حاولنا في المقال السابق طرح جزء من الإجابة عن السؤال الصعب، وهو عنوان هذا المقال: من أين ينفق الإخوان وإعلامهم الموجه من الخارج؟
وقد تركز المقال السابق على محاولتنا الإجابة عن السؤال على النوع الأول من إنفاق الجماعة، غير المخصص لجهازهم الإعلامي، والموجه لإعاشة قيادات الجماعة وأعضائها وبعض مناصريها القريبين من تيارات مختلفة، المقيمين بالمئات -إن لم يكونوا ومعهم أسرهم بالآلاف- خارج مصر، ومعه الإنفاق على أنشطتها وأنشطتهم السياسية الموجّهة ضد نظام الحكم في بلدهم مصر.
ونركز في المقال الحالي على النوع الثاني من الإنفاق الإخواني، وهو المخصص لإدارة واستمرار جهازهم الإعلامي الموجه بشراسة ومرارة ضد كل ما يجري فيما يفترض أنها بلدهم، أي مصر.
وكما هي العادة مؤخرا، فإن الإعلام الإخواني الموجه من خارج مصر، كغيره من إعلام، ينقسم إلى وسائل إعلام باتت تسمى بـ"التقليدية"، وتضم الفضائيات التليفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية، ووسائل إعلام جديدة أو ما يصطلح على تسميتها بـ"إعلام وسائل التواصل الاجتماعي".
وبصورة عامة، ودون إحصاء دقيق شامل، فإن وسائل الإعلام التقليدية التابعة للإخوان تتركز جميعها خارج حدود العالم العربي، إذ يتوزع كثير منها في عدد من الدول الأوروبية، وبعضها في الولايات المتحدة وكندا، وهو توزيع متطابق تقريبا مع مناطق إقامة الفارّين من أعضاء الجماعة الإرهابية والمناصرين لها من تيارات أخرى.
ويملك الإخوان والملتحقة بهم بصورة مباشرة عددا من القنوات الفضائية يقل عن عَشْر، ومعها عدد أكبر من المواقع الإلكترونية وعدد أقل من الصحف والمجلات السيارة.
وتبدو الفضائيات التليفزيونية هي الأداة الإعلامية المفضلة لدى الجماعة وملتحقيها لبث دعايتهم السوداء نحو مصر، ولذلك فهي بحكم طبيعتها تعد الأكثر إنفاقا عليها من الإخوان.
فهذه الفضائيات لها مصروفات تشغيل ثابتة معروفة ويستحيل الاستغناء عنها، من مقرات إدارية، واستوديوهات، وتأجير أقمار صناعية للبث منها، وأجهزة وبرامج فنية متعددة من كاميرات ووحدات إضاءة ومونتاج وديكورات، ووسائل اتصال هاتفي وإلكتروني واستهلاك كهرباء وطاقة، وغيرها مما لا يمكن بدء البث التليفزيوني ولا استمراره دونها.
ولكي تعمل كل هذه الإمكانيات الفنية فلا بد بالطبع من وجود الأطقم البشرية التي تديرها، من مذيعين ومعدين ومصورين وفنيين للإضاءة والصوت والمونتاج والجرافيك، وغيرهم، ويضاف لما سبق أيضا تكلفة شراء المسلسلات والأفلام وبعض البرامج الوثائقية، التي تبثها هذه القنوات، وتحصل عليها من مصادر مختلفة.
وإذا تم جمع كل هذه المصروفات معا، ولو في حدودها الدنيا، لأمكن بسهولة شديدة تقدير ما ينفقه الإخوان على فضائياتهم التليفزيونية بمئات الملايين من الدولارات أو اليوروهات سنويا، وهي المبالغ التي تعد منطقية في سياق مستوى الحياة في العواصم والمدن التي تتمركز بها.
لا يختلف الأمر كثيرا في مستوى الإنفاق الإخواني على المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات السيارة التابعة لهم ولأنصارهم.
فهنا تختلف بعض بنود الإنفاق، ولكن تبقى المقرات والتجهيزات الفنية والإلكترونية ومصروفات الطباعة والاتصالات، ووراء كل هذا القوى البشرية التي تعد بالعشرات في كل وسيلة من هذه الوسائل الإعلامية، والتي تتقاضى، كنظرائها في الفضائيات، أجور المحترفين في سوق عمل غربية تتسم بارتفاعها المنسجم مع تقدم دوله واحتياجات المعيشة فيها.
وما يؤكد فداحة الإنفاق الإخواني على وسائل الإعلام التقليدية الموجهة ضد مصر هو أن كل هذه المصروفات عليها من فضائيات ومواقع إلكترونية وصحف ومجلات، لا يقابلها شيء تقريبا من الإيرادات، التي تتمثل في هذا المجال في الإعلانات المدفوعة، والتي من المفترض أن تغطي جزءا معقولا على الأقل من المصروفات، لكي تكمل الوسيلة بقاءها بصورة اقتصادية ومالية طبيعية.. فلا إعلانات صريحة تذكر ولا رعاية إعلانية لبرامج أو فقرات توجد، وليس هناك من شيء سوى الإنفاق ثم الإنفاق بلا توقف أو شكوى.
بهذا التحليل المبسط لإنفاق الإخوان على وسائل إعلامهم التقليدية يزداد المشهد من حيث التفاصيل وضوحا، بينما تزداد إجابة سؤال هذا المقال غموضا وفداحة معا حول: مِن أين ينفقون؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة