الحياد الكربوني.. قصة أغلى صفر في العالم
مع اقتراب فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن تغير المناخ COP28 بدولة الإمارات، يتردد بكثافة مصطلح صافي صفر.. فما هو وما قصته؟
يلزم اتفاق باريس المبرم في 2015 الأطراف بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب تحت درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية.
وفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يحتاج هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية لإجراءات سريعة واستثنائية، أهمها على الإطلاق، خفض الانبعاثات لأقصى درجة ممكنة على النحو المطلوب في اتفاق باريس، بنسبة 45٪ بحلول عام 2030، والوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول 2050.
يُقصد بـ “صافي صفر” أو “الحياد الكربوني” أو “الحياد المناخي” خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلّص منه.
قصة صافي صفر
تظهر الأدلة العلمية أن الكوكب يزداد سخونة، والاحترار المتزايد له تأثير سلبي كبير على الأرض، والأكثر من ذلك، إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، سيزداد الوضع سوءًا، مع تنبؤات بزيادة درجات الحرارة العالمية لما يصل إلى 3-5 درجات مئوية بحلول عام 2100.
رغم الارتفاع الضئيل في درجات الحرارة العالمية، إلا أننا نشعر بآثار تغير المناخ مع أنماط الطقس غير المنتظمة، بما في ذلك: موجات الحر؛ الفيضانات والعواصف الشديدة؛ فقدان الجليد القطبي وارتفاع منسوب مياه البحر، وسوف يزداد الأمر سوءًا كلما تفاقم الاحتباس الحراري. من المسلم به على نطاق واسع من قبل العلماء والحكومات أن تغير المناخ يحدث بسبب ارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وهي الغازات التي تحبس الطاقة من الشمس.
أكثر غازات الدفيئة شيوعًا هي بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان، ويعتبر ثاني أكسيد الكربون هو أخطر غازات الدفيئة وأكثرها وفرة، ولهذا السبب يتحرك العالم الآن لخفض انبعاثات الكربون “البصمة الكربونية” أو البحث عن بدائل منخفضة الكربون كطرق لمعالجة تغير المناخ.
وصلت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاليًا إلى 414 جزءًا في المليون والارتفاع مستمر، لذا ستكون هناك حاجة ملحة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، لإعادة التركيزات إلى 350 جزءا في المليون أو أقل، وهي التركيزات اللازمة لتحقيق الاستقرار في مناخ الأرض.
يتسبب فائض غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في إحداث ظاهرة الاحتباس الحراري الضارة، لذا فإن تقليل كمية هذه الغازات يساعد في معالجة تغير المناخ، ويمكن أن يتم ذلك بطريقتين:
خفض الانبعاثات التي نرسلها إلى الغلاف الجوي، من الأنشطة الصناعية وتوليد الطاقة والنقل والزراعة المكثفة، عبر التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، ورفع كفاءة استخدام الطاقة.
إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الغلاف الجوي، عبر التعويض عن الانبعاثات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ويتم ذلك عبر اتخاذ عدد من الإجراءات أبرزها استخدام تقنيات لإزالة الانبعاثات من الجو، سواء من خلال زراعة الأشجار وتعزيز الغطاء النباتي، أو عبر المفهوم الحديث للاقتصاد الكربوني، وهو يعني ببساطة استخدام تقنيات احتجاز الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية، وتخزينه وإعادة استخدامه.
يشير مصطلح "صافي صفر" إلى تحقيق التوازن بين كمية غازات الدفيئة التي ننتجها، والكمية المزالة من الغلاف الجوي، بمعنى أن يصبح حجم انبعاثاتنا الضرورية مساويا تمامًا لحجم الانبعاثات المزالة من الغلاف الجوي.
ما الفرق بين صفر انبعاثات وصافي صفر؟
نظرًا لتأثير انبعاثات الكربون على كوكبنا، قد يتساءل البعض لماذا لا نهدف الوصول إلى الصفر، أو الصفر الإجمالي، بدلاً من الصفر الصافي.
يعني الصفر الإجمالي وقف جميع الانبعاثات، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بشكل واقعي في جميع قطاعات حياتنا وصناعتنا.
حتى مع بذل أقصى الجهود لتقليلها، ستظل هناك بعض الانبعاثات الضرورية.
يستهدف هدف صافي الصفر تقليل الانبعاثات بشكل عام، ما يسمح بإزالة أي انبعاثات غير ضرورية، مثل تلك الصادرة عن الطيران أو التصنيع، عبر استخدام السيارات النظيفة، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة، بعيداً عن التصنيع كثيف الانبعاثات، وكذلك التحوّل إلى مصادر الكهرباء الأكثر خضرة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتوسع في مبادرات التشجير.
كما يمكن إزالة غازات الدفيئة بشكل طبيعي، عن طريق زراعة الأشجار، حيث تمتص الأشجار ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، أو المنبعث من العمليات الصناعية المتغيرة على حد سواء.
كمثال، يعني تعهد دولة أو شركة ما بالوصول إلى "صافي الصفر" أنها ستخفض الانبعاثات ولكن ليس إلى الصفر المطلق؛ بدلا من ذلك، ستستمر بعض الانبعاثات الضرورية، التي لا يمكن التحكم فيها، لكن سيتم التخلص منها بتدابير تعويضية تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وبالتالي فإن النتيجة الصافية ستكون صفر انبعاثات.
من تعهد بصافي صفر؟
تلتزم معظم الحكومات والشركات أو ما يقرب من 80٪ من الاقتصاد العالمي بالوصول إلى صافي صفر بحلول عام 2050.
حتى 2021، تعهدت نحو 140 دولة بتحقيق “صفر انبعاثات”، وأبرز الدول التي استهدفت الوصول لـ “صافي صفر انبعاثات”، هي أوروغواي بحلول 2030، وفنلندا بحلول 2030، والنمسا بحلول 2040، وآيسلندا بحلول 2040، وألمانيا بحلول 2045، والسويد بحلول 2045.
كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتحقيق صفر انبعاثات بحلول 2050، والولايات المتحدة في 2050، والصين في 2060، وأوكرانيا في 2060، وأستراليا وسنغافورة بين 2050 و2100.
عربيًا، تقود 3 دول فقط قاطرة الحياد الكربوني العربي، متعهدة بالوصول رسميًا إلى صافي صفر من الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، وفق خطة زمنية تتراوح بين 2050 و2060، وهي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين.
كم يكلفنا؟
قالت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إن العالم سيحتاج إلى استثمار 115 تريليون دولار حتى عام 2050، للوصول إلى الحياد الكربوني.
تحتاج الصين وحدها إلى استثمار 21 تريليون دولار، ما يمثل نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سنويًا، للوصول إلى هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وفقًا لتقرير صادر عن جامعة تسينغهوا الصينية.
يؤكد الخبراء أن تحقيق الحياد الكربوني أسهل في البلدان النامية الأصغر، وأصعب بكثير بالنسبة للبلدان الصناعية التي يصعب فيها تقليل الانبعاثات في جزء كبير من الاقتصاد، مثل الصلب والزراعة واستخراج الغاز”.
aXA6IDE4LjIyMC4yNDIuMTYwIA== جزيرة ام اند امز