التحركات ضد الإخوان تثمر بألمانيا.. طردها الحلفاء وتراقبها السلطات
يضيق الخناق بشكل متزايد على الإخوان الإرهابية في ألمانيا، وتتحول الجماعة شيئا فشيئا إلى كيان منبوذ يلفظه القريب والبعيد.
وطوال شهر يناير/كانون ثاني الجاري، أبرزت "العين الإخبارية" في أكثر من تقرير الضغوط المتزايدة على الإخوان الإرهابية في ألمانيا، على عكس ما يروج له التنظيم بأن الحكومة التي يقودها الاشتراكيون الديمقراطيون نزلت بردا وسلاما عليه.
واليوم، تجلت الضغوط التي تتعرض لها جماعة الإخوان الإرهابية في الأراضي الألمانية، في لفظ المجلس المركزي للمسلمين، للمنظمة المظلية للجماعة، بعد أن ربطهما تحالف امتد لـ٢٠ عاما.
كارت أحمر
وفي وقت سابق اليوم الإثنين، أعلن المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، طرد المنظمة الممثلة لجماعة الإخوان الإرهابية؛ المسماة بمنظمة الجماعة الإسلامية الألمانية.
وقرر المجلس المركزي "استبعاد" المنظمة الإخوانية، علما بأن المجلس كان قد علق عضوية نقس المنظمة في ديسمبر/كانون أول ٢٠١٩.
وفي بيان، قال المجلس المركزي للمسلمين، إن "الجمع العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD) يقرر استبعاد منظمة الجماعة الإسلامية الألمانية (DMG)"
وأوضح: "في 23 يناير/كانون أول 2022 انعقد افتراضيا، وللمرة الثانية على التوالي بسبب الوباء، الجمع العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا؛ أعلى هيئة تقريرية في المجلس".
وتابع :"كان من بين أهم المواضيع المدرجة على جدول الأعمال اقتراح إلغاء عضوية منظمة الجماعة الإسلامية الألمانية، المعروفة سابقا باسم التجمع الإسلامي في ألمانيا، واستبعادها، وكل الجمعيات المنضوية تحتها من المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وفروعه الولائية".
وأضاف: "وقد تمت الموافقة على الاقتراح من قبل الجمع العام بأغلبية الثلثين التي ينص عليها القانون الأساسي للمجلس الأعلى".
وتصنف تقارير هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في ألمانيا، منظمة "الجالية المسلمة الألمانية" على أنها منظمة قريبة من جماعة الإخوان المسلمين تهدف إلى تحقيق تغيير طويل الأمد في المجتمع، وتعادي النظام الحر والديمقراطي.
وتعد "الجالية المسلمة الألمانية" والتي تعرف أيضا بمنظمة المجتمع الإسلامي الألماني، هي المنظمة المظلية للإخوان في ألمانيا، وتضم تحتها عددا من المنظمات والجمعيات والمساجد في ولايات البلاد الـ١٦.
ضغوط متزايدة
استبعاد المجلس المركزي للمسلمين جاء في مناخ إعلامي وسياسي واستخباراتي ضاغط بقوة على جماعة الإخوان المسلمين وكل ما يرتبط بها في ألمانيا.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أطلق عضو البرلمان وخبير الشؤون الداخلية في الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كريستوف دي فريس، ورقة موقف تبنتها الكتلة البرلمانية للاتحاد فيما بعد، وتتضمن إجراءات قوية لمكافحة تيارات الإسلام السياسي، خاصة الإخوان الإرهابية.
دي فريس، عاد بعد 8 أشهر من هذا التاريخ، وبدأ ممارسة ضغوط سياسية قوية على الحكومة الاشتراكية الديمقراطية، من موقع المعارضة، وأطلق تصريحات قوية جدا حول مكافحة الإسلام السياسي.
واتهم دي فريس، في تصريحات صحفية قبل أيام، الحكومة الجديدة التي حلّت محل حكومة الاتحاد المسيحي المحافظ الشهر الماضي، بـ"اللامبالاة الخطيرة" في الحرب ضد الإسلام السياسي.
وفي هذا الصدد، قال: "تتجاهل الحكومة ملف مكافحة الإسلاموية، وهذا مقلق.. إن تهديد الإرهاب والإسلام السياسي ليسا ظواهر هامشية"، مضيفا "بالطبع علينا محاربة التطرف اليميني بكل الوسائل المتاحة، لكن هذا ينطبق على كل أنواع التطرف أيضا، وهنا تفتقر الحكومة الفيدرالية الجديدة إلى اليقظة".
وتابع: "فيما يتعلق بالإسلام السياسي، الحكومة الفيدرالية الجديدة لا تتمتع باليقظة الكافية، فنشاط هذا التيار آخذ في الارتفاع. وفي الآونة الأخيرة، تم شراء عقار في برلين مقابل أربعة ملايين يورو لصالح منظمات الإخوان المسلمين، ويمكن أن يصبح العقار مركز الإسلاميين في ألمانيا".
وحول الخطوات التي اتخذتها حكومة الاتحاد المسيحي السابقة ضد الإخوان، قال البرلماني الألماني البارز دي فريس، "اعتمدنا بصفتنا الكتلة البرلمانية للاتحاد ورقة موقف تدعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ضد الإسلام السياسي والسيطرة عليه من الخارج".
وتابع "كخطوة أولى، قمنا بتشكيل مجموعة من الخبراء في وزارة الداخلية الاتحادية لتقديم تقارير إلى الحكومة والبرلمان حول التأثيرات والأنشطة الإسلاموية، وسننتظر ونرى دور هذه المجموعة في عهد الحكومة الحالية".
وأردف: "سوف نطالب بإصرار في البرلمان باتخاذ جميع التدابير الممكنة ضد الإسلام السياسي.. ومن المهم بالنسبة لي أن أشير إلى أن الغالبية العظمى من المسلمين في ألمانيا لا يريدون أية جماعات إسلاموية متطرفة في ألمانيا".
في المقابل، يتوقع المراقبون إجراءات قوية من الحكومة التي تتعرض لضغوط في ملف الإخوان، انطلاقا من برنامج الحكومة ونتائج المحادثات الاستكشافية التي سبقت تشكيلها.
وفي القسم المتعلق بالحرية والأمن، ذكرت ورقة المحادثات الاستكشافية لتشكيل الائتلاف الحاكم الجديد، بوضوح أن الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة تتعهد بـ"اتخاذ إجراءات حاسمة على كل المستويات، ضد الإسلام السياسي، والتطرف اليمني واليساري، ومعاداة السامية، حتى يصبح الأمن متوفر لكل شخص بقدر متساو".
كما تضمنت النسخة النهائية لاتفاق الائتلاف الحاكم الجديد في ألمانيا نصا واضحا على مكافحة الإسلاموية في البلاد.
تقارير الاستخبارات
لم يتوقف الأمر عند ميدان السياسة، إذ ضغطت فروع هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" بقوة في الفترة الأخيرة، على الإخوان في ألمانيا، وحذرت مرارا وتكرارا من خطر الجماعة ومنظمتها المظلية "الجالية المسلمة الألمانية" التي تعرف أيضا منظمة المجتمع الإسلامي الألماني.
وفي وقت سابق هذا الشهر، ذكر تقرير حديث لفرع هيئة حماية الدستور في ولاية ساكسونيا، شرقي ألمانيا، اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أن تنظيم الإخوان حقق طفرة في عدد قياداته الأساسية في الأراضي الألمانية في الفترة بين 2019 و٢٠٢٠.
واستمرت هيئة حماية الدستور في تصنيف الإخوان "جماعة معادية للدستور"، وبررت ذلك بأنها "تهدف إلى إقامة نظام سياسي واجتماعي وفقًا لأيديولوجيتها المناهضة للدستور"، وفق التقرير.
وأوضحت "هذه الأيديولوجية، بالإضافة إلى شكل الحكومة الذي تسعى إليه الإخوان، لا يتوافقان مع المبادئ الديمقراطية الأساسية؛ مثل الحق في إجراء انتخابات حرة، والحق في المساواة في المعاملة، وحرية التعبير والحرية الدينية".
التقرير قال أيضا إن استراتيجية "الذئب في ثياب الحملان" التي تتبعها الإخوان، ظهرت بوضوح في مصر خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي" بين عامي 2011 و2013، إذ لم يكن تنظيم الإخوان أقوى فصيل في البرلمان فحسب، بل كان رئيس الدولة، محمد مرسي في الفترة بين ٢٠١٢ و٢٠١٣ منحدرا منه".
ولفت التقرير إلى أنه "أصبح من الواضح في ذلك الوقت، أن جماعة الإخوان ليست جزءًا من نظام ديمقراطي، لكنها أرادت استخدام الانتخابات الديمقراطية كنقطة انطلاق لفرض فكرتها عن تأسيس نظام سياسي إسلامي".
وبعدها بأيام، ذكر تقرير هيئة حماية الدستور في ولاية ساكسونيا أنهالت وسط ألمانيا، أن "جوهر برنامج الإخوان المسلمين هو وحدة الدين والدولة. وهدفها هو تطبيق تفسيرها المنغلق للشريعة الإسلامية، ولا تستبعد استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف".
وقال التقرير الذي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إن "الإخوان المسلمين يرفضون النظام الديمقراطي الحر، لكن عناصر الجماعة تتبع أسلوبا براغماتيا يعتمد على المشاركة في المجتمع والاستفادة من مزايا النظام الديمقراطي، لكسب التأثير والنفوذ فقط".
وعن سبب فرض هيئة حماية الدستور رقابة على الإخوان، أوضح التقرير أن "أيديولوجية الإخوان المسلمين تتعارض مع مبادئ السيادة الشعبية والحرية الدينية والمساواة العامة المنصوص عليها في القانون الأساسي الألماني".
"الانفصال أفضل"
المجلس المركزي للمسلمين نفسه تضرر كثيرا منذ بداية الربط بين الإخوان الإرهابية ومنظمة المجتمع الإسلامي الألماني، في تقارير هيئة حماية الدستور في ٢٠١٨، رغم تعليق المجلس عضوية المنظمة في ديسمبر/كانون أول ٢٠١٩.
وبعد قرار تعليق العضوية في أواخر ٢٠١٩، قال كريستوف دي فريس؛ وهو أحد أهم رؤوس حملة مكافحة الإخوان حتى اليوم، "السرية التي يغلف بها المجلس الإسلامي أعضائه، تغذي الشكوك حول الولاء غير المقيد لهذه الجمعية الإسلامية للدستور".
وقال دي فريس: "الطريقة الودية إلى حد ما لطرد الإخوان المسلمين من المجلس المركزي للمسلمين هي نتيجة الضغط الشعبي المستمر، لكنها يمكن أن تكون البداية فقط"، وهو ما تحقق بعد ذلك بعامين حيث لجأ المجلس لطرد المنظمة الإخوانية نتيجة استمرار الضغوط.
كما أن صحيفة "دي فيلت "الألمانية "خاصة"، نشرت تقريرا بعد تعليق عضوية الإخوان في المجلس المركزي في ٢٠١٩، تساءلت فيه "لماذا الآن؟"، ولفتت إلى أن المجلس المركزي ظل صامتا لمدة عشرين عاما على اتهامات بإيواء منظمة الإخوان، وتساءلت أيضا عن سبب التغيير المفاجئ؟
وردا على هذه الأسئلة، قالت الصحيفة "زاد الضغط على المجلس المركزي بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. ولعبت هيئة حماية الدستور دورًا مهمًا بشكل خاص في هذا الصدد. وبدأ رئيس فرعها في ولاية شمال الراين ويستفاليا، بوركهارد فرير ، هجوم إعلامي حقيقي ضد منظمة المجتمع الإسلامي في ألمانيا.
وأضافت "في الواقع، حذر فراير في عدة مقابلات من أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكثر خطورة على المدى الطويل من إرهاب مثل داعش والقاعدة، ولفت إلى أن منظمة المجتمع الإسلامي، كانت "واحدة من أهم المنظمات الأعضاء المؤثرة في المجلس المركزي للمسلمين".
وتابعت الصحيفة "كما نشر باحثون آخرون والوكالة الفيدرالية للتربية المدنية "حكومية" تحذيرات من جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا، وبدأت نقاشات في برلمانات الولايات المختلفة حول ما إذا كان ينبغي السماح للمؤسسات بالعمل مع المجلس المركزي الذي يتسامح مع الإخوان".
كما لفتت الصحيفة إلى تراجع مؤسسات حكومية عن التعاون مع المجلس المركزي في مشاريع ممولة حكوميا بسبب علاقته بمنظمة الإخوان.
ويحظى المجلس المركزي بدعم مالي سخي من مؤسسات ووزارات مختلفة في إطار مشاريع حكومية أبرزها عن اندماج المهاجرين؛ فعلي سبيل المثال حصل بين عامي ٢٠١٧ و٢٠١٩ على أكثر من ٣ ملايين يورو من وزارة الأسرة الاتحادية وحدها، لكن الدعم تأثر كثيرا بربطه بالإخوان في السنوات الماضية.