دور الأديان في المحافظة على الأرض بمؤتمر "العالمي للمجتمعات المسلمة"
نظم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة وجامعة نوتردام الأمريكية مؤتمر: "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام".
وجاء المؤتمر الافتراضي بالمشاركة مع برنامج الدراسات العليا للكنيسة العالمية للأديان، وبحضور نخبة من العلماء من القيادات الدينية والأكاديميين والباحثين والمتخصصين، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي للمجلس.
وجاءت أهمية المؤتمر كونه يتزامن مع "يوم الأرض" وبمشاركة قادة وعلماء يدركون أهمية مشاركة الأديان في وضع أساس للتفاهم المتبادل بين التقاليد والمجتمعات، وخلق أرضية مشتركة، والإلهام لعمل مشترك، من أجل إرساء السلام والازدهار البشري على هذا الكوكب.
وأجاب المؤتمر عن العديد من التساؤلات البيئية ودور الأديان في المحافظة عليها، منها كيفية خلق ازدهار أخضر حقيقي يدفع بالحوار المستمر والعمل المشترك بين الأديان والمجتمعات، وإمكانية أن تستند استجابتنا للتحديات البيئية والمجتمعية على الرحمة والعدالة والاعتراف بالمساهمات القيّمة للدين، وكيفية التكاتف لخلق ثقافة عالمية من السلام والإخوة.
مبادرات وبرامج مميزة
وأكد الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر ، أهمية إدراك الجانب الخيّر في كافة الأديان التي تقدم مبادرات وبرامج مميزة وتلعب دوراً رائداً في تحقيق السلام، داعياً للعمل معاً بغض النظر عن الاختلافات بين الديانات والأعراق والثقافات والألوان لمواجهة التحديات التي تهددنا جميعاً دون تمييز، حيث علّمنا وباء "كوفيد 19" أن نواجه كافة التحديات واستثمار الفرص المتاحة لدينا بالتضامن والعمل المشترك.
وأضاف: "لابد من التضامن المشترك بين القادة الدينيين والأكاديميين في مواجهة الوباء ورسم خريطة المستقبل.. وعلينا الالتزام بأدوارنا الهامة من أجل عالم جديد ومستقبل أفضل لجيل قادم من خلال حماية كوكبنا الأرض"، مؤكداً أنه لن نستطيع أن نحقق تقدماً ملموساً ولن نحرز الفارق في خدمة البشرية دون أن نعمل يداً بيد لتحقيق الخير للجميع.
من جهته، أكد الدكتور سكوت أبلبي، أستاذ التاريخ وعميد مدرسة مارلين كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام في الولايات المتحدة الأمريكية، أهمية المؤتمر في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة لتعزيز الكرامة الإنسانية، مؤكداً أن كلاً من الإسلام والكاثوليكية لا بد أن يكونا في طليعة الجهود العالمية لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع.
وأضاف: "نسعى لتيسير وصول الجميع إلى التعليم والوظائف والتكنولوجيا والمياه النظيفة حول العالم.. ويجب تقديم عناية عاجلة وكاملة لكوكبنا المشترك الأرض، والحفاظ عليه من كافة النواحي".
من جهته، قال القس كيفن سي رودس، أسقف أبرشية فورت واين في ساوث بيند، إن قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، مهتم بكوكبنا المشترك، وأن الكاثوليك والمسلمين وغيرهم مسؤولون عن حماية كوكبنا الأرض، والمحافظة على البيئة، مشيراً إلى وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي تم توقيعها في العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتي أكدت على التعاون بين الأديان من أجل عمارة الأرض وتحقيق السلام.
وأضاف: "الكنيسة الكاثوليكية تدرك المسؤولية المشتركة للبشرية في حماية الكوكب، وتدعو لتحقيق الانسجام في المنظومة الكونية بالابتعاد عن الأنانية في استغلال الموارد.. ويجب المحافظة على هبة الله لكل المخلوقات".
من جانبه، أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، وأستاذ الفقه الإسلامي في جامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية: "أن أساس الإسلام هو الرحمة والرفق بكل الكائنات المحيطة بنا والتعامل برفق ومن دون عنف، والإسلام يدعو لعدم إهلاك المحميات أو الغابات أو الإسراف في الأكل والشراب وغيرها".
وأضاف: " نتعاون مع إخواننا الكاثوليك والمعنيين منذ ربع قرن للحفاظ على البيئة وإعادتها لسابق عهدها، وعلينا الحفاظ على الجمال الذي خلقه الله، بإنشاء مبادرات تهتم بالإنسان والحيوان والكون.. ولدينا العديد من المؤسسات التي تهتم بالبيئة والأرض، ونسعى دائماً للعمل المشترك مع الجميع لتحقيق الكرامة الإنسانية".
الكتاب المقدس والاستدامة
وبدأت فعاليات المؤتمر الافتراضي "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام" - التي قدمها كلٌّ من الدكتور تشارلز بأول، أستاذ مساعد للحوار الإسلامي-المسيحي في كلية هولي كروس بجامعة نوتردام، والدكتور شاوجين تشاي، باحث أول في المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة - بجلستين؛ الأولى تحت عنوان "الكتاب المقدس والاستدامة.. وجهات نظر إسلامية وكاثوليكية حول الإنسانية والكوكب"، فيما جاءت الجلسة الثانية بعنوان "العقيدة الخضراء والانتعاش الأخضر.. نظرية وممارسة الالتزام المناخي والتنمية المستدامة".
وفي الجلسة الأولى، قال الدكتور فخر الدين مانغونجايا، محاضر أول في كلية برامج الدراسات العليا في الجامعة الوطنية بإندونيسيا، مؤلف العديد من الأبحاث في موضوع البيئة، إن الحفاظ على البيئة وحمايتها من منظور ديني هو مصدر إلهام في التجربة الإندونيسية، مشيراً إلى وجود منظور أخلاقي إسلامي متميز في حماية البيئة، حيث تدعو تعاليم الدين الإسلامي لحماية البيئة وتحقيق التوازن البيئي في المواقع الطبيعية بالبلاد، داعياً لوضع حلول لحرق الغابات والأراضي.
وأضاف: "الاستثمار في الصكوك الخضراء، وجمع الزكاة، وأموال الوقف، تساعد في تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة"، مؤكداً قيامهم بتدريب الأئمة والمشايخ وإعداد الخطب الدينية وتأهيل المدارس الدينية بالتركيز على السياق المحلي في حماية البيئة.
من ناحيته، قال القس تيرينس إيرمان، مساعد متخصص ومحترف زائر في قسم اللاهوت بجامعة نوتردام في الولايات المتحدة الأمريكية: "نحن البشر نتشارك في محبة الخالق وجمال أي شيء في الخَلْق في هذا الكون يأخذنا إلى الخالق، ودعا إلى وجوب أن يتصرف المسيحيون في إطار مسؤوليتهم بالحفاظ على البيئة واحترام نِعم الله تعالى".
وفي الجلسة الثانية، قال الدكتور سيد إقبال حسنين، رئيس جامعة همدرد بالهند ومدير إداري لمعهد ديزرت سايد للتدريب بالإمارات العربية المتحدة، ونائب سابق لرئيس جامعة كاليكوت بالهند وأستاذ سابق في العلوم البيئية في جامعة جواهر لال نهرو بالهند: "نشهد ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض وتصاعداً بالانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة، وكذلك ندرةً في المياه، فضلاً عن انتشار الأوبئة، آملاً في الخروج من الوباء العالمي ووضع حلول للتغير المناخي والانتهاء من المشاكل البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة، منوهاً بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي بدأت في استخدام موارد الطاقة البديلة والطاقة النووية، رغم تمتع الدولة بالموارد النفطية، موضحاً أن هناك العديد من الدول تحذو حذو الإمارات في مجال الطاقة الخضراء.
وأضاف: "نحن بحاجة لمبادرات وبرامج عمل حقيقية، للخروج من الوضع المأساوي الذي سنواجهه في السنوات المقبلة، فالتغير المناخي يستهدف الجميع دون تمييز، ولابد من العمل معاً، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون.. ويجب على كافة الأديان العمل معاً لوضع حلول للتغير المناخي وخدمة البشرية جمعاء".
الاستدامة البيئية ومستقبل الكوكب
وأشارت الدكتورة كارول مولاني، مديرة في مكتب الاستدامة في جامعة نوتردام بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى وجود رابط كبير بين الاستدامة البيئية ومستقبل الكوكب، من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية، وهذا ما تؤكده التعاليم الكاثوليكية، داعيةً لتعزيز البحث الأكاديمي بإجراء بحوث رصينة وتعليم القيادات المستقبلية والتركيز على التعليم في الحياة اليومية، وضرورة العمل على تقليل الانبعاثات الكربونية واستعادة الموارد الخاصة بالطاقة والحفاظ على المياه كمسؤولية اجتماعية، وبالتالي حماية البيئة ككل، مؤكدةً على الصلة الكبيرة بين الدين والاستدامة بالقول "هذا ما نعمل عليه في جامعة نوتردام بتقديم المبادرات والبرامج التي تهدف لخير البشرية جمعاء".
من جهته أكد الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، أن مسؤوليتنا تتمثل في الحفاظ على التوازن الطبيعي الذي أمر الله بعدم الاعتداء عليه، داعياً للمحافظة على البيئة بكل مكوناتها وعلى الدول مسؤولية جماعية في محاربة التصحر ومساعدة الدول المتضررة وإيقاف التلوث الكوني، فمصيرنا واحد.
وقال: "خير ما أختم به كلمتي هو مقولة للمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في خطاب بمناسبة يوم البيئة الوطني الأول في دولة الإمارات عام 1998: "نحن شغوفون ببيئتنا لأنها جزء لا يتجزأ من وطننا، وتاريخنا، وإرثنا. لقد عاش أجدادنا في البر والبحر، واستطاعوا الصمود في هذه البيئة على الرغم من جميع تحدياتها. وبالطبع، ما كانوا ليفعلوا ذلك لو لم يدركوا ضرورة المحافظة على البيئة بأن يأخذوا منها حاجتهم فقط من مقومات البقاء، ويحمونها من أجل الأجيال القادمة. وبإذن الله تعالى، سنتابع العمل على حماية البيئة والحياة الفطرية في بلادنا، كما فعل أجدادنا من قبل. وإذا ما أخفقنا -لا قدر الله- في القيام بهذا الواجب، سيلومنا أبناؤنا على تبديد جزء أساسي من إرثهم، ومن تراثنا".