لماذا هناك حاجة للتركيز على بناء القدرات في COP30؟ (حوار)

يتزايد الاهتمام ببناء القدرات؛ لأنها صارت ضرورة ملحة؛ فما دور COP30 المتوقع؟
من رحم مؤتمر قمة الأرض في "ريو دي جانيرو" بالبرازيل عام 1992، انطلقت "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (UNFCCC) عام 1992، وتضمنت الاتفاقية عدة مواد، منها المادة رقم 6 والتي تؤكد على أهمية دعم التثقيف ورفع الوعي العام للتصدي للتغيرات المناخية لتعزيز جهود التخفيف والتكيف. من جانب آخر، دعت المادة رقم 4 من الاتفاقية الحكومات إلى تعزيز التعاون الدولي في تشجيع التثقيف والتدريب والتوعية، ما يُشير إلى أهمية تلك العملية في التصدي لآثار التغيرات المناخية، ومن هنا ظهرت عملية "بناء القدرات".
بناء القدرات
وفقًا لسياق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؛ فإنّ "بناء القدرات"، عبارة عن عملية لتعزيز القدرات على الاستجابة للتغيرات المناخية في بلدان العالم؛ خاصة البلدان النامية. وتتمثل صورها في تعزيز المعارف والمهارات والموارد والمؤسسات من خلال تقديم التدريبات والمبادئ التوجيهية والأدوات اللازمة لدعم خطط التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثاره. إضافة إلى نقل التكنولوجيا ودعم البلدان النامية والأقل نموًا بالتمويل المناخي اللازم لتحقيق الأهداف المناخية المرجوة، وتسترشد عملية بناء القدرات بمبادئ الملكية الوطنية والنُهج القائمة على الاحتياجات، ما يضمن قدرة البلاد على الوفاء بتنفيذ سياسات المناخ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وكذلك اتفاق باريس.
تطوّر
في عام 1997، خرج "بروتوكول كيوتو" من مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الثالثة (COP3) في مدينة كيوتو اليابانية، ويُعد هذا البروتوكول بمثابة اتفاق دولي ملزم للدول الموقعة عليه لخفض الانبعاثات الدفيئة، وبالنظر إلى مواد البروتوكول نجد أنّ المادة 10 (ه)، قد أكدت على ضرورة وضع برامج تثقيفية وتدريبية لتعزيز بناء القدرات الوطنية في البلدان النامية وتعزيز الوعي العام للسكان حول التغيرات المناخية. بعد ذلك، اعتمد مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته السابعة (COP7)، والذي استضافته مدينة مراكش في المغرب، إطارين لتوجيه أنشطة بناء القدرات للدول النامية والدول التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية.
وفي عام 2005، استضافت مونتريال في كندا مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الحادية عشرة (COP11)، وهناك أيضًا انطلقت الدورة الأولى من "مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في بروتوكول كيوتو" (CMP1)؛ إذ دخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في نفس العام، وقتها قرر (CMP1) أنّ أُطر بناء القدرات تلك قابلة للتطبيق لتنفيذ بروتوكول كيوتو.
وكل 5 سنوات، تُجري "الهيئة الفرعية التنفيذية" (SBI) مراجعة شاملة لتنفيذ أُطر بناء القدرات في البلدان النامية وكذلك في البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية. ومن المقرر أن تُجرى المراجعة الخامسة بين عامي 2025 و2026.
وفي عام 2011، استضافت مدينة ديربان في جنوب أفريقيا "مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته السابعة عشر" (COP17)، ومن هناك خرج "منتدى ديربان لبناء القدرات"، ويُعقد ذلك المنتدى سنويًا ضمن جلسات مغلقة لإجراء مناقشات معمقة حول بناء القدرات؛ لتبادل الخبرات والأفكار والممارسات الفعّالة لتنفيذ أنشطة بناء القدرات. وفي عام 2012، أُنشئت بوابة بناء القدرات؛ لتجميع وتبادل موارد بناء القدرات لدعم الدول النامية؛ لمكافحة التغيرات المناخية.
وأخيرًا، يحل "مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الحادية والعشرين" (COP21)، والذي خرج منه "اتفاق باريس"، وأكدت المادتان 11 و12 على ضرورة تعزيز قدرات البلدان النامية والأقل نموًا وكذلك الدول الجزرية الصغيرة النامية. كما أُنشئت "لجنة باريس لبناء القدرات" (PCCB)؛ لتحديد ومعالجة احتياجات وثغرات بناء القدرات، إضافة إلى دور اللجنة التنسيقي في أنشطة بناء القدرات. وتركز اللجنة على موضوع أو مجال محدد كل عام لتسهيل التبادل الفني وتعزيز الجهود الرامية إلى تبادل القدرات.
فجوات!
على الرغم من الاهتمام الواضح على مر الزمن بتعزيز بناء القدرات في العمل المناخي، فإنّ هناك فجوات كثيرة في القدرات المؤسسية والفردية التي تعوق تنفيذ المواد المتعلقة ببناء القدرات في اتفاق باريس في الدول النامية، ويفسر الدكتور هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، قائلًا لـ"العين الإخبارية": "لا تمتلك جميع الدول النامية القدرات الكافية لمواجهة العديد من التحديات الناجمة عن تغير المناخ. ولذلك، يُولي اتفاق باريس في مادته الـ(11) أهمية بالغة لبناء القدرات المتعلقة بالمناخ في الدول النامية، ويطلب من جميع الدول المتقدمة تعزيز دعمها لأنشطة بناء القدرات في هذه الدول".
ويُكمل قائلًا: "ولكن هناك العديد من الفجوات الرئيسية التي قد تحد أو تعوق تنفيذ هذا الأمر منها: الفجوات المؤسسية التي تتمثل في ضعف البنية التحتية المؤسسي نقص المؤسسات المتخصصة في التغير المناخي وضعف التنسيق بينها، قصور في التخطيط الاستراتيجي ومحدودية القدرة على وضع خطط مناخية طموحة (مثل المساهمات المحددة وطنيًا NDCs)، محدودية القدرات التقنية ونقص الخبرات الفنية في رصد الانبعاثات وتقييم الآثار المناخية، بالإضافة إلى ضعف أنظمة الرصد والإبلاغ ونقص أنظمة جمع البيانات والمؤشرات المتعلقة بالمناخ".
ويتابع في حديثه مع "العين الإخبارية": "الفجوات المالية وتتمثل فى نقص التمويل المحلي و محدودية الموارد المخصصة للعمل المناخي في الميزانيات الوطنية وصعوبة الوصول للتمويل الدولي نتيجة تعقيد إجراءات الحصول على تمويل المناخ من الآليات الدولية وأيضًا ضعف آليات الاستثمار نقص أدوات جذب الاستثمارات الخضراء والخاصة". ويُضيف: "الفجوات الفردية المتمثلة في نقص الخبرات المتخصصة ومحدودية الكوادر المؤهلة في مجالات التخفيف والتكيف. بالإضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي محدودية إدراك مختلف فئات المجتمع لأهمية العمل المناخي ونقص البرامج الأكاديمية والتدريبية في مجالات المناخ، تتطلب معالجة هذه الفجوات تعزيز التعاون الدولي وزيادة الدعم المالي والفني وبناء الشراكات الفاعلة لتمكين الدول النامية من الوفاء بتعهداتها بموجب اتفاق باريس".
أداة حاسمة
يرى الدكتور هشام عيسى أنّ الاهتمام ببناء القدرات ضرورة؛ إذ يقول للعين الإخبارية: "أرى أن بناء القدرات يمثل أداة حاسمة لتحقيق انتقال عادل في القطاعات المتأثرة بالتغير المناخي مثل الزراعة والطاقة". ويشرح موضحًا الأسباب التالية:
في القطاع الزراعي:
- تمكين المزارعين من تبني تقنيات زراعية مستدامة تتكيف مع التغيرات المناخية.
- تطوير مهارات في إدارة الموارد المائية والتربة بشكل أكثر كفاءة.
- تدريب على أنظمة الزراعة الذكية مناخياً التي تحافظ على الإنتاجية مع تقليل الانبعاثات.
في قطاع الطاقة:
- إعادة تأهيل العاملين في قطاعات الطاقة التقليدية للانتقال إلى وظائف في الطاقة المتجددة.
- تطوير برامج تدريبية متخصصة في تكنولوجيات الطاقة النظيفة.
- بناء قدرات المجتمعات المحلية لإدارة مشاريع الطاقة اللامركزية.
ويوضح عيسى وجود عناصر الانتقال العادل، وهي:
- ضمان عدم تخلف أحد عن الركب خلال مرحلة التحول وفقًا لمبادئى التنمية المستدامة التى تم إقرارها عام 2015.
- توفير فرص عمل بديلة ومستدامة للعاملين في القطاعات التقليدية.
- مشاركة المجتمعات المحلية في تصميم وتنفيذ حلول التكيف مع التغير المناخي.
- بناء القدرات يساعد على خلق حلول شاملة ومستدامة تلبي احتياجات المجتمعات مع ضمان عدالة وتكاليف التحول المناخي.
نقطة تحوّل في COP30
يرى الدكتور "هشام عيسى" أنّ COP30، من المتوقع أن يكون نقطة تحول محورية في مجال بناء القدرات، وذلك بناءً على السياق المختلف جذريًا عن معظم الدورات السابقة "من خلال التحول من "بناء القدرات" إلى "تمكين القدرات المحلية والاستثمار فيها"ذلك ان الماضي -خاصة قبل اتفاقية باريس- كان بناء القدرات يُنظر إليه غالبًا على أنه برامج تدريبية تقليدية تقدمها الأطراف المتقدمة للدول النامية وكانت تركز على المهارات الفنية الأساسية".
ويتابع معربًا عن توقعاته في COP30، قائلًا لـ"العين الإخبارية": "والجديد المتوقع في COP30 هو أن يتحول النقاش نحو تمكين المجتمعات المحلية والأصلية، لا سيما في منطقة الأمازون. لن يكون الهدف مجرد "تعليم" الناس، بل الاستفادة من معارفهم الأصلية والتقليدية في التكيف مع تغير المناخ وإدارة النظم البيئية. سيكون التركيز على إنشاء أنظمة دائمة ومملوكة محليًا بدلاً من المشاريع المؤقتة، وأيضًا التركيز المتزايد على قدرات التكيف والقدرة على الصمود (Adaptation & Resilience)؛ نظرًا لأن آثار تغير المناخ أصبحت أكثر وضوحًا وتدميرًا (الفيضانات، الجفاف، حرائق الغابات)، سيركز بناء القدرات بشكل أكبر على التكيف على المستوى المحلي: كيفية تصميم المدن والمجتمعات الريفية لمواجهة الصدمات المناخية، وتمويل والتدريب على نظم الإنذار المبكر، وبناء قدرات محلية للتنبؤ بالكوارث والاستجابة لها بشكل فعال".
ويُكمل: "وأيضًا الحلول القائمة على الطبيعة، استخدام النظم البيئية الطبيعية (مثل غابات الأمازون) كدرع واقٍ ضد تغير المناخ. مع التفاوض على هدف التكيف العالمي الجديد وترتيبات صندوق الخسائر والأضرار، سيكون هناك تركيز حاسم على بناء القدرات للوصول إلى التمويل حيث ستركز العديد من البرامج على مساعدة الدول النامية، والمجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية على تطوير مقترحات مشاريع قوية، وفهم الإجراءات البيروقراطية المعقدة، وإدارة الأموال بشكل فعال. هذا أمر بالغ الأهمية لضمان وصول الأموال إلى حيث تشتد الحاجة إليها".
كما يتوقع الدكتور هشام عيسى أن تكون هناك آليات ومبادرات محددة في COP30، تستهدف بشكل مباشر بناء قدرات الجهات الفاعلة في الجنوب العالمي (الدول النامية). ويقول للعين الإخبارية: "يعتبر هذا الموضوع حجر زاوية في المفاوضات المناخية، خاصة مع عقد المؤتمر في البرازيل، وهي دولة تمثل الجنوب العالمي".
ويشرح المحاور الرئيسية التي ستركز هذه الآليات عليها، وهي:
1. آليات مالية معززة
صندوق المناخ الأخضر (GCF) وصندوق البيئة العالمية (GEF): سيتم الدفع نحو تبسيط إجراءات الوصول إلى التمويل لهذه الدول. هذا يشمل تقديم منح للمساعدة في إعداد المقترحات (مشاريع التكيف والتخفيف) وتقديم الدعم الفني لضمان استيفاء المعايير.
مرفق التكنولوجيا: تعزيز عمل مرفق تكنولوجيا المناخ (Technology Mechanism) لمساعدة الدول النامية على الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والخضراء ونقلها، بما في ذلك بناء القدرات لاستخدامها وصيانتها.
تمويل الخسائر والأضرار: بعد إنشاء صندوق الخسائر والأضرار في COP27، ستركز COP30 على تفعيله وجعله متاحًا بشكل عملي. بناء القدرات هنا سيكون حول كيفية تقييم الخسائر والأضرار، وإعداد طلبات التمويل، وإدارة الموارد.
2. مبادرات نقل التكنولوجيا والمعرفة
مراكز الابتكار والتكنولوجيا: قد يشهد COP30 إطلاق مبادرات لإنشاء مراكز إقليمية للتميز في مجال التكنولوجيا النظيفة في الجنوب العالمي، تعمل كحاضنات للبحث والتطوير وبناء المهارات المحلية.
منصات تبادل المعرفة: إنشاء منصات رقمية ومجتمعات ممارسة لتسهيل تبادل الخبرات والدروس المستفادة بين دول الجنوب نفسه (South-South Cooperation) ومع الدول المتقدمة.
3. بناء القدرات المؤسسية والفنية
برامج التدريب: ستعقد منظمات الأمم المتحدة (مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP) والمنظمات غير الحكومية عشرات ورش العمل وجلسات التدريب على هامش المؤتمر. ستتراوح مواضيعها من:
- تفاوضية: كيفية المشاركة الفعالة في مفاوضات المناخ.
- فنية: كيفية قياس انبعاثات الغازات الدفيئة (الحيازات الوطنية)، ووضع خطط التكيف، وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة.
- مالية: كيفية كتابة مقترحات مشاريع قابلة للتمويل وجذابة للمستثمرين.
- دعم خطط المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs): مساعدة الدول على تحديث وتنفيذ مساهمتها المحددة وطنيًا، من خلال تقديم الدعم الفني ونماذج التحليل والبيانات.
4. إشراك الجهات الفاعلة غير الحكومية
تمكين المجتمعات المحلية والسكان الأصليين: ستكون هناك مبادرات تركز على بناء قدرات هذه المجتمعات للمشاركة في صنع القرار المحلي المتعلق بالمناخ، وإدارة مشاريع الكربون الأزرق (حماية المانغروف)، وحماية التنوع البيولوجي.
بناء قدرات القطاع الخاص: تشجيع وتدريب رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة في الجنوب العالمي على تطوير مشاريع خضراء والحصول على تمويل لها.
يُمثل COP30 فرصة جيدة لمناقشة القضايا المتعلقة ببناء القدرات؛ خاصة مع تزايد أهميتها عامًا مع بعد عام مع تفاقم آثار التغيرات المناخية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز