في عصر الإعلام الرقمي، لم تعد معارك التأثير تُخاض في غرف الأخبار أو عبر الجيوش النظامية فقط، بل أصبحت تُحسم أيضًا على شاشات الهواتف المحمولة، وعبر تغريدة أو فيديو قصير.
وفي هذا السياق، برزت الإمارات العربية المتحدة كدولة تدير قوتها الناعمة بحكمة واتزان، ليس فقط على مستوى الدبلوماسية الدولية، بل أيضًا من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي باتت ساحة مركزية لصناعة الصورة الوطنية ومواجهة حملات التشويه.
سردية وطنية ناعمة
تتجلى القوة الناعمة الرقمية للإمارات في قدرة أبنائها ومؤثريها على نقل صورة إيجابية وعميقة عن وطنهم، دون مبالغة أو ادعاء. تغريدات تتحدث عن التنمية، فيديوهات توثق الإنجاز، محتوى يعكس التسامح والتنوع. هذا الخطاب لا يُبنى على الصدفة، بل ينبع من شعور داخلي بالانتماء والثقة في المشروع الوطني. وهنا تكمن الفكرة الجوهرية: أن السردية القوية تُصنع من الداخل، لا تُفرض من الخارج.
الرد الراقي أداة قوة
حين تواجه الدولة حملات إعلامية مغرضة أو شائعات تهدف إلى تقويض الثقة، تكون الردود الإماراتية في معظمها عقلانية، مدروسة، غير انفعالية. لا تجد خطاب الكراهية ولا السباب، بل حُجة تُفنّد، ومنطق يكشف التناقض، وصبر على مواجهة الموجة دون الانجرار إلى معارك جانبية. هذه المنهجية الهادئة تُعد من أدوات القوة الناعمة الأكثر فاعلية في العالم الرقمي.
التفاعل في اللحظات الإنسانية
خلال الأزمات الإنسانية الكبرى كما في غزة، أو السودان، أو سوريا، كان للمغرّد الإماراتي والمحتوى الإماراتي دور لافت. توثيق للمساعدات، شهادات من الميدان، ومرافعة رقمية باسم الإنسانية. لم يكن هذا النشاط مجرد تضامن، بل كان امتدادًا لنهج إماراتي راسخ في أن العمل الإنساني لا يحتاج إلى ضجيج، ولكن لا مانع من الدفاع عنه عندما يُساء تفسيره أو يُشوَّه.
تنوع المحتوى.. وتعدد اللغات
ما يميز القوة الناعمة الإماراتية رقميًا أيضًا هو ثراء المحتوى، من الثقافة والتاريخ، إلى الاقتصاد والتقنية، ومن اللغة العربية إلى الإنجليزية والفرنسية والأوردو وغيرها. هذا التنوع لا يخاطب الداخل فقط، بل يُصدر صورة راقية إلى الخارج، تعكس أن الإمارات ليست فقط دولة حديثة، بل دولة تُتقن فن التحدث إلى العالم بلغته.
شبكة رقمية واعية
بعيدًا عن النظريات التقليدية في "الإعلام الرسمي"، يظهر جيل من الإماراتيين المؤثرين على وسائل التواصل يمتلك حسًا وطنيًا فطريًا، ووعيًا إعلاميًا عاليًا، يعمل بشكل تلقائي ولكن متناغم، ويُدرك أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط بالبيان، بل أيضًا بالكلمة الدقيقة، والصورة المؤثرة، والرد الهادئ.
خلاصة
القوة الناعمة الإماراتية على وسائل التواصل ليست طارئة ولا مصطنعة، بل هي امتداد لصورة الدولة الواقعية: واعية، ناجحة، متزنة، وإنسانية. وفي زمن الحرب على العقول قبل الحدود، فإن من يُتقن إدارة صورته الرقمية، يُتقن إدارة مستقبله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة