ذهبت إيران إلى مفاوضات النووي في فيينا بشرطين رئيسين.
الشرط الأول ضمانات بأن أي إدارة أمريكية مقبلة لن تتراجع عن الاتفاق كما حصل مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، والشرط الثاني رفع العقوبات عنها بشكل فعال، أي الإفراج عن المليارات الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية والأوروبية بسبب ملفها النووي.
وبشرطَيها هذين، تقول إيران: إما الإذعان لي وإما الانسحاب من المفاوضات.. وهي تستند في ذلك إلى ثلاثة أمور أساسية:
الأول وجود رئيس جديد يمثل المحافظين المتشددين في سدة الرئاسة الإيرانية.
والثاني على شكل رسالة تعبئة للداخل الإيراني بأن الولايات المتحدة لديها سابقة في عدم الالتزام بالاتفاقيات مع إيران بعد انسحابها من اتفاق عام 2015.
والثالث هو الحديث عن وصولها إلى العتبة النووية بعد أن سرّعت من تخصيب اليورانيوم واقتنت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب "30 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60%، في حين يحتاج إنتاج سلاح نووي إلى ما فوق 90 درجة".
وإيران في كل ذلك تقول إن القنبلة النووية باتت موجودة في القبو، ويبدو أنها تريد من وراء اتباع هذه السياسة الرمادية امتلاك قوة ردع، إذ إنها تريد خيارا نوويا مؤجلا وتحت الطلب، لا سيما مع تزايد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وإعلان الحكومة الإسرائيلية أنها غير ملزمة بأي اتفاق نووي جديد مع إيران.
طهران في استراتيجيتها هذه تدرك أن الولايات المتحدة لا تريد انسحابها من المفاوضات، لأن غير ذلك يعني إغلاق نافذة التفاوض الموجودة، وربما الانفتاح على المجهول، وهنا تكمن محاولة المفاوض الإيراني إظهار أقصى تشدد في براجماتيته السياسية، فيما الولايات المتحدة، التي تقول إنه لا يمكن التفاوض إلى ما لا نهاية وتعاني ضغطا إسرائيليا للتوجه إلى أقصى التشدد ضد إيران وصولا إلى الخيار العسكري، تبحث عن آليات ضغط جديدة على طهران، وهي هنا تدرك أهمية إظهار أقصى الدبلوماسية، وتحويل هذه الدبلوماسية إلى ضغط روسي وصيني على إيران، والضغط على الصين لوقف استيراد نفط من إيران.
الولايات المتحدة لا تريد في النهاية الدخول في صدام عسكري مباشر مع إيران، بل تريد واقعا دوليا جديدا يؤدي إلى استنزافها بشكل كامل في الداخل، وشلل مع الخارج عبر محاصرتها من قِبَل الدول الكبرى الفاعلة، وصولا إلى واقعية تفاوضية تنتج اتفاقا نوويا جديدا.
إيران بدورها تدرك هذا المسعى الأمريكي، وعليه، فإنها تسعى إلى أن يكون ما بعد الاتفاق النووي مختلفا عما قبله، وتريد مرحلة ما بعد الاتفاق تكريسا لهيمنتها الإقليمية، خاصة في الملفات المتفجّرة في المنطقة، مثل اليمن ولبنان وسوريا والعراق.. إذ تدرك أن أي اتفاق نووي جديد سيؤثر على هذه الملفات بأكملها، ويفرض على الجميع إعادة النظر في حساباته تجاه إيران وسياستها وسلوكها وممارساتها الإقليمية، أي التعايش مع "إيران النووية" بأجندتها السياسية، ما يعني أن أبواب المجهول قد تُفتح على المنطقة، في ظل الرفض الإسرائيلي والعربي الخليجي للسياسة الإقليمية الإيرانية، فإسرائيل لا تريد أن يكون أي اتفاق نووي جديد بمثابة قوة دفع إيرانية جديدة لأذرعها في المنطقة على شكل تهديد لأمنها، كما أن الدول العربية، خاصة الخليجية، تدرك أهمية خطر السياسة الإيرانية في اليمن ولبنان، وغيرها من الدول العربية التي تتدخل إيران في شؤونها.
في انتظار نتائج الجولة السابعة من مفاوضات النووي الإيراني في فيينا، تبدو المسافة بعيدة بين واشنطن وبين طهران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، وعليه تُرجِّح معظم التحليلات فشلها، وفي النهاية لن تقبل الولايات المتحدة وحلفاؤها وضع إيران قنبلتها الموجودة في القبو على الطاولة، لتقول إنها حققت نصرا على ما تسميه "قوى الاستكبار العالمي" وليدفع "بايدن" ومعه الديمقراطيون الثمن في الداخل الأمريكي، خاصة أنه لا يستطيع تقديم ضمانات بأن الرئيس الأمريكي، الذي سيأتي بعده، سيحافظ على أي اتفاق نووي مع إيران.
دروب فيينا المفتوحة للمفاوضات قد لا تكون مهيأة لاتفاق نووي جديد، وربما السؤال هو: إلى متى ستبقى هذه الدورب مفتوحة للتفاوض من أجل التفاوض على الوقت؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة