مثقفون عن نجيب محفوظ في ذكراه الـ11: الأستاذ ما زال حاضرا
رغم مرور 11 عاما على رحيله، يظل الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ باقيا في عقول المثقفين والنقاد
تحل الأربعاء الذكرى الحادية عشرة لرحيل نجيب محفوظ الملقب بـ"بلزاك الرواية العربية"، ولا يزال "الأستاذ" حاضراً أكثر من غيره من الأدباء المصريين والعرب الراحلين، حضوره الإنساني لا يزال مؤثراً في أجيال عديدة من الأدباء والمثقفين الذين عاصروه أو جمعهم القدر به في لقاءاته وندواته الشهرية.وحفلت حسابات المثقفين على مواقع التواصل الاجتماعي إما بصور فوتوغرافية مع أديب نوبل الراحل أو قبس من كلماته أو مواقف جمعتهم به، كذلك مريدي "محفوظ" الذين يتشبثوا بفلسفته الكامنة في أعماله، محدثين حساباتهم على تويتر وفيسبوك بجمل وفقرات من رواياته، وهم جميعاً في انتظار افتتاح متحفه الذي تعده وزارة الثقافة المصرية الآن في تكية "أبوالدهب الأثرية".
الروائي الكبير نعيم صبري، نشر عبر صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، صوراً تجمعه بأديب نوبل نجيب محفوظ. وعلق صبري على الصور قائلاً: "ذكريات عبرت أفق خيالي.. بارقاً يلمع في جنح الليالي"، وفي تعليق آخر قال: "نبهت قلبي من غفوته"، و"وجلت لي ستر أيامي الخوالي".
من جانبه يسعى الأديب يوسف القعيد لمناقشة قرار حكومي بإصدار عملات نقدية تحمل صورة أديب نوبل، تكريماً له وكما هو معمول به في عدد من دول العالم التي تحتفي برموزها الأدبية.
أما الكاتبة المصرية د. سيزا قاسم، فكتبت متذكرة روح أديب نوبل: "لي معه ذكريات مضيئة وقت بحثي في الدكتوراه.. الضحكة المجلجلة.. والنكتة الحاضرة والاستقبال الدافئ الجميل.. الله يرحمه.. ونشرت صورة لرسالة الدكتوراه عن ثلاثية نجيب محفوظ، قائلة: "هي أبلغ ما كنت أستطيع أن أقدمه إثباتاً لعبقرية هذا الكاتب"، وقد نشرتها في كتاب صدر سنة ١٩٨٤.
"هو أكثر الكتاب والمثقفين ثقافة وإنسانية" هكذا يتذكر الأديب والقاص د. أحمد الخميسي محفوظ مفسراً سر حضوره الدائم بين المثقفين والأدباء، قائلاً لـ"بوابة العين": "هو قدوة ومثال تعلمنا منه كيف يجب أن يكون الكاتب وكيف يجب أن نحترم الكتابة ونكرس حياتنا لها بعيداً عن الصراعات السطحية والمعارك الأدبية أو السياسية، فقد كان قدوة أخلاقية في الالتزام والسمو والنبل والرقي الإنساني".
ويضيف موضحاً: "عرفت محفوظ بعد قراءتي لثلاثيته تقريباً حوالي عام 1966، والتي كانت سبباً في دهشتي ورغبتي في التعرف على هذا الكاتب والأديب الذي كتب هذا العمل الضخم بيديه، المغاير لكل ما قرأت من الأدب العربي آنذاك، فاتفقت مع الأديب الراحل يحيي الطاهر عبدالله أن نذهب لندوته التي كان يعقدها كل يوم جمعة في كازينو "صفية حلمي" التي تطل على ميدان الأوبرا بوسط القاهرة. وبعدها واظبت على حضور الندوة وجمعتني به نقاشات ومحاورات عديدة، وكنت أحرص أنا وجمال الغيطاني حينما كنا شباباً أن ننتظر أثناء مسيرته اليومية من منزله لماسبيرو نعطيه ما كتبناه من قصص ليبدي لنا رأيه فيها، وفي اليوم التالي ننتظره لنسمع رأيه وملاحظاته".
ويقول الخميسي: "كان مجاملاً حنوناً ومتواضعاً، ولم يكن يقول أبداً ما يحطمنا بل بالعكس كان دائم التشجيع والتحفيز لنا، وكنا نعلم أن ما نكتبه ليس بالمستوى الأدبي الذي يصوره لنا".
ولا يزال الخميسي متذكراً استقبال محفوظ لكتابه "نجيب محفوظ في مرآة الاستشراق الروسي" الذي كتبه أثناء إقامته في روسيا، وأيضاً يتذكر موقف محفوظ معه حينما استوقفه في ميدان التحرير عقب خروجه من المعتقل بعد 3 سنوات، ليسأله عن أحواله ويقول له "كنت دائم السؤال عنك" حينما لاحظ غيابه عن الندوات، وهو الموقف الذي يظل محفوراً في ذاكرة ووجدان الخميسي.
ويشير الخميسي إلى أن شخصية محفوظ من أروع الشخصيات التي قابلها ويذكر أنه كان من شدة تواضعه أنه كان يقف لنادل المقهى، أما على الجانب الأدبي فلم يكن يرد على منتقديه بل كان شديد التسامح معهم.
أما الناقد حسين حمودة الذي عرف نجيب محفوظ عن قرب لما يقرب من 12 عاماً، فيقول لـ"بوابة العين": "هو أديب فريد من نوعه على جميع المستويات، والمواقف الإنسانية التي جمعتنا كثيرة جداً لا أستطيع أن أتوقف عند موقف واحد منها، ولكن من بينها موقف كان يتكرر دائماً ألا وهو أنه حينما كان يثير أحد الحضور كلاماً يضايقه كان يحرص على تغيير الموضوع تلازمه ابتسامته الهادئة، بل كان يذكر محاسن كل من كتب عنه بشكل سيئ ويتحدث عن الجوانب الإيجابية في كل شيء".
أما عن دورية نجيب محفوظ التي يرأس تحريرها حمودة، فقال: "دورية محفوظ كانت من بين اقتراحات اللجنة التي شكلت عقب وفاته عام 2006، وكانت تصدر بشكل سنوي بتمويل من وزارة الثقافة، وصدر منها حتى الآن 8 أعداد، إلا أنها توقفت منذ عام بسبب إجراءات مالية قررتها وزارة المالية". وفي الذكرى الحالية لمحفوظ يتمنى حمودة عودة المجلة للصدور قريباً وأن يتم حل هذه المشكلة في أقرب وقت".
وحول الهجوم الذي لا ينقطع، والذي يتعرض له محفوظ حتى بعد مرور 11 عاماً على وفاته، تمنى حمودة أن "تزول الغشاوة عن أعين القلائل الذين يتوهمون أن نجيب محفوظ يحاربهم من قبره البعيد"، قائلاً:" لا أجد تفسيراً لهذا الهجوم ولكن أعتقد أنها ربما تكون غِيرة الأدباء من بعضهم". وكتب حمودة على صفحته عن "الأستاذ" وعن مهاجميه ما يوضح للأجيال الجديدة شخصية محفوظ "تحت عنوان رد فعل: ".. وربما كان نجيب محفوظ الكاتب الوحيد الذي يمكن أن يكون رد فعله، عندما توقظه زوجته من نومة القيلولة لتخبره بفوزه بجائزة نوبل.. أن يقول: "بتصحيني عشان حاجة زي كده؟" .. ثم يبدأ في استكمال قيلولته.
أما الأديب والكاتب المصري عبده جبير، فله ذكريات كثيرة مع أديب نوبل وجمعته به مواقف عديدة جمعها وذكرها في كتاب "بفضل كل الخيال" الذي صدر عن دار آفاق بالقاهرة، ويضم 11 قصة تروي فصولاً من حياة جبير ومحفوظ، ويروي لـ"بوابة العين": "محفوظ ظهر في حياتي عام 1966، حينما كنت طفلاً في المرحلة الثانوية يعيش في مدينة أسوان بصعيد مصر، وقعت عيناه على رواية "ثرثرة فوق النيل" منشورة في كتاب بعد نشرها مسلسلة في "الأهرام" وكنت في طريقي لشراء دواء السكر لوالدي، لكني لم أفكر في شيء سوى في رغبتي العارمة في اقتناء الرواية بالنقود التي في حوزتي فاشتريتها على الفور كالمسحور، وبعد أن همت بين صفحاتها فوجئت أنني لم أحضر الدواء لوالدي، وبعدها ضللت طريقي للمنزل، وغلبني النعاس حتى وجدتني دورية بوليس" ويروي أنه لما علم والده قاطعه لمدة عام، وبعدها رفض أن يكمل تعليمه بالقاهرة رافضاً انسياقه لعالم الأدب ما دفعه إلى الهرب للقاهرة وبها عاش على العدس والفول والجرجير والماء حتى ساءت صحته وأصيب بالسل، لكنه تجاوز المحنة، وظلت القطيعة بينه وبين والده لأكثر من 15 سنة.
يتذكر جبير "محفوظ قرأ أغلب القصص وحدثني عنها وفوجئ بقصتي مع ثرثرة فوق النيل، وأذكر أنه قال مازحاً "لو كنت أعرف أن الرواية ديه كانت حتتسبب في خناقة بينك وبين والدك مكنتش كتبتها".
وحول ما أثير عن موضوع قلادة النيل المزيفة، قال جبير: "هذا الموضوع مثير للشجون حقاً، ولا بد أن يحال للنائب العام للتحقيق فيه، بالطبع شخصية مثل نجيب محفوظ لم يكن ليعير الموضوع أي اهتمام، فهو شخص مسالم ومحافظ لا يتطرق إلى معارك حتى لو كانت تخصه، ولكن هذا حق له علينا خاصة أنه ليس رمزاً مصرياً فحسب بل رمزاً عربياً ومسألة تتعلق بتقدير الدولة للمثقفين".