحين في عدد من الدول الإسلامية.
أما في أوروبا، فقد بدأت جذور التنظيم بالظهور منذ ستينيات القرن الماضي، واندمجت لاحقا في فرنسا تحت مظلة "اتحاد المنظمات الإسلامية"، الذي تحول اسمه إلى "مسلمو فرنسا" عام 2017.
وبحلول عام 2025، ارتبط "مسلمو فرنسا" بنحو 139 مكانا للعبادة، أي ما يعادل 7% من المساجد وقاعات الصلاة في البلاد.
وعلى الرغم من أن عدد المنتسبين إلى التيار الإخواني في فرنسا لا يتجاوز ما بين 400 وألف عضو، فإن عددا من المراقبين يحذرون من تمدد نفوذ ناعم وخفي للجماعة داخل المؤسسات، بحسب المجلة الفرنسية.
تحذيرات من التأثير الخفي
وتحذر عالمة الأنثروبولوجية الفرنسية فلورانس بيرجو-بلاكلير، التي تعرضت لتهديدات بالقتل عقب صدور كتابها "الإخوان وشبكاتهم"، من أن تأثير هذا التيار لا يقتصر على الدين، بل يمتد إلى الجامعات والرياضة والمستشفيات والسجون، بل وحتى إلى القضاء
ويشير تقرير وزارة الداخلية إلى أن جماعة الإخوان تركز نشاطها في المجال الثقافي والتربوي والجمعوي، بهدف نشر أيديولوجيتها التي تعلي الشريعة على قوانين الجمهورية، وتكرّس التمييز ضد المرأة.
ويحذر بعض المسؤولين المحليين من تنامي نفوذ هذا التيار على المستوى البلدي. فقد صرّح ألكسندر بروجيير، محافظ إقليم "هوت دو سين"، أن "ثلث دور العبادة في الإقليم تقع تحت تأثير تيارات الإسلام السياسي – من بينها الإخوان – أو مستهدفة لاختراقها"، مشيرًا إلى إغلاقه مؤخرًا لمعهد لغات عُلّقت فيه صور لأشخاص بلا وجوه.
من جهة أخرى، يرى بعض الباحثين أن التيار يمر بمرحلة ضعف وتراجع، خصوصا بعد توقف مؤتمراته السنوية الكبرى في منطقة لو بورجيه، والتي كانت تستقطب عشرات الآلاف قبل جائحة كورونا. وهو ما تحدث عنه عالم الاجتماع فانسون جيسير.
ويشير جيسير إلى أن المسلمين المعتدلين في فرنسا سبق أن لعبوا دورا في مواجهة التطرف، لكن الانتقال من هذا الاعتدال إلى التمثيل المؤسسي للإسلام السياسي خلق ردة فعل عكسية.
ماكرون يضرب محفظة الإخوان
وبعد ستة أسابيع من صدور تقرير رسمي عن جماعة الإخوان المسلمين، أعلن الرئيس الفرنسي عن مجموعة من الإجراءات العملية لمواجهة خطر الاختراق.
ويركز الإجراء الأول الذي اتخذه ماكرون على مواجهة تمويل التنظيم، فيما يهدف الثاني إلى تعديل الإطار القانوني لضمان رقابة أكبر على مصادر الدعم.
وقد نشرت مجلة Franc-Tireur الفرنسية تحقيقا بعنوان: "الإخوان المسلمون: ماكرون يضرب المحفظة".
واعتبرت أن الرئيس الفرنسي يسعى إلى تسليح الدولة قانونيا بهدف منع تسلل التنظيم في المجتمع الفرنسي، خاصة من خلال بوابة التمويل والجمعيات.