ربما يكون هذا الافتراض الذي عُنون به المقال ضرباً من الخيال لكنه ممكن.
ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم تسارعاً مذهلاً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي برزت إشكالية جديدة تتعلق باستخدام هذه التقنيات في إنتاج ونشر الأخبار الزائفة ليس عبر أفراد مجهولين أو جماعات منظمة وحسب، بل من خلال روبوتات رقمية قادرة على بث المحتوى الكاذب بشكل آلي وواسع النطاق.
ما بين "التضليل الآلي" و"الشائعة الرقمية" تتعاظم المخاطر الأمنية والمجتمعية في ظل عجز بعض التشريعات حول العالم عن ملاحقة هذا التطور التقني المتسارع غير أن الإمارات كعادتها في الريادة القانونية والتشريعية بادرت إلى تضمين هذه المستجدات ضمن إطار قانوني مُحكم لا يكتفي بمواجهة الشائعات التقليدية، بل يمتد ليغطي الأشكال المعقدة والمستحدثة من الجريمة الإلكترونية.
ففي أثناء إعدادي لكتاب يشرح قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي رقم (34) لسنة 2021 بالتعاون مع دار الآفاق للنشر والتوزيع لفت انتباهي نص قانوني متقدم في دقته وشموليته يعالج بشكل مباشر ما يمكن وصفه بـ "الروبوت المضلل" – ذلك الكيان البرمجي القادر على إنتاج ونشر أخبار زائفة قد تمس الأمن القومي أو تؤثر في الرأي العام مستخدماً في ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتحليل السلوكي للبيانات.
فقد نصت المادة (54) من المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (2) سنتين والغرامة التي لا تقل عن (100,000) مائة ألف درهم ولا تزيد على (1,000,000) مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو عدل روبوت إلكتروني بقصد نشر أو إعادة نشر أو تداول بيانات أو أخبار زائفة في الدولة أو تمكين الغير من نشرها أو إعادة نشرها أو تداولها، وتشدد العقوبة عند تعدد الجناة".
نص القانون لا يقتصر على معاقبة من يصنع أو ينشر الشائعات، بل يتوسع ليشمل كل من يستخدم وسائل تقنية المعلومات لبث أو إعادة بث معلومات أو أخبار أو بيانات مغلوطة تمس النظام العام أو تعرض سلامة المجتمع للخطر سواء أكان الفاعل شخصًا حقيقيًا أم برنامجا آلياً بتوجيه بشر.
بهذا النهج تحارب الإمارات الشائعة كمنظومة تقنية تتطور وتنتج ذاتها وتستغل الثغرات الرقمية لزرع الفوضى؛ فالمشرع الإماراتي أدرك مبكرا أن الذكاء الاصطناعي لا يحمل فقط وعود التطور، بل يحمل كذلك بذور التهديد إذا ما أُسيء استخدامه.
إن هذه الاستباقية في التشريع تؤكد أمرين؛ أولاً أن القانون الإماراتي يستوعب التحولات التكنولوجية العميقة وثانياً أن حماية الأمن المجتمعي والوطني لم تعد تُبنى فقط على الجدران الأمنية التقليدية، بل على القوانين الذكية القادرة على مجاراة المستقبل ومن هنا فإن الإمارات تقدم نموذجا متقدما في كيفية صياغة تشريعات تقنية ترتكز إلى الرؤية وتستبق الخطر قبل وقوعه وتمنح المجتمع رقابة قانونية على أدوات المستقبل.
وهي دعوة لمختلف دول العربية لإعادة النظر في تشريعاتها المتعلقة بالجرائم الإلكترونية وبث الشائعات والأخبار الزائفة أياً كانت التسمية.. فلا أخطر على مجتمعاتنا من ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة