لو أنّ المرء يختار اليوم الذي يغادر فيه الحياة راضيًا مرضيًا سعيدًا بخاتمته، لاخترتُ دون تردد اليوم الذي يُعلن فيه ـ أخيرًا، وبما يليق بحجم الحقيقة المطموسة طويلًا ـ تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية عابرة للحدود.
وكأن العدالة، التي طالما التفّت عليها الجماعة الإرهابية، قررت أن تثأر لنفسها ولو بعد زمن طويل. فقد كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريح خاص لموقع "جاست ذا نيوز" - الذي أسّسه صحفي التحقيقات الاستقصائية الشهير جون سلومون - أنه بصدد تصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية، مؤكدًا أن القرار سيصدر "بأقوى وأشد العبارات"، وأن الوثائق النهائية قيد الإعداد.
ويأتي تصريح الرئيس الأمريكي عقب تحقيق موسّع نشره الموقع عن نشاط الجماعة وتشعّب نفوذها داخل الولايات المتحدة وخارجها.
إن الرئيس ترامب بحديثه هذا فتح ملفًا ظلّ مغلقًا عمدًا لسنوات، خصوصًا في عهد الإدارات الديمقراطية، وكأن العالم بدأ يفيق من سباته الطويل تجاه جماعة ظلت تعمل في العلن بينما تتغطّى خلف القيم والنظم وتعيش في الفراغات القانونية وهي أول من ينتهكها!
وسبق ترامب إلى هذه الخطوة حاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، الذي صنّف الجماعة وفرعها الأمريكي المستتر (كير) منظمات إرهابية أجنبية وكيانات إجرامية عابرة للحدود.
هذه القرارات المتلاحقة تعكس تحوّلًا واضحًا في المزاج السياسي تجاه هذه الجماعة، وإدراكًا متأخرًا لطبيعتها القائمة على اختراق المؤسسات والدول، وتتغذّى على انهيارها.
ويأتي هذا التحول بوصفه جزءًا من مراجعة أوسع للمقاربات الدولية تجاه الحركات والجماعات العابرة للحدود، بعدما ثبت أن تجاهل خطورتها لم يعد ممكنًا أو مقبولًا.
ونحن السودانيون لسنا في حاجة إلى تقارير دولية لنعرف حقيقة هذه الجماعة الإجرامية الفاسدة؛ فقد رأينا وجهها الحقيقي بلا قناع، وخبرنا أذاها أكثر من غيرنا، بعدما استولت على الدولة ومؤسساتها بالبندقية طوال ثلاثة عقود عبر فرعها المحلي، الحركة الإسلامية السودانية، أو “الكيزان” كما يعرفون شعبيًا في بلادنا. أذاقوا فيها الشعب صنوف القهر، ودفعوا بالسودان إلى هاوية العنف والحرب والتردّي، ليتصدّر قوائم العار العالمية: حروبًا وفقرًا وتخلّفًا وإرهابًا!
وما حرب اليوم إلا امتدادًا لنهج بدأ منذ ثلاثين عامًا: عسكرة المجتمع، تحويل الدين إلى أداة تعبئة، تدمير المؤسسات، وسحق الدولة ليبقى مشروع الجماعة وحده فوق الجميع، وليُقام نموذجهم القمعي؛ حيث التقيّة بديلًا للشفافية، وتأويلات ابن تيمية هي الدستور!
جرائم "كيزان" السودان ليست حكايات من الماضي أو سردًا تاريخيًا، بل سجلًّا ممتدًا ممتلئًا بالدماء والدموع: من احتضان التنظيمات الإرهابية في التسعينات وعلى رأسها (القاعدة)، إلى التورّط في تفجيرات السفارات في أفريقيا؛ ومن قهر المجتمع باسم الشريعة، إلى تحويل العقيدة إلى وقود دائم للحرب؛ ومن مجازر دارفور وجبال النوبة سابقًا، إلى الجرائم الراهنة التي تشمل قصف المدنيين بالأسلحة الكيماوية المحظورة دوليًا عبر جيش تخضع قيادته لسيطرتهم الكاملة.
إنها جرائم شنيعة لا يمكن فصلها عن بنية الجماعة وشناعة مشروعها.
وعليه، فإن الاحتفال بتصنيف هذه الجماعة منظمة إرهابية ليس انحيازًا سياسيًا ولا اصطفافًا أيديولوجيًا؛ إنه دفاع عن حق الشعوب في الحياة، وعن مستقبل السودان وأمن المنطقة، بل وأمن العالم كافة.
هذا التصنيف خطوة ضرورية في معركة الفرز بين من يؤمن بالدولة المدنية التعددية، وبين من يرى في الاختلاف كفرًا، وفي التنوع لعنة، وفي السلام جريمة، وفي استقرار الدول الأخرى تهديدًا لمشروعه الظلامي!
لذلك لم يكن غريبًا أن يستقبل السودانيون حديث ترامب بارتياح عميق. فالشعب السوداني الذي أنهكته دورات الاستبداد والموت لا يبحث عن انتقام، بل عن اعتراف بحقيقة طُمست طويلًا. وما صدر من حديث نزل عليهم بردًا وسلامًا، لأنه أعاد تعريف الصراع كما هو: صراع بين الحياة ومن يتاجرون بالموت، وبين الأديان المقدسة والأكفان المحنّطة.
ومن الواضح أن المجتمع الدولي بدأ يدرك أن ترك هذه الجماعات تعمل بلا محاسبة يكلف الدول استقرارها، ويهدد بنية النظام الإقليمي برمّته.
إن قرار الرئيس ترامب المرتقب يثبت أن العالم قد يتأخر في تسمية الأشياء بأسمائها، لكن الحقيقة تظل ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل. واليوم ليس يومًا عابرًا في مسيرة مواجهة هذه الجماعة؛ إنه بداية تفكيك الهالة الزائفة التي احتمت بها طويلًا، وإشارة إلى أن زمن استغلال الدين لابتلاع الدول قد انتهى، أو في طريقه إلى الانتهاء إلى الأبد.
إن يوم إعلان هذه الجماعة جماعة إرهابية هو يوم يفتح نافذة لحياة جديدة؛ حياة لا مكان فيها للإخوان وواجهاتهم، مهما التفّوا بقدسية زائفة أو تمرّسوا في صناعة الأكاذيب.
إنه يوم سعيد للبشرية.. يومٌ بلا إخوان ولا كيزان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة