عدسات الموصليين توثق دمار مدينتهم
أشرف الأطرقجي يبلغ من العمر 38 عاما، وهو أب لثلاثة أطفال وقد دفع لأحد المصوّرين الذين يجوبون شوارع الموصل حاليا لتخليد ذكرى آثار الحرب
يتنقل أشرف الأطرقجي قرب ركام مرقد النبي يونس في الموصل، حيث نمت أعشاب هنا وهناك، ليلتقط له مصوّر صورا في الموقع الأثري هدفها توثيق الدمار الذي خلفته المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية في أكبر مدن شمال العراق.
ويبدو عدد كبير من سكان الموصل- التي استعادتها القوات الأمنية قبل عام ونصف العام من تنظيم داعش الإرهابي- مصممين على الاحتفاظ بصور المعاناة والمعارك والذكريات المؤلمة.
يبلغ أشرف الأطرقجي 38 عاما، وهو أب لثلاثة أطفال، وقد دفع هذا الفنان لأحد المصوّرين الكثيرين الذين يجوبون شوارع الموصل هذه الأيام، لتخليد ذكرى آثار الحرب.
ويقول وهو ينظر إلى حجارة مبان متناثرة في المكان: "كل حجر مرتبط بتاريخ مدينتي وهويتها".
وشهدت المدينة معارك ضارية استمرت 9 أشهر قبل أن تستعيد القوات العراقية السيطرة عليها في يوليو/تموز 2017.
وتعرضت الموصل، مركز محافظة نينوى، إلى دمار شبه كامل، وخطف وقتل فيها آلاف المدنيين، بينهم من ينتمون إلى الأقلية الأيزيدية التي اغتصبت نساء منها وتعرضن للسبي، كما تعرضت مواقع أثرية فيها، بينها الحضر، إلى تدمير ونهب، على أيدي الإرهابيين.
ويقول الأطرقجي: "أريد توثيق ما فعله الإرهابيون ليطّلع أطفالي مستقبلاً على التدمير الذي حل بهذا الجامع" .
بعد سقوط داعش
على مقربة من المكان، تقف أم محمد، وهي ربة منزل (32 عاما)، إلى جانب زوجها "لالتقاط صور قرب الأنقاض تبقى ذكرى وشاهدا على بشاعة ما فعله تنظيم داعش الإرهابي بالموصل"، كما تقول.
وتتجه المدينة التي عرفت التصوير الفوتوغرافي للمرّة الأولى على يد الآباء الدومينيكان نهاية القرن الـ19، للعودة إلى حياة طبيعية بعد 3 سنوات من تحررها من تنظيم داعش وما فرضته من ظلم وقهر وتطرف طول سنوات، لكن إعادة بنائها تتأخر.
ويفضل سكان آخرون من الموصل، بينهم محمد ضياء، الذي كان يتجول مع طفليه، التقاط صور لهما وهما يرتديان أجمل ملابسهما قرب زهور حول ساحة عامة في وسط الموصل تم إعادة ترميمها حديثا.
ويريد الرجل نشر الصور عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ليراها جميع أصدقائه، ويتواصل نحو 20 مليون عراقي، أي نصف سكان العراق عبر شبكات التواصل الاجتماعي .
مكسب بسيط
ويقول الرجل الذي يرتدي سروالاً أبيض وقميصا يتناسب مع لون حذائه، قبل أن يدفع لمصور ثمن خدماته، إن الصور التي يلتقطها المصورون "جميلة جداً، وهذه طريقتي لمساعدة المصورين الشباب".
ويقوم محمد باسم (24 عاما) بالتقاط صور ونسخها على أجهزة عملائه النقالة باستخدام شريحة إلكترونية، مقابل ألف دينار أو ألفين (حوالى 1,5 دولار).
ويقول الشاب صاحب الشعر الأسود والذقن المهذبة بدقة: "أقوم بهذا العمل خارج أوقات الجامعة، وهو يوفر لي ولعائلتي مورد رزق".
وككثيرين مثله، يحلم بالمشاركة في معارض محلية ودولية، لتوفير مبلغ لشراء كاميرا حديثة.
ويقول عمر النعيمي (23 عاما): "أسعار كاميراتنا تتراوح بين 200 و600 دولار".
وبهدف تحسين الموارد يعرض البعض تصوير مشاهد أطول أو العمل لساعات طويلة، للحصول على مبالغ تتراوح بين 25 ألف دينار و75 ألفا (20 إلى 60 دولارا تقريباً)، ويقوم أغلبهم بالبحث عن أفكار لكسب الزبائن بينها جلب آلات موسيقية أو البحث عن مواقع جذابة مثل أمكنة انعكاس صور من بركة ماء .
رجال فقط
قبل أقل من عامين، لم يكن بالإمكان تصوير الكثير من المشاهد في مدينة الموصل، لأن الإرهابيين كانوا يفرضون قوانينهم بعد سيطرتهم على المدينة منتصف عام 2014، فأغلقوا 300 صالة تصوير، ما أجبر المصورين على إخفاء معداتهم خوفا من تعرضهم لعقوبات جسدية.
لكن غالبية الأشخاص الذين يُقبلون على تصوير أنفسهم اليوم في هذه المدينة المحافظة ذات التقاليد العشائرية هم من الرجال.
وتقول نهى أحمد، موظفة حكومية (25 عاما) بينما تراقب عن بعد تحركات مصورين وأشخاص يريدون تصوير أنفسهم: "أخاف استخدام صوري وأن يشاهدها آخرون هذا الأمر يخلق مشاكل".