في زيارته دولة الإمارات، قبل نحو عام، وصف الإعلامي الأمريكي المعروف تاكر كارلسون صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيسَ دولة الإمارات -حفظه الله-، بأنه "الزعيم الأكثر إثارةً للاهتمام، والأكثر حكمة الذي تحدَّثتُ إليه في حياتي".
وأضاف كارلسون، الذي يحظى بـ16.7 مليون متابع على منصة إكس: "لم أُقابل قائدًا أكثر تواضعًا منه… والتواضع شرط أساسي للحكمة"؛ فصفات مثل الطيبة، والبساطة، والتواضع، وتقدير الصغير والكبير، التي تحدَّث عنها كارلسون، يلمسها كل من عرف سموه، أو تحدث إليه، أو التقاه، ولو كان لقاءً عابرًا.
وفي كتابه الجديد "علمتني الحياة" الذي صدر قبل نحو شهر يحذِّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي -رعاه الله- من الكِبْر والتكبُّر. ويقول سموه: "علمتني الحياة أن التكبر مفسدة ومنقصة، والتواضع رفعة وفضيلة... ولا يتواضع إلا صاحب عقل"؛ فالتواضع هو الذي يصنع الحضارات، وإن كان هناك درس واحدٌ تعلَّمته فهو "أنني لستُ كاملًا".
يبهر رئيس الدولة ونائبه وقادة الإمارات من عرفهم بتواضعهم، الذي هو أيضًا من مآثر الأب المؤسس الشيخ زايد -طيَّب الله ثراه-؛ الذي جسَّد كل معاني التواضع فكرًا وسلوكًا ونهجًا. وقد كان الشيخ زايد يحذِّر أبناءه من الكبر والتكبر، وكانت وصيته لهم ولشعب دولة الإمارات دائمًا: إيَّاكم والتكبر. وكان -رحمه الله- يكرر هذه الوصية في كل مناسبة، وكل مجلس؛ وهذا ما جُبل عليه أبناؤه وأحفاده وذرياتهم؛ فالتواضع تربية "حكيم العرب" الشيخ زايد؛ ومن أقواله الخالدة: "يجب أن يكون الإنسان متواضعًا، مُحبًّا لإخوانه، متعاونًا معهم".
قادة الإمارات هم القدوة في التواضع؛ ولذلك أصبح التواضع من أبرز سمات الشخصية الإماراتية، التي عُرفت بالاعتدال والمرونة في التكيُّف مع المستجدَّات، وبالحشمة واحترام الصغير والكبير، والزائر والمقيم. وبقدر ما أن الإماراتي معتدل ومرن وحشيم؛ فهو أيضًا شخصية متواضعة؛ فقد ورث التواضع أبًا عن جد، ويُدرك أن الغرور لا يصنع مجدًا، وأن النجاح يقوم على التواضع.
والتواضع هو النقيض التام للاستعلاء والكبرياء والتعجرف والتغطرس والمباهاة والمبالغة في الإنجاز. ومؤخرًا أخذ بعض الناس يتباهون بما يملكون من مال، ويضخمون ما أنجزوه من أعمال، ويبالغون في ذكر مآثرهم، ويفرطون في الاعتقاد أنهم مواطنون أفذاذ، أو مستثمرون خارقون، أو ما يشبه ذلك من صور "الأنا" المتضخمة التي لا تخدم دولة الإمارات، وطن التواضع. وتقول أسطورة إغريقية إن الآلهة إذا أرادت هلاك أحدهم جعلته متغطرسًا متكبِّرًا يفرط في الغطرسة على مَن حوله.
وقد يُصيب النجاحُ الإماراتي بعضَ الأفراد بشيء من الغرور غير المحمود؛ فينساقون خلف وهم التكبر والاستعلاء. ولا شك أن نجاح نموذج دولة الإمارات التنموي والمعرفي والاتحادي مصدر اعتزاز وطني، ولكنه قد يتحوَّل لدى بعضهم إلى مصدر للغرور. والغرور، سواء أكان فرديًّا، أم وطنيًّا؛ داءٌ لا دواء له؛ وسبب من أسباب سقوط الأمم وهبوط الدول وهي في عزِّ مجدها. إن الفخر والاعتزاز مهمَّان، ومن حق الإماراتي أن يعتز بمنجزه الوطني، ويفتخر بما تحقق على أرض بلده؛ ولكن لا مجال إطلاقًا للشعور بالغرور تجاه ما يُنجَز على الصعيد الفردي، أو الوطني؛ فعلى سبيل المثال: عندما تصمِّم دولة الإمارات وتُصنِّع "قمرًا صناعيًّا" من ألِفِه إلى يائِه؛ فهذا مصدر للتواضع لا للغرور. وعندما تأتي دولة الإمارات في المرتبة الخامسة عالميًّا في الاستعداد لعصر الذكاء الاصطناعي بعد الولايات المتحدة والصين وبريطانيا والهند؛ فذلك أيضًا دعوة إلى التواضع الوطني.
وحين تكتب صحيفة فايننشال تايمز أن دولة الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي تملك أربع محطات نووية تغطي 25 في المئة من حاجتها من الكهرباء، وأن لديها مهندسين وفنيين وإداريين وعلماء وخبراء مواطنين في مجال الطاقة النووية، وأنها تخطط لنقل خبراتها إقليميًّا، والاستثمار عالميًّا في هذا القطاع؛ فهذا مدعاة للفخر والاعتزاز، ولا يؤسِّس لغرور لا طائل منه.
وعندما ذكرت وكالة أنباء عالمية، مؤخرًا، أن دبي تزاحم نيويورك في كونها أكثر مدينة جاذبة للأثرياء؛ مرَّ الخبر على أبناء دولة الإمارات وبناتها مرور الكرام؛ وكأنه تحصيل حاصل؛ لأن ذلك هو خُلُق "عيال زايد". ولم يحدث يومًا أن شعر الإماراتي بالاستعلاء وهو يحمل جواز سفر يسمح له بدخول 184 دولة في العالم، أي 92 في المئة من دول العالم، بينما ينتظر غيره على أبواب السفارات للحصول على تأشيرة دخول؛ فهذا الإنجاز، الذي تحقق بجهد دبلوماسي خلَّاق، جعل المواطن يشعر بهيبة دولته، ولسان حاله يقول "الحمد لله على نعمة الإمارات".
ولا يوجد ما يدفع الإماراتي إلى الشعور بالاعتزاز، المصحوب بالتواضع؛ أكثر من معرفته أن دولة الإمارات هي أكثر دولة ترسل مساعدات إلى أهل غزة، وأنها ثالث أكثر دولة في العالم تقدم مساعدات إغاثية وإنسانية نسبةً إلى دخلها القومي، وخامس أكثر دولة تقدم مساعدات إنسانية نقدًا؛ والعطاءُ والإيثارُ والسخاءُ هذهِ؛ التي تجلَّت بوضوح خلال جائحة "كوفيد-19"، تزيد الإماراتي فخرًا، وتلهمه أن يزداد تواضعًا.
إن لدولة الإمارات اليوم هيبة وسمعة بين الأمم؛ ولكنها لا تغتر، ولا تختال، ولا تُعجَب بنفسها، بل تطمح إلى المزيد من النجاح التنموي والمعرفي والحضاري؛ لها وللعرب أجمعين؛ فنجاحها لا يخصها وحدها؛ بل هو نجاح لكل العرب؛ فعلى أرض دولة الإمارات يتجدد اليوم المشروع النهضوي والتنويري العربي؛ وهذا مصدر الاعتزاز الإماراتي.
إن تصريح الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون عن رئيس الدولة بصفته "الزعيم الأكثر تواضعًا" يعيد إلى الواجهة أهمية التواضع قيمةً قياديةً وطنية؛ وسِمةً مجتمعية نبيلة؛ وضرورة للحفاظ على النموذج الإماراتي؛ فالإمارات دولة رائدة بلا غرور. والنجاح الوطني، أو الفردي؛ يجب أن يكون دافعًا للتواضع والنبل؛ لا الغرور والتكبر؛ فالتواضع يجعل صاحبه مُلهِمًا؛ فدولة الإمارات تبحث اليوم عن المواطن القدوة والملهِم الذي يسهم بفكره وسلوكه وعمله في جعل الإمارات دولةً ملهمة عربيًّا وعالميًّا.
نقلا عن منصة "مفكرو الإمارات"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة