نجيب محفوظ أديب "نوبل".. صاحب مقولة "الفكر لا يحارب إلا بالفكر" الذي تزوج سرا لمدة 10 سنوات
حياة هادئة للأديب صاحب نوبل نجيب محفوظ لكنها ثرية بالمعرفة والإبداع، عاش محافظا على طقوسه متابعا لأحوال بلاده، ولا تبهره أضواء المدينة.
كم مرة كنت تقرأ رواية لنجيب محفوظ، ثم صادفتك جملة أجبرتك أن تتوقف لتسأل نفسك: كيف صاغ هذا الشعور الإنساني؟ كيف أبدع في النسج والتركيب اللفظي واللغوي؟ كيف فعلها؟ تعود مرة أخرى لما تقرأ وتكتشف أنك أمام نص متكامل، يحب اللغة العربية ويبجلها، يعرف شخصياته وما يدور في أعماق نفوسهم، ولا يهمل السرد والحبكة والتفاصيل والخلفيات، ليرسم لك في النهاية مشهدا تختزنه الذاكرة ويتعلق به القلب.
"أرجو أن تتقبلوا بسعة صدر حديثي إليكم بلغة غير معروفة لدى الكثيرين منكم، ولكنها هي الفائز الحقيقي بالجائزة، فمن الواجب أن تسبح أنغامها في واحتكم الحضارية لأول مرة" يعرف نجيب محفوظ أن لغته وتعبيراته هي الفائز بنوبل، وأن توغله في تفاصيل الحارة وأهلها، ذهب بها وبه إلى العالمية.
حياة نجيب محفوظ
الجذور تعود إلى مدينة رشيد بالبحيرة، لكن المنشأ والهوى في حي الحسين بالجمالية، حيث ولد في 11 ديسمبر 1911 في بيت رقم 8 بميدان بيت القاضي "هذا المكان يسكن في وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جدا، تشبه نشوة العشاق". كان الابن الأصغر بين 3 أولاد و4 بنات، يفرق عنه أخوه الأكبر منه مباشرة 10 سنوات مما جعله يخلق عالما خاصا به "ومع ذلك نشأت كأنني وحيد أبويه، فكل إخواتي تركوا المنزل بعد أن تزوجوا".
كان نجيب محفوظ يحب في والده الهدوء والنظام، فالأب عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا كان موظفا في الحكومة، وبعد أن وصل إلى سن المعاش، عمل في مصنع للنحاس، بعد أن ينتهي من عمله يقضي وقته في المنزل، إما يصلي أو يقرأ القرآن وكتاب "حديث عيسى بن هشام"، وقد يجلس ساعات طويلا صامتا،- بينما تسليته هو سماع الأغاني، فكان محبا لصالح عبد الحي ويوسف المنيلاوي وعبد الحي حلمي، ويحضر حفلات الزفاف التي يغنون بها في حي الجمالية.
نجيب الابن الأصغر
"أعتبرها مخزن الثقافة الشعبية" فكان محفوظ شديد التعلق بوالدته فاطمة إبراهيم مصطفى، المتعلقة بالحسين وتزوره باستمرار- حتى مع انتقال العائلة للسكن في العباسية- وتأخذ معها ابنها الأصغر وتحثه على قراءة الفاتحة وتقبيل الضريح، وتحمل حس فني وثقافي مختلف، فاعتادت أن تزور المتحف المصري، خاصة المومياوات، والآثار القبطية في دير مارجرجس، وكانت تعتبر السلسة من مارجرجس للحسين كلها بركة، وكانت تهوى سماع سيد درويش.
عاشت أسرته في هدوء وود ومحبة، يجمع الأب والأم علاقة طيبة قائمة على الاحترام، رحل الأب عام 1937 قبل أن يشهد صدور الرواية الأولى لأصغر أبنائه، بينما والدته المحبة للحياة منحها الله العمر المديد، فعاشت حتى تجاوز عمرها المائة، زارت السينمار مرة واحدة لتشاهد فيلم "ظهور الإسلام" بعد أن أشيع أن من يدخله كمَنْ زار الكعبة وأدى فريضة الحج، وتوفيت عام 1968.
مفارقة الاسم
ببساطة وخفة ظل تلقائية، كعادته، حكى المفارقة التي جعلته يحمل اسم "نجيب محفوظ"، لم يجزم بالسبب في النهاية، لكن قيل له إن ولادته كانت متعسرة، وذهاب السيدات للأطباء أمر غير مستساغ ولا تفضله السيدات، فكانت "الداية" هي المسئولة عن توليد الأمهات، ولمّا كان من الصعب على الداية أن تعتني بحالة والدة نجيب محفوظ، تم الاستعانة بالطبيب على مضض.
وكان الطبيب هو نجيب باشا محفوظ (1882- 1974) أحد رواد طب النساء والتوليد في مصر، الذي ساهم في إنقاذ حياة الأمهات والأطفال من مصير محتوم بالموت، واستطاع أن يبتكر حلول للتعامل مع الولادات المتعسرة، واستطاع أن ينقذ حياة نجيب محفوظ ووالدته، ولذلك سُمي الأديب على اسمه امتنانا له.
سبب تسمية أديب نوبل بهذا الاسم
وفي رواية أخرى، أن الاسم جاء مصادفة، فكانت النية أن يكون المولود الجديد باسم حافظ نجيب، المحتال الذي كان يمتلك صيتا ذائعا بالتزامن مع ولادة نجيب محفوظ، وعندما ذهب أحد أفراد الأسرة لتسجيل الاسم لم يتبادر إلى ذهنه سوى اسم "نجيب محفوظ".
نجيب القراءة والفلسفة
لم تكن القراءة تشغل بال نجيب محفوظ، حتى صادف زميله في فناء المدرسة- عندما كان في الصف الثالث الإبتدائي بمدرسة الحسينية- يقرأ رواية بوليسية لبن جونسون، فاستعارها منه وصارت القراءة من يومها ونيسه ولم يتوقف عنها يوما. وجمعت قراءاته بين الفلسفة والتاريخ والسيرة النبوية، وكتب التراث، مثل: ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني للأصفهاني، الذي اعتبره خلاصة من أعذب الأشعار العربية.
وقرأ محفوظ للعقاد والمازني وطه حسين وتوفيق الحكيم، كما تأثر ببعض كتب الجاحظ، مثل: رسالة الغفران، والبيان والتبيين، وبنهم للمعرفة قرأ دائرة المعارف البريطانية وكتب تبسيط العلوم، واطلع على الأدب العالمي من خلال تولستوي وكافكا وشكسبير ومارسيل بروست وملفيل وهيمنجواي.
وبيد أن القراءة أثرت على اختياراته للدراسة، فكان والده يتوقع أن يدرس محفوظ الحقوق أو الطب، ولكنه اختار الفلسفة، والتحق بكلية الآداب قسم الفلسفة في جامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) عام 1930، وتخرج فيها عام 1934، وتوصلت له والده ليعمل في الجامعة.
المناصب التي تولاها أديب نوبل
أول عمل تولاه نجيب محفوظ كان في جامعة القاهرة، ويبدو محيرا كيف ظل محفوظ موظفا ملتزما بعمله يوميا ويحرص عليه، في ظل إنتاجه الأدبي الغزير، وهو ما ينفي أن الكاتب والفنان يجب أن يكون بوهيميا يفعل ما يحلو له وينتظر الإلهام. وكانت الوظائف التي امتهنها نجيب محفوظ فرصة بالنسبة له، ليتعرف على أشخاص غائبين عن حياته وباب واسع أمام المجتمع البيروقراطي.. تولى نجيب محفوظ عددا من المناصب، هي:
- موظف إداري بجامعة القاهرة.
- سكرتير برلماني في وزارة الأوقاف.
- رئيس جهاز الرقابة بوزارة الإرشاد.
- مدي عام الرقابة على المصنفات الفنية
- مدير عام لمؤسسة دعم السينما.
- رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما.
- مستشارا لوزير الثقافة.
عطية الله لنجيب محفوظ
قبل أن يتزوج نجيب محفوظ من عطية الله إبراهيم عام 1954، عاش حياته كما يحلو له، أو حسب وصفه "عربدة كاملة"، ولم يكن في نيته أن يلتزم بزوجة وأولاد ويرفض الزيجات المدبرة التي تقدمها والدته، حتى التقى بـ "عطية الله" وتزوجها سرا لسنوات، قبل إنها وصلت لعشر سنوات، فما كان يريده هو زوجة تتحمله، وتعينه على التفرغ لأعماله الأدبية، وتتولى أمر المنزل.
كانت عطية الله زوجة محبة وهادئة، تعرف ما يحتاجه محفوظ، فتوفر له أجواء الكتابة وتتبع روتينه اليومي المقدس بحرص، وتزيح عنه عبء الواجبات الاجتماعية وتصرف كل ما يمكن أن يشغل تفكيره. وأنجبا "أم كلثوم" و"فاطمة".
ما هي أهم أعمال نجيب محفوظ
ما بين استكمال الدراسة وإعداد الماجستير حول "الجمال في الفلسفة الإسلامية"، أو الالتفات إلى الأدب، انتصر نجيب محفوظ لسرد الحكايات والتعمق في النفس البشرية، وبدأ الكتابة بالمقالات، فنُشرت له في الفترة من 1928 إلى 1936 مقالت فلسفية نشرها في المجلة الجديدة والمعرفة والجهاد اليومي وكوكب الشرق.
وبدأ أعماله الأدبية بتقليد ما يقرأه، فكتب في مراهقته "الأعوام" على غرار "الأيام" لطه حسين، وبدأت القراءة تفتح له آفاقا جديدة كل يوم، وكانت أعماله الأولى قصص قصيرة ونصوص تُنشر في الصحف والمجلات حينها، ثم أراد أن يسرد التاريخ المصري بأسلوب روائي ولم يكتمل المشروع، وتوالت أعماله الروائية مع تقلبات السياسة وتغير الأوضاع الاجتماعية، ونذكر منها:
روايات محفوظ أديب نوبل
- رواية "عبث الأقدار"- 1939
- "كفاح طيبة"- 1944
- رواية "خان الخليلي"- 1945
- "القاهرة الجديدة"- 1945
- رواية "زقاق المدق"- 1947
- "بداية ونهاية"- 1949
- الثلاثية (بين القصرين- قصر الشوق- السكرية) 1957
- رواية "أولاد حارتنا"- 1959
- "اللص والكلاب"- 1961
- رواية "السمان والخريف"- 1962
- "الطريق"- 1964
- رواية "ثرثرة فوق النيل"- 1966
- "ميرامار"- 1967
- رواية "المرايا"- 1972
- "ملحمة الحرافيش"- 1972
- رواية "الكرنك"- 1974
- "حضرة المحترم"- 1975
- رواية "ليالي ألف ليلة"- 1979
- مجموعة قصصية "الحب فوق هضبة الهرم"- 1979
- رواية "يوم قتل الزعيم"- 1985
- "حديث الصباح والمساء"- 1987
- رواية "أفراح القبة"- 1989
- "صدى النسيان"- 1999
- رواية "أحلام فترة النقاهة"- 2004
غير أن العشرات من أعماله تحولت إلى أعمال سينمائية ومسلسلات، كما عمل في كتابة السيناريو منذ التقى المخرج صلاح أبو سيف عام 1947، وقدم للسينما أفلام، منها: شباب امرأة، المنتقم، لك يوم يا ظالم، أنا حرة، إحنا التلامذة، بين السماء والأرض.
معلومات عن نجيب محفوظ
كان لديه روتين مقدس، يستقيظ في السادسة صباحا، يمشي لعمله مدة ساعة تقريبا، ويبقى هناك حتى الثانبة ظهرا، ثم يعود لتناول الغداء ثم الراحة والنوم قليلا، وفي الرابعة مساءا يبدأ الكتابة لـ 3 ساعات، ثم يقرأ، وفي النهاية يستمع إلى الموسيقى أو الراديو، وينام في الحادية عشرة مساءا، وبخلاف امتلك حواديت وعادات تخصه، منها:
عن أديب نوبل
- ضربه والده مرة واحدة بعد أن فتح إحدى النوافذ المغلقة وممنوع فتحها في المنزل، وكانت تطل على ميدان بيت القاضي، حيث يصطف الجنود الإنجليز، وخاف والده أن يتعرضوا له وعاقبه بالضرب.
- أحب نجيب الريحاني واعتبره موهبة إلهية وفنان كوميدي ليس له نظير.
- اعتاد أن يلعب كرة القدم لمدة 10 سنوات، وعندما توقف وصل وزنه لأكثر من 90 كيلوجراما، فلجأ إلى المشي كرياضة بديلة.
- كان وفديا مثل والده، ويعتبر يوم وفاة سعد زغلول أفجع أيام حياته.
- لم يكن يتناول أية مشروبات في وقت الكتابة، ولا يكتب خارج منزله فخرجت كل رواياته من مكتبه، عدا سيناريوهات الأفلام.
- كان يدخن الشيشة، لكنه تخلى عنها لأنها لم تكن عملية وصعب تحقيقها وقت الكتابة، فلجأ إلى البايب، ثم السيجارة.
- زار الريف مرة واحدة في الفيوم، في زيارة لأقاربه، ولم يزر الصعيد أو الأقصر وأسوان، أو أيا من المعالم الأثرية المعروفة.
- لم تقرأ زوجته أو بناته أي من أعماله قبل نشرها، ولم يستشرهن يوما فيما يكتب.
- كان يحب الشعر ويكتبه، ولكن تراجع بسبب عدم قدرته على الحفظ.
- المشي كان أحب نشاط إليه في اليوم، وكان يعتبره "فسحة صحية وجمالية ومزاج".
الحارة ونجيب محفوظ
ذكريات نجيب محفوظ مع حي الجمالية بطبيعته الشعبية التاريخية، يمكنها أن تلخص تعلقه بالحارة وشخوصها من الفتوة للموظف، وتعبيره عنها بصدق ووعي في أغلب رواياته، وتبدأ الذكريات من ميدان بيت القاضي حيث يسكن، فالبيت الذي كان بسيطا دون كهرباء أو مياه، ظل شاهدا على أسعد أوقات عاشها نجيب محفوظ.
في الجمالية، كانت مظاهر الاحتفال برمضان والعيد لا توصف "كنت أشعر بالتجلي في أقصى درجاته"، ويتذكر الشاعر الشعبي الذي يطوف برباته على الأحياء، وفور وصوله لمقهى خان جعفر بالجمالية، يجتمع أهل المنطقة ويتراصوا أمامه ليستمعوا للسيرة الهلالية، واعتاد محفوظ أن يمشي في شوارع الحي ويمر بأزقته ينصت لما يقوله المارة وأصحاب المحال ويختزنه.
"في الجمالية.. كنت أشعر بالتجلي في أقصى درجاته"
وفي حارته بالحسين، رأى الفتوة وصراعات الفتونة، والتقي على المقاهي التي أحب الجلوس عليها بصنوف البشر المختلفة، وعرف مرتع المجاذيب في الكوم الأخضر، فتشكلت ذاكرته البصرية والسمعية من حواري هذا الحي الذي اتسم بالثراء الثقافي والمعرفي المتفرد.
هل نجيب محفوظ أول أديب عربي يحصد جائزة نوبل في الأدب؟
أول جائزة نالها نجيب محفوظ عن عمل روائي، كانت جائزة "قوت القلوب الدمرداشية" عن روايته رادوبيس عام 1940، مناصفة مع الكاتب علي أحمد باكثير عن روايته "سلامة"، ونال عنها 20 جنيها كانت من علامات الثراء وقتها، وتقدم بعدها في المسابقات الأدبية لنيل الجوائز، وكانت رواياته تواجه كثيرا بالرفض، ونال على مدار مسيرته الأدبية، عدد من الجوائز، منها:
- جائزة وزارة المعارف عن "كفاح طيبة"- 1944
- جائزة مجمع اللغة العربية عن "خان الخليلي"- 1946
- جائزة الدولة في الأدب عن "بين القصرين"- 1957
- وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1962
- جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1968.
- وسام الجمهورية من الدرجة الأولى عام 1972
- قلادة النيل العظمى عام 1988
- شهادة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1989
- جائزة مبارك للآداب من المجلس الأعلى للثقافة- 1999
- العضوية الفخرية للأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب- 2002.
- جائزة كفافيس- 2004
نوبل في الحارة المصرية
أما جائزة "نوبل"، فهي ما كان يستبعده محفوظ، رغم حديث زوجته الدائم عن استحقاقه لها، وفي يوم 13 أكتوبر 1988- يوم إعلان الفائز بنوبل للآداب- كان يوما عاديا بالنسبة له، ذهب إلى عمله في الأهرام وتحدث قليلا عن الجائزة متوقعا أن يصدر خبرا صغيرا غدا يخبرنا بالفائز، وذهب إلى منزله، واستمر في روتينه اليومي.
في وقت استراحته المعتاد بعد الغداء، اوقظته زوجته "قوم.. الأهرام اتصلوا بيك وبيقولوا إنك أخدت جايزة نوبل"، قام من نومه غاضبا كعتبرا ما تقوله هلوسة، وبينما يجادلها بأن "تعقل" وتتوقف عن التوهم بنيله لها، وجد سلامة أحمد سلامة- مدير تحرير الأهرام حينها- يحدثه عبر الهاتف "مبروك يا أستاذ شرفتنا.. جائتنا نتائج جائزة نوبل وأنت فزت بالأدب".
"قوم.. الأهرام اتصلوا بيك وبيقولوا إنك أخدت جايزة نوبل"
استمر محفوظ في اعتقاده بان ما يحدث هو مزاح من زملائه، ولم تمر دقائق حتى زاره سفير السويد في المنزل وحرمه، ليتحول المنزل إلى "سوق" يملأه صحفيون ومهنئون وجهات مختلفة وتظاهرات محبة أمام منزله فخورة بإنجازه، بينما كان محفوظ في حيرة من استقبال هذا الحب والتعامل مع هذهالحشود، وهو الهادئ الذي يقدس روتينه اليومي.
نجيب الذي يكره السفر
سافرت ابنتاه فاطمة وأم كلثوم لاستلام الجائزة، فـ "نوبل" لن تضطره للسفر الذي يكرهه، ولم يجربه سوى مع وفود الكتاب إلى اليمن ويوغوسلافيا، أو إلى لندن لإجراء جراحة عاجلة في القلب، وألقى كلمته أمام الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل الكاتب محمد سلماوي، والتي ركزت على الفخر بالحضارة الفرعونية والإسلامية، ونبذت العنف في فلسطين ودعت للإنصاف.
فتاوى اغتيال "أولاد حارتنا"
نال نجيب محفوظ "نوبل" عن ثلاثيته (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية)، ولكن بعد حصوله على الجائزة، اعتلت المنابر أصوات تُشيع أن "الغرب الكافر" أهداه الجائزة بسبب رواية "أولاد حارتنا" الصادرة عام 1959، والتي تطاول فيها على الله ورسله، والتي واجهت عند نشرها على حلقات في جريدة الأهرام هجوما في صحف أخرى يقول إنها "تتعرض للأنبياء".
وبعد رفض نشرها في كتاب حتى لا يغضب الأزهر، الذي انجر لهذا الجدال وتم تفسير الرواية دينيا، وتقرر حينها عقد لقاءات بين محفوظ والأزهر والقيادات الدينية، ولكن لم يحدث ومرّت الأزمة، حتى نال محفوظ "نوبل"، التي أشيع أنها تقديرا له على هذه الجائزة.
"الفكر لا يحارب إلا بالفكر"
ساهم رأي نجيب محفوظ في رفض قرار الإمام الخميني بإهدار دم الكاتب الهندي سلمان رشدي بسبب روايته "آيات شيطانية"، وتصريحه في فبراير 1989 "أن الفكر لا يحارب إلا بالفكر" في تأجيج مشاعر من ظنوا أنهم مناصري الحق ودين الله، وظلت بعض المنابر تنال من شخص نجيب محفوظ حتى محاولة اغتياله يوم 14 أكتوبر 1994.
في ذكرى وفاته.. تعرف على مقتنيات نجيب محفوظ الشخصية في متحفه
يوم أن قُتل الأديب
يومها، كان محفوظ على موعد مع ملاقاة أصدقائه في كازينو النيل، بينما يهم بركوب السيارة أمام منزله بالعجوزة باغته أحد الأشخاص وسدد له طعنة في رقبته، ووسط الزحام والرغبة في إنقاذ محفوظ ونقله للمستشفى، هرب القاتل ولكن تمكنت وزارة الداخلية من القبض عليه وعلى أعضاء التنظيم الذي عاونه، وحكم عليهم القضاء العسكري بالإعدام في يناير 1995.
تعافى بعدها بأيام نجيب محفوظ، وأصابه الإحباط أن يواجهه أحدهم بالقتل لأنه يختلف معه "إن الشاب الذي رأيته يجري كان شابا في ريعان العمر..كان من الممكن أن يكون بطلا رياضيا أو عالما أو واعظا دينيا.. فلماذا اختار هذا السبيل.. لست أفهم؟"، فلم يكن الأديب يعلم أن عمر عبد الرحمن، مفتي الجماعة الإسلامية، أهدر دمه منذ نيله "نوبل" عام 1988.
وفاة نجيب محفوظ
في 30 أغسطس 2006، رحل نجيب محفوظ بعد أن بلغ من العمر 94 عاما، اختبر فيها الحياة بطريقته، وترك إرثا أدبيا تفخر به مصر والعالم العربي، فكان عبقري الرواية العربية وأديبها المخلص.
مصادر تم الإعتماد عليها:
لقاء نجيب محفوظ في برنامج "زيارة لمكتبة فُلان" للإعلامية نادية صالح
كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للكاتب رجاء النقاش