كأنك في الغرف المغلقة.. "العين الإخبارية" ترسم آلية التفاوض بمؤتمر بون للمناخ
وجوه لم تعهدها من قبل على شاشات التلفاز لن تميزها بالطلة المعروفة للكاميرات أو الأسماء الرنانة، لكن بالانكباب على شاشة حاسوب لوحي وأجندة ملاحظات، أو ذلك "البادج" الذي يحمل صفة "party".
هؤلاء هم المفاوضون الذين يعملون يوميا على مسائل المناخ، يفككون العناوين العريضة، ويرسمون الطريق بأبعاد ثلاثية، نحو الاجتماعات السياسية في أروقة مؤتمر الأطراف "COP".
ومن التكيف إلى التمويل وصندوق الخسائر والأضرار، يعمل آلاف المندوبين في بون، في الفترة من ٥ إلى ١٥ يونيو/حزيران الجاري، على صياغة التفاصيل الفنية التي ينتظر أن يتفاوض عليها الساسة في مؤتمر "COP28" المقبل.
و"الأطراف" أو (Parties) مقسمون إلى ٣ أنواع؛ الأول يضم الأطراف المدرجون في الملحق الأول، ويٌقصد بهم الدول الصناعية الكبرى الذي كانوا يشغلون عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1992، بالإضافة التي الدول التي تملك اقتصاديات تمر بمراحل انتقالية إلى الصناعة وهي الاتحاد الروسي ودول البلطيق وعدد من دول وسط وشرق أوروبا.
النوع الثاني يضم دول الملحق الثاني، وهي الدول الصناعية الكبرى الذي كانوا يشغلون عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1992، بدون الدول التي تمر اقتصادياتها بمراحل انتقالية.
- مؤتمر بون.. تفاؤل عالمي بشأن COP28 والتحول المناخي العادل
- "تحالف الصحة وتغير المناخ” لـ"العين الإخبارية": هذه أكثر السيناريوهات المناخية تطرفا
ودول الملحق الثاني هي الدول المعنية بتوفير التمويل اللازم لتكيف الدول النامية مع سياسات مواجهة التغير المناخي.
النوع الثالث يضم الدول غير المدرجة في الملحق الأول، وأغلبها الدول النامية الأكثر تأثرا بتبعات تغير مناخ، إلى جانب دول متقدمة أخرى تعامل وفق هذا التصنيف لأنها ضمن الدول المتأثرة أو المرشحة للتأثر بتغير المناخ، لأنها تملك سواحل معرضة للغرق، وكذلك الدول المنتجة للنفط والمعرضة للتأثر اقتصاديا في حال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
هذه الأنواع الثلاثة من الدول أرسلت إلى بون آلاف المفاوضين الذين يحملون "بادج" بكلمة (Party)، وينخرطون في المفاوضات طول فترة انعقاد المؤتمر، وأغلبهم من المفاوضين الرئيسيين ومفاوضي الصف الثاني المعنيين بقضايا المناخ، والمعهود إليهم التفاوض حول المسائل الفنية وحل التباين مع الدول المختلفة على مستوى القضايا الخلافية المتوسطة ودون المستوى، وترك الملفات التي تشهد مواقفا خلافية حادة إلى الاجتماع السياسي في COP.
لكن كيف يحدث التفاوض في أروقة مؤتمر بون؟
هذا هو السؤال قاد "العين الإخبارية" إلى سلسلة من المحادثات مع مصادر مختلفة لرسم الآلية التي تسير بها عملية التفاوض خلف الأبواب المغلقة، إذ تعد معظم اجتماعات بون مغلقة على الصحافة والمراقبين.
نقطة البداية لم تكن أول يوم في مؤتمر بون؛ إذ سبق المؤتمر عدة أشهر من التحضير على عدة مستويات، الأول على المستوى الوطني ويتلخص في إعداد مفاوضي كل دولة مواقف ومنطلقات هذه الدولة في مفاوضات المناخ لهذا العام في إطار ورقة موقف وطنية.
أما المستوى الثاني فهو مستوى "التكتل"، فكل دولة تشغل عضوية تكتل أو أكثر في مفاوضات المناخ، مثل تكتل الدول الأفريقية وتكتل الدول متشابه التفكير (like minded states)، وتكتل دول شرق أوروبا، وتكتل "جي ٧٧ + الصين"، وغيرها.
الآلية هنا تتلخص قبل انطلاق المؤتمر، في جمع مواقف دول كل تكتل والتوفيق بينها، وصياغتها في ورقة موقف أولية سرية، لا يمكن تسريبها إلى أي طرف آخر، وتشمل حدود التنازلات ومحددات المواقف المشتركة في القضايا المختلفة، وفق مصادر في تكتلي الدول الأفريقية وشرق أوروبا تحدثوا لـ"العين الإخبارية".
لكن ورقة الموقف والمواقف الواردة فيها ليست نهائية، إذ يعقد كل تكتل اجتماعا مغلقا واحدا على الأقل يوميا، وفي الأغلب اجتماعين، أحدهما في الصباح والآخر في نهاية اليوم، لمناقشة مستجدات التفاوض والتوافق على مواقف جديدة إذا لزم الأمر.
وبالتوازي مع عملية التوافق المغلقة والمستمرة في أروقة كل تكتل، هناك المفاوضات خارج الغرف المغلقة أو كما وصفها مصدر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "عمليات بناء التأثير"، وهي تلك المفاوضات الجانبية غير الرسمية التي تجري بين ممثلي الأطراف المختلفة في الممرات وفي صالات الطعام ومناطق القهوة.
هذه الجلسات جزء أساسي من التفاوض، ويمكن أن تجمع أطراف من تكتل واحد لمحاولة مناقشة خلاف ما داخل التكتل بعيدا عن ضغوط الغرف المغلقة والتوصل لتوافق يمكن بعد ذلك سحبه إلى تلك الغرف، ويمكن أن تجمع أطرافا عابرة للتكتلات، وفي هذه الحالة تتمحور حول بناء توافقات حول القضايا الرئيسية أو محاولة طرف ما حشد التأييد لموقفه في قضية محل تفاوض.
وأمام أبواب الجلسات العامة، تصل إلى آذانك ممثلين دول مختلفة يتفقون على تناول الغذاء معا، أو ممثل دولة يقدم لزميل من دولة أخرى دعوة لتناول القهوة سويا، لتبدأ بعدها جلسات المفاوضات الودية غير الرسمية.
كل هذه العمليات تصب في النهاية في خانة التوافق على مواقف واضحة في أغلبية القضايا الفنية، بما يتضمنه ذلك من عملية مرهقة وصعبة لتوفيق المواقف ثم الصياغات المختلفة لنفس الموقف وأحيانا يصل الأمر إلى إضافة أو حذف كلمة واحدة أو حرف، والتصويت عليها داخل كل تكتل، وفي المفاوضات التي تجمع كل الأطراف، فق المصادر التي "تحدثت لـ"العين الإخبارية".
عملية مرهقة وتشمل العديد من المحادثات داخل وخارج القاعات المغلقة، وشد وجذب مستمر، لكن قناعة الجميع تتقاطع وتلتقي ولسان حالها يقول: كل شيء يهون من أجل عيون المناخ.