تحالف من طراز قديم.. لماذا لم تعد واشنطن بحاجة لـ"الناتو"؟
أولت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أهمية كبيرة لحلف الناتو على مدار عقود من الزمان، لكن يبدو أن تلك الفرضية بدأت في التراجع.
جاستن لوجان، زميل معهد كاتو الأمريكي، اعتبر في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن أوروبا غنية وقوية بما يكفي للدفاع عن نفسها، لكنهم لن يتقدموا للدفاع عن أنفسهم ما لم تتوقف الولايات المتحدة عن فعل ذلك من أجلهم.
في المقابل، تعتقد الكاتبة الأمريكية كاثلين ماكينيس أن الأمريكيين ما زالوا بحاجة إلى الناتو، لأنه يمثل الجذر الرئيسي لـ"الازدهار الاقتصادي الهائل والحرية" التي يتمتعون بها.
ولفتت ماكينيس إلى أن الأمر لا يقتصر على الازدهار والحرية فحسب، بل إن توفير الأمن للأوروبيين "يسمح للولايات المتحدة بوضع أجندة الأمن الدولي"، ويعزز مصداقية واشنطن في آسيا.
كما كان له إسهام فاعل في حروب واشنطن بعد 11 سبتمبر/أيلول، والتعامل مع "مهام مكافحة القرصنة خارج الولايات المتحدة والقرن الأفريقي وتغير المناخ والهجمات الإلكترونية بالإضافة إلى المعلومات المضللة والتصدي للأوبئة والهجرة والإرهاب، وفقا للكاتبة الأمريكية.
عبء على الأمريكيين
لكن البعض يرى أن حلف الناتو ليس سوى تحالف عسكري من الطراز القديم، لم يتشكل لمواجهة هذه النوعية من القضايا.
وتساءل تقرير مجلة فورين بوليسي عن سبب بقاء الولايات المتحدة ضمن حلف الناتو بعد الحرب الباردة، إذا كان الهدف الرئيسي منه وهو ردع العدوان السوفيتي، فالإجابة بسيطة: لقد كان الناتو وسيظل دائمًا وسيلة للحفاظ على الولايات المتحدة كلاعب أمني مهيمن في أوروبا.
وأشار إلى أن قادة الولايات المتحدة التزموا بالبقاء في الناتو خوفًا من "عدم قدرة الحلفاء الأضعف من احتواء الاتحاد السوفيتي بمفردهم".
كما لفت إلى أن فرق الجيش الأربعة المحمولة جوا التي وافق الكونجرس على إرسالها إلى ألمانيا عام 1950 "لم يكن القصد منها البقاء هناك إلى أجل غير مسمى؛ وكان من المقرر سحب القوات الأمريكية عقب تعافي أوروبا الغربية بشكل كافٍ لتكوين رادع خاص بها".
وبالفعل، بعد أقل من عقد من الزمان كانت أوروبا الغربية قد تعافت بشكل كافٍ لاستخدام رادعها الخاص، فبحلول عام 1959 وصفت مذكرة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور بأنه يأسف "لمحاولة الأوروبيين اعتبار هذا الانتشار بمثابة التزام دائم ومحدد".
حينها قال أيزنهاور: "نحن نحمل عمليا كل ثقل قوة الردع الاستراتيجية، ونقوم أيضا بأنشطة فضائية، وبرامج ذرية. لقد دفعنا مقابل معظم البنية التحتية، ونحتفظ بقوات جوية وبحرية كبيرة بالإضافة إلى ستة فرق".
تقرير المجلة الأمريكية طرح سؤالا أيضا: هل يتعين على الولايات المتحدة أن تظل المزود الرئيسي للأمن في أوروبا إلى الأبد؟
تشير التطورات الأخيرة في أوروبا، التي حفزتها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلى أن الحرب كانت "نقطة تحول" أو ما يمكن أن يطلق عليه "حقبة جديدة" لم يكن من الممكن تصورها تقريبًا قبل ستة أشهر.
فلم تكتف برلين بإلغاء خط أنابيب نورد ستريم 2 فحسب، بل أنشأت أيضًا صندوقًا بقيمة 100 مليار يورو (107 مليارات دولار) لتعزيز دفاعها والتزمت بعد ذلك بإنفاق 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.
وقدمت بولندا وعدة دول أخرى تعهدات مماثلة لزيادة الإنفاق الدفاعي.
لكن مخاوف الولايات المتحدة من عدم تنفيذ هذه التعهدات، دفعها لإرسال 20 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أوروبا لطمأنة حلفاء الناتو. ولعل أحد آثار لذلك هو أن الحلفاء عندما يشعرون بقدر كبير من الطمأنينة، فمن المرجح ألا يتخذوا خطوات للدفاع عن أنفسهم.
ويبدو من المرجح أن يعود الأوروبيون، الواثقين من التمترس وراء درع أمريكا، إلى حياتهم الطبيعية قبل العملية العسكرية وتناسي زيادة الإنفاق الدفاعي.
أوروبا متقاعسة عسكريا
هنا تتحدث مجلة فورين بوليسي عن أن العملية الروسية في أوكرانيا كانت أشبه بالعلاج بالصدمة لدول أوروبا لتقييم التهديدات الأوروبية، وأن عودة الولايات المتحدة لتولي مسؤولية أمن القارة العجوز سيعيد دول القارة إلى التقاعس.
وترى المجلة أن حلفاء الولايات المتحدة في عام 2022 لم يكونوا عاجزين عن احتواء روسيا بمفردهم، لكنهم ببساطة يرفضون القيام بذلك انطلاقاً من اعتقاد راسخ بأن الولايات المتحدة ستفعل ذلك من أجلهم، وبالتالي ستستفيد شعوبهم من إنفاق أموال الضرائب الخاصة بهم على الأولويات المحلية.
ويعتقد التقرير أن الولايات المتحدة لا تستطيع الحفاظ على دورها كحجر زاوية للأمن الأوروبي في ظل التنافس مع التمدد الصيني، فالاتكالية التي تتسم بها أوروبا، أضعفت تحالفات أمريكا في آسيا.
وخلص التقرير إلى أن الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على المشهد الأمني الأوروبي هو سلعة فاخرة لا تحتاجها الولايات المتحدة في عام 2022.
وخاضت الولايات المتحدة حربين لمنع هيمنة قوى معادية على أوروبا في القرن العشرين، ولا توجد في الأفق مخاطر بحدوث مثل هذا الأمر، فعلى الرغم من كل الصخب حول روسيا، إلا أنها لا تسعى للهيمنة، وفق المجلة.
aXA6IDMuMTQ4LjExNy4yMzcg جزيرة ام اند امز