جحيم يلتهم غابات ناربون بفرنسا.. والنار تطرق أبواب المنازل

لا تزال النيران تلتهم غابات مدينة ناربون بفرنسا، بعدما حول حريق نحو 2000 هكتار من المساحات الخضراء لرماد، ويصل إلى التجمعات السكنية.
ألسنة اللهب التي بلغ ارتفاعها 60 متراً، دفعت السلطات لإغلاق الطريق السريع A9 عند ناربون، وهو شريان يربط فرنسا بإسبانيا بمحاذاة البحر المتوسط، وأجبرت مئات السكان على مغادرة منازلهم في مشهد أقرب إلى الكابوس.
في مشهد قاتم يلف قرية "برات دو سيت" التابعة لبلدية باج، بدا المكان غارقاً في السواد، تتصاعد منه رائحة الرماد، وألسنة نار متقطعة لا تزال تلتهم ما تبقى من الأشجار، فيما يعلو صوت الطائرات التي انطلقت مع بزوغ الفجر لإخماد الحريق، إلى جانب صفارات شاحنات الإطفاء التي تتنقل بين النقاط المشتعلة.
“كنا نراقب النار تقترب دون أن نعرف ما نفعل”
بعيون دامعة وصوت مخنوق، روت السيدة المتقاعدة مارتين بو ما عاشته تلك الليلة، قائلة لوكالة فرانس برس: "كنا كلنا خارج المنازل، نراقب الحريق من حافة الطريق، ثم بدأت النيران تقترب... وتقترب... حتى وصلت إلى مسافة عشرين متراً فقط من بيتي".
وتتابع مارتين، التي أجلت نفسها إلى بلدة "بيرياك دو مير": "عندما وصل رئيس البلدية قال إن علينا الإغلاق فوراً، بدأت أجمع صناديق قططي، وأحمل سلحفاتي، وأضع الكلب في السيارة... ثم رحلت". تتوقف عن الكلام فجأة، تعجز الكلمات عن الخروج من حلقها الغارق في البكاء.
زوجها فريديريك، بقي في المنزل طوال الليل. ظل يرش المياه على أشجار الصنوبر الطويلة المقابلة لمنزلهم، في محاولة يائسة لمنع تمدد الحريق. يقول: "لم أرَ شيئاً كهذا في حياتي. كانت النيران تصل إلى ارتفاع 50 أو 60 متراً، على الأقل".
أكثر من ألف رجل إطفاء و5 إصابات خفيفة
حسب ما أعلنته محافظة أود في بيان صباح الثلاثاء، شارك أكثر من 1000 رجل إطفاء في التصدي للنيران خلال الليل، وأُصيب خمسة منهم بإصابات طفيفة. ورغم كل الجهود، لا يزال الحريق "نشطًا" حتى الساعة، وفق ما أكدته أجهزة الدولة، بينما تم نقل خمسة أشخاص بينهم طفل لتلقي الرعاية، وتضررت عدة منازل، فيما احترق بالكامل ورشة صناعية وإسطبل للخيول.
اختناق مروري وإيواء مئات العالقين
إلى جانب الخسائر البيئية والمادية، خلّف الحريق فوضى في حركة النقل، إذ وقعت ازدحامات مرورية ضخمة على الأوتوستراد A9، اضطُر معها بعض السائقين لقضاء الليل داخل سياراتهم. وأُجلي نحو 150 شخصاً إلى قاعة المعارض في ناربون، فيما تم إيواء آخرين في صالات رياضية ببلدات سيجان وفيرال دي كوربيير وبورتيل دي كوربيير.
واستمر تطبيق إجراءات العزل في عدة أحياء جنوبي ناربون، إضافة إلى "برات دو سيت" وبلدة "بيرياك دو مير"، تحسباً لامتداد ألسنة اللهب.
رياح الترامونتان تزيد الكارثة.. ومخاوف من عودة النيران
الرياح العاتية، المعروفة محلياً باسم "الترامونتان"، لعبت دوراً أساسياً في تفاقم الأزمة. فقد انطلق الحريق من أحد الكروم قرب الطريق الإقليمية D613 عند الساعة الثالثة من بعد ظهر الإثنين، ثم تسارعت ألسنة اللهب تحت تأثير الرياح التي بلغت سرعتها 90 كيلومتراً في الساعة، بحسب أدريان وارنان، خبير الأرصاد في "ميتيو فرانس".
إلى جانب الرياح، ساهم الجفاف الشديد في توسع الحريق، حيث سجّل شهر حزيران/ يونيو انخفاضاً في الأمطار بنسبة 69%، بينما تشهد المنطقة موجة حرّ خانقة منذ أيام، ما خلق بيئة شديدة القابلية للاشتعال.
تحقيق مفتوح.. وسلسلة حرائق تضرب أود
النيابة العامة في ناربون فتحت تحقيقاً لتحديد أسباب اندلاع الحريق. ويأتي هذا الحريق بعد أسبوع دامٍ شهد ثلاث حرائق غابات في محافظة أود.
ففي 29 حزيران/ يونيو، احترق 400 هكتار في بلدة بيزانيه، بسبب مرور سيارة تابعة لمتعهد حفلات كانت تجر مشواة لا تزال مشتعلة. أما في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، فقد أتى حريق آخر على 430 هكتاراً قرب قرية "دوزان"، بعد اشتعال سيارة على هامش طريق A61 بين تولوز وناربون.
ما زال الخطر قائماً، والتحذيرات مستمرة، بينما يعيش سكان الجنوب الفرنسي ساعات من القلق والانتظار، أمام حريق لا يزال يزحف ويهدد بالمزيد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA== جزيرة ام اند امز