تأتي زيارة الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ إلى دولة الإمارات في لحظة دولية حاسمة، تعيد فيها القوى الكبرى ترتيب مواقعها وتحالفاتها في ظل صراعات التكنولوجيا والطاقة والهيمنة الاقتصادية.
وبرغم الطابع البروتوكولي للزيارات الرئاسية، فإن هذه الزيارة تحمل في جوهرها أبعادًا سياسية واستراتيجية تتجاوز التبادل الاقتصادي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ بين الخليج وشرق آسيا.
الإمارات بالنسبة لكوريا ليست مجرد شريك تجاري، بل مركز ثقة واستقرار في منطقة تواجه تحديات جيوسياسية متسارعة، من أمن الممرات البحرية إلى الصراعات الإقليمية. تعتمد كوريا الجنوبية بشكل شبه كامل على استيراد الطاقة، وتحتاج إلى شركاء يوفّرون استقرارًا طويل الأمد في إمدادات النفط والغاز.
لذلك، تبدو الإمارات شريكًا استراتيجيًا قادرًا على تلبية هذا الاحتياج من خلال سياستها الخارجية المتزنة، وعلاقاتها المتوازنة مع القوى الدولية، ودورها في حماية خطوط الإمداد البحرية.
لكن ما يلفت الانتباه أن الطاقة لم تعد الملف الوحيد الذي يجمع البلدين؛ فالعلاقة بين أبوظبي وسيول تشهد تحولًا نوعيًا مدفوعًا بسباق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد العالمية.
كوريا الجنوبية، التي تتصدر سوق أشباه الموصلات والروبوتات والرقائق المتقدمة، تبحث عن فضاء آمن لتمديد صناعاتها وخلق شراكات متقدمة، بينما تسعى الإمارات إلى تعزيز رؤيتها لتكون مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي بحلول 2031، ومختبرًا مفتوحًا للتكنولوجيات المتقدمة. في هذا التقاطع، يتحول التعاون من تجارة إلى تحالف مستقبلي في الصناعات العليا والابتكار والتقنية.
إقليميًا، تدرك كوريا أن الإمارات أصبحت بوابة استراتيجية بين آسيا والعالم العربي، ونقطة ارتكاز يمكن الاعتماد عليها لتوسيع نفوذها الاقتصادي في الخليج وأفريقيا.
وفي المقابل، ترى الإمارات في كوريا نموذجًا ناجحًا للدولة التقنية الحديثة، وشريكًا قادرًا على دعم طموحاتها الصناعية والرقمية، ورافدًا مهمًا لتنويع الاقتصاد الوطني.
بهذا المعنى، فإن الزيارة لا يمكن النظر إليها كمحطة منفصلة، بل كجزء من مسار أوسع يعيد رسم علاقة الخليج بآسيا، ويعزّز تحالفًا يقوم على الطاقة والتكنولوجيا والاستقرار السياسي. إنها زيارة تكشف عن إدراك متبادل بين البلدين بأن المستقبل لن يُصنع إلا عبر شراكات متوازنة ومستمرة، قادرة على مواجهة عالم يتغير بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة