مراسم الاستقبال التي أقيمت لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في موسكو، ليست مجرد إجراءات بروتوكولية تحتمها وتفرضها الدبلوماسية الدولية عند استقبال قادة الدول
بل هي رسالة تحمل العديد من الدلالات والمعاني يكنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشيخ محمد بن زايد كالاحترام الذي تحظى به دولة الإمارات والمكانة التي تتمتع بها بالإضافة وكذلك القدر الذي يحظى به رئيس الدولة لدى القيادة الروسية عموماً، وهي نتاج العديد من التفاعل السياسي الثنائي.
موسكو تدرك أن دولة الإمارات ليست ذلك الضيف العابر الذي يمر عليها، بل هي شريك استراتيجي موثوق تمتلك رؤية واضحة ناحية الحفاظ على الاستقرار الدولي والحفاظ على المكتسبات الوطنية، ولها دور وتأثير يتجاوز حدودها الجغرافية ومكانة دولية من خلال دورها الفاعل في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وتحظى بمصداقية تميزها وتكسبها احترام الجميع.
أربعة عشر قمة بين الزعيمين هي حصيلة بناء هذه العلاقة على مدى 14 عاماً، مؤشر يدل على عمق العلاقة بين البلدين التي تمتد إلى أكثر من 5 عقود ويعبر عن رغبة مشتركة لتعزيزها، تطورت العلاقة وتسارعت وتيرتها حتى أصبحت علاقة استراتيجية راسخة فيها من الاحترام وفيها كذلك جانب مهم من مصالح البلدين وتدعم جهود ومشاريع التنمية للشعبين.
دائماً أو في الأغلب حتى نكون موضوعين، فإن نتائج الزيارات والاجتماعات الإماراتية-الروسية تأتي بقيمة مضافة على المستوى الثنائي وعلى مستوى المجتمع الدولي، وهذا واضح من خلال الاتفاقيات التي توقع في كل لقاء أو اجتماع، والأرقام والإحصائيات الاقتصادية تؤكد على ذلك، حيث وصلت قيمة التجارة غير النفطية بين دولة الإمارات وروسيا إلى 11.5 مليار دولار في العام 2024، أي أنها زادت بنسبة 5% عن العام 2023.
أما في هذا العام 2025 فسجلت التجارة غير النفطية في الربع الأول نمواً بلغت نسبته 76.3% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي، هذه الأرقام والإحصائيات لا تعكس فقط حجم التبادل التجاري والمصالح الاقتصادية المشتركة، إنما هي دلالات على وجود إرادة سياسية قوية مشتركة تهدف إلى توسيع وتطوير نطاق التعاون.
الجانب الاقتصادي مهم في العلاقات الإماراتية الروسية بل هو مهم وضروري في العلاقات بين جميع الدول، لكن هذا الجانب ليس الوحيد الذي ركزت عليه الزيارة وليس الجانب الوحيد الذي يجمع ويربط البلدين، فلو أخذنا الجانب الإنساني وهو مبدأ أساسي في السياسة والفكر الدبلوماسي الإماراتي حيث ترى القيادة الإماراتية أن دور السياسة هو خدمة الإنسان، من هذا المبدأ قامت دولة الإمارات بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا كوسيط مقبول ويحظى باحترام الطرفين واستطاعت من خلال هذه الوساطة الإفراج عن المئات من الأسرى بين الطرفين وهذا محل تقدير واحترام من الجانبين الروسي والأوكراني.
نجاح دولة الإمارات وقدرتها على إيجاد قنوات للتواصل مع مختلف القوى الدولية في أوقات الأزمات والتوتر يثبت أنها قادرة على القيام بدور فاعل ومؤثر في المشهد الدولي وأنها طرف مرغوب للقيام بهذا الدور بعد أن أقنعت دوائر صنع القرار بأنه طرف نزيه ومؤثر. وهي تبلغ المجتمع الدولي أن السياسة الدولية لا تُبنى على الاصطفافات بجانب طرف ضد آخر، بل هي على القدرة على جمع المختلفين للحوار والتفاوض على طاولة واحدة، وهذا ما جعل دولة الإمارات تعتبر منصة دولية للحوار والسلام.
قدرة دولة الإمارات على الانفتاح على الجميع في وقت واحد ليست مصادفة إنما هي جهد وعمل متراكم، بل هي نتيجة جهود وعمل استمر عقود في بناء سياسة خارجية مستقلة ومرنة، دولة الإمارات اليوم تصدر المبادرات التي تخدم الإنسان والاستقرار العالمي، وتبني شراكات تخدم مصالح شعبها والشعوب الأخرى، وتتحرك دبلوماسيتها لتحافظ وتعزز من مكانتها الإقليمية والعالمية.
الدبلوماسية الإماراتية والتحركات السياسية للقيادة الإماراتية تؤكد على أن السياسة لا تُصنع في المؤتمرات الصحفية ولا من التصريحات المحركة للعواطف والمشاعر الجماهيرية ولا الشعارات السياسية، بل تصنع بالمواقف الواضحة وبالشفافية والمصداقية التي تجمع القادة وتتخذ فيها قرارات تخدم مصالح الشعوب وتعمل لمستقبلها، وربما هذا ما ميز الدبلوماسية الإماراتية عن غيرها.
التحركات السياسية الإماراتية تؤكد على أن هذه الدولة منفتحة على الجميع، وتسعى لبناء والحفاظ على علاقات إيجابية ومتوازنة مع كل القوى الدولية، بما يخدم ويحقق مصالحها الوطنية ويحقق السلام والاستقرار الإقليمي والدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة