في ظل التحولات الدراماتيكية التي يشهدها الشرق الأوسط، ومع انهيار محور المقاومة "المزعوم"، عاصمة تلو الأخرى، في بيروت ودمشق، وأخيرا طهران، تلوح في الأفق ملامح فراغ أيديولوجي واستراتيجي قد يُعيد رسم خريطة القوى الإسلامية في المنطقة.
وفيما تبدو طهران وحلفاؤها في حالة تراجع غير مسبوق، تبرز جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية – رغم انقساماتها – كمنافس يسعى لملء هذا الفراغ وقيادة جبهة إسلامية جديدة، توحّد بين الأيديولوجيا والدعاية والعمل المسلح.
وتشير الدلائل الأخيرة إلى محاولات الإخوان لإعادة التموضع، من خلال ذراعها الإعلامية "ميدان" وامتدادها المسلح "حسم"، وسعيها لتقديم نفسها كبديل "جهادي" قابل لإحياء المشروع الثوري الإسلامي العابر للحدود، لذلك يجب الانتباه، فقد نكون بصدد ولادة تحالف إخواني جديد على أنقاض إيران وتحالف "المقاومة".
وتلقى محور المقاومة الإيراني ضربات قاصمة مؤخرا، فها هو حزب الله انكمش دوره بالفعل، وبالكاد يظل موجودا، وحماس هي الأخرى تُعاني من خسائر فادحة في ساحة المعركة وتواجه غضبًا شعبيًا متزايدًا، أما نظام بشار الأسد فقد انهار فعليًا، وتضررت البنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية بشدة، ولا يزال اقتصادها عالقًا في دوامة سقوط حر، وخلقت الانهيارات المتتالية لهذا المحور التعيس، فراغًا استراتيجيًا خطيرًا، ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين تتحرك بسرعة لشغل هذا الفراغ.
ورغم انقسامها الداخلي - بين الجبهة اللندنية والفصيل التركي - ترى جماعة الإخوان المسلمين هذه اللحظة فرصة لإعادة تأكيد وجودها كمركز أيديولوجي وعملي جديد للمقاومة. وهي تحاول إعادة تموضع نفسها كقوة إسلامية مُتجددة قادرة على وراثة عباءة إيران وإعادة صياغة الأيديولوجية الجهادية تحت اسم وإطار مختلفين.
ففي ظل حرب إسرائيل وإيران، والتي استمرت 12 يومًا ضد إيران، وفي 18 يونيو/حزيران 2025، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين رسالة دعم علنية للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي. لم تكن هذه الرسالة رمزية فحسب، بل أوضحت الجماعة تأييدها للصراع الأيديولوجي الإيراني، معتبرةً «الكيان الصهيوني» عدوًا مشتركًا، ومُصوّرةً نفسها على أنها قلب الحركة الإسلامية العالمية.
أكدت تلك الخطوة، أن جماعة الإخوان المسلمين ترغب في قيادة المرحلة التالية من المقاومة الإسلامية، من خلال جمع مظالم الإسلاميين في جبهة أيديولوجية واحدة، تكون هي نفسها محورها، وبدأت بالفعل في تحريك أذرعها في المنطقة.
"ميدان"
فحركة "ميدان" في إسطنبول، وهي المنصة الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين للإحياء الأيديولوجي. وتُسوّق كمبادرة شبابية، لكنها في الواقع امتداد رقمي مُصقول للفكر القطبي، بقيادة هاربين مثل يحيى موسى ومحمد منتصر، وبدعم من شخصيات مثل رضا فهمي ومحمد إلهامي، وتُروّج الحركة لمبدأ يرفض العلمانية والديمقراطية والدولة القومية الحديثة رفضًا قاطعًا.
ويمجّد ميثاقها التأسيسي الثورة كفريضة دينية، ويُصوّر الحكومات العربية - وخاصةً مصر - على أنها عملاء استعماريون يقفون في طريق تحرير القدس. يُنتج محتوى "ميدان"، المُعادي للغرب والسامية، بصيغ إعلامية أنيقة وذكية، مُوجّهة إلى الشباب الناطقين بالعربية.
«حسم»
في 4 يوليو/تموز 2025، نشر الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، "حسم"، فيديو دعائيًا بعنوان "قادمون". أظهر تدريبًا مسلحًا واستخدامًا لأسلحة آر بي جي، وانتهى بتهديد مباشر للأمن المصري. ورغم أن بعض اللقطات بدت مُعاد تدويرها، إلا أن توقيتها كان مُتعمدًا، إذ تزامن مع التوجه الأيديولوجي الأوسع لـ"ميدان".
حسم والميدان فرعان من هيكل واحد. يعملان بتنسيق، كل منهما يُضخّم رسالة الآخر. وبينما لكل منهما دوائر قيادية أوسع، فإن أبرز الشخصيات وأكثرها نشاطًا في كلا الجبهتين هما يحيى موسى ومحمد منتصر. موسى، المُدان في مصر بتهمة تدبير اغتيال النائب العام هشام بركات، هو المهندس الرئيسي للعمليات المسلحة لحسم. أما منتصر، فيدير الخطاب الرقمي لجماعة الإخوان المسلمين. ويشكلان معًا تهديدًا أيديولوجيًا وعملانيًا موحدًا.
وبعد ثلاثة أيام من نشر فيديو حسم، أعلنت وزارة الداخلية المصرية إحباط مخطط إرهابي جديد. كان الإخوان، من خلال حسم، يُخططون لهجمات مُنسقة على منشآت أمنية واقتصادية.
ووفقًا لبيان الوزارة، تسلل أحمد محمد عبد الرازق أحمد غنيم - أحد عناصر حسم - إلى مصر بشكل غير قانوني وكان يختبئ في شقة بالقاهرة. خلال المداهمة الأمنية، اندلعت معركة بالأسلحة النارية، مما أسفر عن مقتل غنيم وعدد من العناصر الآخرين. وللأسف، قُتل أحد المارة المدنيين وأصيب ضابط شرطة خلال تبادل إطلاق النار.
كما حددت الوزارة عدداً من العناصر رفيعة المستوى المتورطين في المؤامرة، بمن فيهم محمد رفيق إبراهيم مناع، ومحمد عبد الحفيظ، وعلاء السماحي، وعلي محمود عبد الونيس - كلٌ منهم مُدان سابقاً لدوره في استهداف شخصيات عامة مصرية. يُظهر هذا مخططاً مباشراً وقاتلاً مُصمماً لإعادة تنشيط العمليات العسكرية لحركة حسم.
يُثبت هذا أن عودة جماعة الإخوان المسلمين لا تقتصر على الخطابة فحسب، بل تشمل محاولة إعادة تنشيط الجماعة الإرهابية من خلال دمج جديد بين المقاومة والهوية. تُصوغ جماعة الإخوان المسلمين خطاباً دعوياً مُركزاً على تحرير القدس كشعار حاشد. يكتسب هذا الخطاب الهجين زخماً بين المتعاطفين الإسلاميين المُحبطين من إخفاقات "فأس المقاومة"..
وقد تزامنت هذه التحركات المريبة بدعوات التظاهر وحصار السفارات المصرية في الخارج، لذلك نجد أن سيناتورا أمريكيا مثل السيناتور تيد كروز، أعلن عن إعداده لمشروع قانون لتصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، بكل ما يعنيه هذا من حصار للجماعة في العالم وتجفيف منابع تمويلها ولاسيما الغربي.
إن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية ليس خطوة رمزية، بل هو خطوة ضرورية لمواجهة شبكة تجمع علنًا بين الدعاية والإرهاب والتحريض تحت سقف أيديولوجي واحد، لذلك على الدول والحكومات العربية أن تحث وتشجع نظيراتها في العالم على مثل هذه الخطوة.
وعلى الحكومات في المنطقة، الانتباه وفرض عقوبات على فروع الإخوان، والضغط على الدول المضيفة مثل تركيا، وتعطيل شبكات الدعاية الرقمية، وقطع قنوات التمويل، وحث الغرب على وجه الخصوص، أن يعامل الإخوان بالطريقة التي عامل بها داعش والقاعدة –واعتبارها تهديدا هجينا من المتمردين ينتشر في بيئات متساهلة.
وفي النهاية لا يسعنا إلا القول إن التأخير خطير، لقد نجت جماعة الإخوان من هزائم عديدة، لكنها هذه المرة تُهيئ نفسها للنهوض مجددا من رماد انهيار المحور الإيراني. عدم التحرك الآن، يمثل مخاطرة بالسماح لهذه الجبهة الإرهابية الجديدة بترسيخ وجودها وإعادة إشعال دوامة جديدة من العنف قد لا تطيقها المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة