الدرع تحت النار.. هل تصمد سفن الناتو أمام «التكتيك الرخيص»؟

بينما كانت بحار العالم، حتى عهد قريب، ميدان استعراض للقوة الصلبة والهيبة البحرية، تحولت اليوم إلى ساحات اختبار لأسلحة رخيصة لكنها فعالة.
فالمُسيرات الهجومية وقذائف الكروز غيرت حسابات الحرب البحرية، فلم تعد البوارج العملاقة محصنة في وجه أسراب من طائرات بلا طيار تُغمرها من الجو والسطح، في وقت تنضب فيه الذخائر قبل أن تنتهي الاشتباكات، بحسب موقع «بيزنس إنسايدر» الأمريكي.
وضع جعل سفن الناتو تواجه من البحر الأسود إلى مضيق باب المندب، تحديًا ثلاثي الأبعاد: تهديدات غير متماثلة، ضغط استنزاف الذخائر، وصعود فاعلين جدد يمتلكون أدوات هدم عالية التأثير بأثمان زهيدة، لتتمحور الحروب البحرية حول من يملك القدرة على الصمود في وجه وابل من المسيرات والصواريخ التي تطير من زوايا غير تقليدية، لا من يملك «أكبر سفينة».
حروب خطرة
وفي تصريحات لموقع «بيزنس إنسايدر» الأمريكي، قال نائب الأدميرال جيمس مورلي، نائب قائد قيادة القوات المشتركة لحلف الناتو في نورفولك، إن أوكرانيا والبحر الأحمر «أظهرا الحاجة إلى الاستعداد للتعامل مع مستوى أعلى من الشدة مما كنا نتوقعه سابقًا، سواء من حيث المخزون أو من حيث الوقت المُستغرق في خط المواجهة».
في البحر الأسود، استخدمت القوات الأوكرانية طائرات بحرية مُسيّرة مصنعة محليًا لتدمير السفن الحربية الروسية، وهو ما أظهر مخاطر حلول القتال غير المتكافئة والرخيصة نسبيًا على القوات البحرية التقليدية.
وعند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، أطلق الحوثيون صواريخ ومُسيّرات على سفن تجارية وسفن حربية تابعة للناتو، وخلال جهودها لصد هجماتهم واجهت البحرية الأمريكية أشدّ معاركها منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين أمريكيين.
وقال مورلي إن السفن الحربية التابعة للناتو معرضة لخطر أكبر نظرًا لعدد الجهات الفاعلة العالمية المُستعدة لاستخدام القوة العسكرية، حيث أدى انتشار الأسلحة إلى حصول جهات على قدرات جديدة تمكنها من تهديد القوات البحرية المتقدمة.
فمثلا، رفعت الهجمات الصاروخية للحوثيين مستوى الخطر في البحر الأحمر وخليج عدن إلى مستوى لم نشهده منذ سنوات.
لكنّ الوضع مختلف في أوروبا، حيث لم تكن السفن الحربية للناتو في مرمى النيران، لكن التوترات تتصاعد مع وقوع عدة حوادث مع روسيا مما رفع مستوى الخطر.
تزايد الأسلحة
ومع تزايد الأسلحة التي يمكن أن تهدد السفن الحربية مثل صواريخ كروز المضادة للسفن والصواريخ الباليستية والطوربيدات، وصولًا إلى طائرات العدو وطائراته المسيرة، قال مورلي: "يجب أن تزداد القدرات الدفاعية على متن السفن المعرضة للخطر".
وأكد على أهمية الاستثمار في مخزونات الصواريخ وضمان قدرة قواعد الصناعات الدفاعية التابعة للناتو على إنتاج ما يكفي، وضمان قدرتها على حمل ما يكفي في حال دخولها في معركة.
وقال إن أيام "التجول حاملاً مستودعات ذخيرة لا تُستخدم أبدًا قد ولّت للأسف"، موضحًا أن "السفن تعود بشكل روتيني من البحر الأحمر، على سبيل المثال، بعدما استنفدت ذخيرتها، وتحتاج إلى إعادة التزويد ثم العودة في دوريات".
ودفع صعود المسيرات الهجومية منخفضة التكلفة قوات الناتو إلى محاولة إيجاد طريقة لهزيمة هذه التهديدات بتكلفة زهيدة دون إهدار صاروخ أرض-جو يكلف الملايين.
وقال مورلي: "أعتقد أن العقلية بحاجة إلى دفاع متعدد الطبقات". وأضاف "تحتاج السفن الحربية إلى صواريخ باهظة الثمن وعالية التقنية للتعامل مع التهديدات المعقدة. لكن تجاوز تحدي منحنى التكلفة يعني امتلاك مجموعة من القدرات بحيث لا تُهدر الصواريخ الاعتراضية المعقدة على التهديدات البسيطة".
من جانبه، قال الأدميرال بيير فاندييه، القائد الأعلى للتحول في الناتو، والمشرف على جهود تحديث الحلف، إن التقنيات الناشئة، مثل المسيرات، خلقت مشكلات جديدة للمنصات الأكبر حجمًا كالسفن الحربية.
واعتبر فاندييه أن الأنظمة غير المأهولة واحدة من أكبر التغييرات في الحرب البحرية خلال العقد الماضي، مشيرًا إلى أن أحد المخاطر هو أن تغمر سفينة حربية بسرب من المسيرات وأضاف "يجب إيجاد سبل لحماية السفن من ذلك والتعامل مع أهداف متعددة في الوقت نفسه".
وحاليا، يعمل الناتو على دمج الدروس المستفادة من أوكرانيا والبحر الأحمر في تدريباته القتالية؛ فشهدت مناورة "الدرع الهائل" التي أجريت في 25 مايو/أيار الماضي، تدريب البحارة الأمريكيين على استخدام مدافع سطح السفينة لإسقاط مسيرات صغيرة رباعية المراوح.
كما تدربوا على الدفاع ضد المركبات السطحية غير المأهولة، مثل تلك التي استخدمتها أوكرانيا لضرب أسطول روسيا في البحر الأسود.
وتمكّن المناورات مثل "الدرع الهائل" القوات البحرية المتحالفة من التدريب على مواجهة تحديات الدفاع الجوي وتعلم كيفية مواجهة تهديدات أقل تكلفة باستخدام دفاعات أقل تكلفة، مما يُوفر الأساليب الأكثر تكلفة للتهديدات الأكثر تعقيدًا.
هل يلغي صعود المسيرات حقبة السفن الحربية؟
ورغم تزايد عدد التهديدات التي تواجه السفن الحربية، قال فاندييه إن صعود المسيرات لا يعني بالضرورة أنها أصبحت قديمة الطراز حيث تستطيع حاملات الطائرات، وهي السفن الرائدة في الأسطول، نشر قوتها عالميًا كما أنها تُبحر في مجموعات هجومية مُحصنة جيدًا، مما يجعل من الصعب الوصول إليها من قِبل هجمات العدو.
وقال فاندييه "للوصول إلى حاملة طائرات، هناك طبقات.. إنها معركة بين الدرع والسيف.. أشعر شخصيًا أن القصة لم تنته بالنسبة للمنصات الكبيرة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز