في الرابع والعشرين من فبراير 2022 اندلعت حرب في قلب أوروبا.. لم يكن من المتوقع أن تبدأ لتدوم.
ولكن هل كنا بحاجة إلى هذه الحرب لنفهم أن العالم، الذي نعيش فيه، هش أصلا؟
تقديرات الخسائر البشرية تصل إلى 300 ألف إنسان بين طرفي الحرب. وهناك نحو 15 مليون لاجئ، ستة ملايين منهم معظمهم من النساء والأطفال، صاروا خارج وطنهم.
ولكن الخسائر الاقتصادية، التي تكبدها العالم، حسب دراسة نشرها المعهد الاقتصادي الألماني، بلغت 1.3 تريليون دولار.. وذلك عدا الخسائر الناجمة عن "حرب العقوبات"، التي تلاحق روسيا.
في هذا العام، كان العالم ما يزال يصارع بقايا وباء كورونا.. ففي يوم واحد من أيام الأسبوع الماضي سجلت بريطانيا، على سبيل المثال لا الحصر، 28 ألف إصابة جديدة بهذا الوباء.. وهو رقم يوحي كأن الوباء حصل على ما يشبه "الإقامة الدائمة"، التي لا تمنحها بريطانيا للمهاجرين إليها.
وأزمة الهجرة غير الشرعية نفسها لم تتوقف أيضا، وهناك ضحايا جدد لها كل يوم تقريبا.
ما يهم في الأمر هو أن العالم كان قد تكبد نحو تريليونَي دولار في مواجهة ذلك الوباء.. وبقاؤه كتهديد مقيم يعني أن العالم ما يزال يخوض "حرب استنزاف" حياله.
الأضرار الاقتصادية جراء توقف الأعمال وتعثر سلاسل الإمداد هي التي دفعت العالم إلى هاوية التضخم.. فالمال الذي تم إنفاقه في مراحل المواجهة الأولى لم "يتسرب" إلى دورة اقتصادية نشطة تمتص العوامل التضخمية فيه.. كان الأمر يشبه معدة رجل كسول تم حشوها بطعام زائد، بينما هو لم يتحرك من "الكنبة" على امتداد عامين.
الاقتصاديون يقولون إن الركود هو إحدى الوسائل لامتصاص التضخم، وليس فقط رفع معدلات الفائدة.. والركود وصفة للمزيد من الأضرار.. ومن قبل أن يتمكن العالم من استرداد أنفاسه، جاءت هذه الحرب لتقطع هذه الأنفاس.. جعلت الكل يشهق بالمخاوف، ليس من انهمار الصواريخ والقذائف، ولكن من حقيقة أن الاقتصاد الأوروبي صار رهينة لبعض عواقبها.. ومنها تلك المتعلقة بمصادر الطاقة.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأوروبي نجح في الإفلات من قبضة الركود، فإن العديد من اقتصادات العالم واجهت مصاعب أخرى.. فالتضخم، كان يعني ارتفاع الأسعار، ليس على الذين كانوا سببا للتُّخَمة، ولكن على الجميع.
اقتصاديو العالم يعرفون أيضا أن الدول الغنية عندما تنتج التضخم فإنها توزع العاقبة على كل دول العالم.. فلا يتوقف دفع الثمن على الذين كانوا سببا فيه.. ولئن بقيت هذه الحقيقة "مسكوتا عنها"، فإنها واقع.. هم طبعوا تريليونَي دولار، والجميع يدفع الأقساط بأسعار أعلى لقائمة المستوردات!
والنمو لم يأتِ. أتت الحرب لتضع حاجزا يعرقله..
في هذا العام، شهد العالم كوارث مُناخية، أغرقت نحو ثلث باكستان بفيضانات مدمرة.. وبسبب ظروف الحرب في أوكرانيا فقد ظلت استجابات العالم أقل بكثير مما يفي بتوفير المتطلبات الأساسية لملايين المتضررين.
حصلت باكستان على مساعدات سخية من بعض دول العالم، ومن بينها السعودية والإمارات، ولكن ليس من كل الدول، التي تستطيع أن تمد يد العون.. حتى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي استغرقت وقتا أكثر مما يجب.
الكوارث المُناخية امتدت إلى عدد آخر من دول العالم، على هيئة جفاف وارتفاع درجات الحرارة.. ثم اندلعت أزمة صادرات الحبوب لتزيد الطين بِلَّة.
وفيما كان السعداء في الحرب يتبادلون الصواريخ بينهم، ويعدون أنفسهم بنصر لا تستطيع أن تعرف ما هو، أو كم يكلف، واجهت تركيا وسوريا كارثة طبيعية أدت من الناحية الفعلية إلى تدمير أجزاء كاملة من بعض المدن.
مجموع الضحايا، بين زلزالين وبضع مئات من الهزات الارتدادية، بلغ نحو 50 ألف ضحية.. وأما الذين تشردوا وبقوا بلا مأوى أو خافوا من العودة إلى منازلهم، فقد كانوا بمئات الآلاف أو أكثر.. وهنا أيضا، كانت الاستجابات الدولية بطيئة على الأقل، وغير كافية قياسا بحجم الكارثة.
نحن نعيش في عالم يزداد فيه الفقر، وترتفع معدلات الديون أيضا.. وذلك فضلا عن مجموعة مترابطة من الأزمات، التي كانت وما تزال تستوجب جهدا دوليا لحلها أو التخفيف من آثارها.
وأينما أدار المرء ظهره، يجد حاجة إلى نمو اقتصادي وحركة تجارة دولية فعالة، وآليات عمل مشترك وتعاون نشطة، وأعمال ابتكار وتطوير ترفع مستوى حياة البشر، وتوفر لهم المزيد من الإمكانيات لمواجهة تحديات الطبيعة.. وذلك فضلا عن أعمال الإغاثة نفسها للذين تفاجئهم الأقدار بما لم يكن في الحسبان.
في عالم هش، كالذي نعيش فيه، هل كنا بحاجة إلى هذه الحرب؟ ألم يكن من الحريّ تحاشيها؟
لا شك أن توقيتها كان غير مناسب، من ناحية الهشاشة الاقتصادية العالمية على الأقل.. ولكن، هل هناك حقا "توقيت مناسب" لأي حرب؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة