اليوم ولأول مرة نجد العراقيين باختلاف انتماءاتهم الطائفية والقبلية والقومية كذلك ينتفضون بصوت واحد من أجل وحدة الكلمة العراقية.
مهما تباين الشعب في المعتقدات أو تعدد قومياته أو عاداته وتقاليده يبقى الوطن هو الهوية الجامعة والدرع المانعة لأي سهم من سهام التفرقة والتناحر إذا ما ترسخ مفهوم المواطنة بين أفراد الشعب وتجسد في السياسة المتبعة للسلطة التي تتولى إدارة شؤون الوطن، وهذا ما عانى منه الشعب العراقي لسنوات طويلة اتسمت بتلطي السلطة وراء الفئوية وتعبئة الجماهير الشعبية ضمن إطارها، مما جعل العراق العظيم لقمة سائغة في فم المتربصين به من الخارج وكعكة يتقاسمها سياسيو الداخل، بما يخدم سلطانهم ونفوذهم الشخصي على حساب الوطن والمواطن العراقي.
وحدة الدم العراقي وانتفاضه لنصرة قضاياه الشعبية والجماهيرية الواحدة محطماً حواجز فُرقته الوهمية التي بنتها السياسة على جرف هارٍ من الاختلاف في المعتقد وكاسراً أذرعة الخوف من النار التي جابهها بالصوت المجلجل، الذي وصفوه له يوماً بأنه عَورة فوجده سيف حق يحطم البندقية السلطوية.
كان هذا عنوان الوضع في العراق قبل فترة من الزمن ليست بالبعيدة، أما اليوم ولأول مرة نجد العراقيين باختلاف انتماءاتهم الطائفية والقبلية والقومية كذلك ينتفضون بصوت واحد من أجل وحدة الكلمة العراقية والتخلص من فساد الحكام، وربط العراق حاضراً ومستقبلاً بأجندات خارجية, وحدة الحراك وضعت السلطة التي حاولت جره إلى العنف من خلال إفراطها باستخدامه في مواجهة المظاهرات في موضع القاتل، فأسقط الشعب الحكومة بسلميته جاعلاً الطبقة السياسية في مأزق أكبر من معضلة استقالة الحكومة الذي يمكن اتخاذه بكلمة, وهو مأزق التصدي لتشكيل حكومة جديدة ترضي الحناجر الهادرة التي تجاوزت كل الشعارات السياسية لصالح شعار الوطن وتخليصه من الفساد والفاسدين, وترضي الأيادي المتكاتفة المتجاوزة لكل التباينات الطائفية لصالح بناء الوطن الموحد الرافضة لأي أجندات خارجية أو مآرب شخصية ومحاصصات طائفية, مما يستدعي جهوداً سياسة جبارة لتجاوز الأنماط التقليدية في تشكيل الحكومة وإعادة الدفة السياسية لقيادة البلاد، وذلك لعدة عوامل أهمها:
أولاً: رفع الغطاء الديني عن السياسيين وتياراتهم: جرت العادة في تشكيل أي حكومية عراقية أن تلقي قبولاً دينياً متمثلاً برضى المرجعية الدينية، لما لها من تأثير مباشر على الشارع العراقي، وما تمثله من قداسة بتأييد ما تؤيده، ورفض ما ترفضه، حتى ثارت الجموع تحت وطأة الفساد ونهب خيرات البلاد وبعفوية دون تخطيط مسبق، وكأنه انفجار لا إرادي نتيجة الضغط الذي استمر ردحاً من الزمن على الوطن والمواطن، فجاءت المرجعية الدينية لتؤيد الحراك الذي لا مجال لتجاهله أو فرض القيود عليه، والواقع يشهد بشرعية مطالبه فكان ذلك بداية سحب الغطاء الديني عن السياسيين القائمين على إدارة البلاد، بل تعداه بتنديد المرجعية بالعنف المفرط المستخدم ضد المتظاهرين وتحميل المسؤولية في ذلك لكل التيارات السياسية القائمة، مما يجعل الجميع تحت مقصلة فقدان الثقة والخوض في نفق مظلم ينتظر مستقبل تلك التيارات السياسية ورجالها أمام المرجعية الدينية، التي ستجد من الصعب عليها أن تمنح الغطاء لهم مرة أخرى، حفاظاً على تعلق الجماهير عقدياً بها، الذي إن انهار فليس له من راثٍ بعدها.
ثانياً: وحدة الشعب برفض كل الأحزاب الحالية الممسكة بزمام السلطة: عندما انتفض الشعب العراقي لم ينتفض ضد تيار بعينه أو حزب أو حتى رجل سلطة بذاته، بل انتفض على الساسة وتياراتهم الحاكمة جملة واحدة، رافضاً أي إصلاحات شكلية أو وعود سياسية، بمحاولة إصلاح الأمر على مبدأ أخذتم أكثر من مجرد فرص وليست فرصة، ولم نرَ شيئاً مما جعل كل الأحزاب تتحسس مقاعدها السلطوية بخوف مَن إن غادره فلا رجعة له إليه، لا سيما عندما تجاوز العراقيون حدود الطائفية والولاءات الحزبية، متمسكين بسلميتهم وبمواجهة قنابل الغاز القاتلة والرصاص الحي بالحناجر والأيادي المرفوعة، مطالبين الجميع بالمحاكمات والمثول أمام محاكم النزاهة ومكافحة الفساد، في إشارة إلى أن الجميع فاسد، وهذا يجعل العراق أمام مرحلة دقيقة لا تنفع فيها محاولات التلميع أو إعادة إنتاج التيارات وتسويقها من جديد، وهو مؤشر يعني أننا بانتظار مرحلة من تبادل الاتهامات بين التيارات، وتحميل بعضها البعض مسؤولية ما حدث، للمنافسة على استرداد ولو قدراً بسيطاً من حضورها عندما يقف المتظاهر يوماً ما أمام صندوق الاقتراع، لاختيار من يحكمه، لنكون على موعد مع ظهور أحزاب سياسية جديدة وربما حتى فلسفات سياسية غير الفلسفات القائمة، ليوضع بذلك نظام الحكم كاملاً على المحك وعلى طاولة التشريح الجماهيري.
وحدة الدم العراقي وانتفاضه لنصرة قضاياه الشعبية والجماهيرية الواحدة محطماً حواجز فُرقته الوهمية التي بنتها السياسة على جرف هارٍ من الاختلاف في المعتقد وكاسراً أذرعة الخوف من النار التي جابهها بالصوت المجلجل الذي وصفوه له يوماً بأنه عَورة، فوجده سيف حق يحطم البندقية السلطوية وبالتمسك باليد التي حاولوا أن يصوروها له عدوة مختلفة عنه، ليجدها تضمد جراحه وتشد على يده، لتنتصر سلميته على آلة قمع السلطة التي فقدت ذرائعها القمعية، لتجد نفسها أمام خيار وحيد، هو الاستجابة للحناجر المنتفضة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة