نتنياهو قد يدفع أيضا نحو انتخابات جديدة يروج فيها لنفسه على أنه السياسي الراغب في حكومة وحدة رفضتها الأحزاب المعارضة له.
خيارات مرة يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجبرا على الحسم بينها، فإما الإدانة بتهم الفساد أو تقديم تنازلات قد تكون مهينة لخصومه، من أجل تشكيل حكومة جديدة في الفترة القانونية المحددة.
ولطالما أطلقت أوصاف على نتنياهو منها "الملك" و"سيد الأمن"، لكن مشهده وهو يتحدث بصوت مبحوح بعد ساعات من الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات فجر 18 سبتمبر/أيلول الماضي، كان يعطي انطباعا واحدا: إنه يتهاوى.
مهمة صعبة تلك التي ألقاها على عاتقه الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، تقلل منافذ النجاة على الرجل، خصوصا في ظل احتمالات قوية بتقديم المستشار القانوني للحكومة أفيخاي مندلبليت، لائحة اتهام ضده بتهم الفساد.
في الأثناء، يسابق نتنياهو الزمن أملا في تشكيل الحكومة في غضون الأيام الـ42 التي يمنحه إياها القانون، والتي يرجح مراقبون أنه قد يستنزفها في مفاوضات مضنية وغير مجدية مع أحزاب طمعا في تحالفات معها، لتلتقي جميع السيناريوهات عند النقطة نفسها، وهي أن احتمال استبعاده من المشهد السياسي بات يطرح نفسه بقوة في خضم التطورات الجارية.
أسوأ الخيارات، هو أن يجد نتنياهو نفسه مجبرا على مغادرة الحياة السياسية في إسرائيل، وليس ذلك فقط، وإنما يخرج من الباب الصغير مدفوعا باضمحلال صورته في أعين الإسرائيليين، واعتباره سبب الأزمة المستمرة منذ فترة.
أحداث تطوق سفينة نتنياهو، وأمواج عاتية تقلبها في مسارات لم يشتهيها، خصوصا وأنه لطالما أراد أن يعقد المستشار القانوني للحكومة مندلبليت، جلسة الاستماع معه حول شبهات الفساد التي تحوم حوله بعد توليه رئاسة الحكومة، لكن إخفاقه في الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، في انتخابات أبريل/نيسان وسبتمبر /أيلول الماضيين، بعثرت جميع آماله.
ثمة سوابق فرض فيها القانون على وزراء التنحي بعد تقديم لوائح اتهام ضدهم، ولكن ليس هناك أية سابقة لفرض التنحي وإن كان رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت تنحى طواعية في العام 2009 قبل إدانته بالسجن بتهم الفساد.
وفي ضوء المشهد الراهن، يبدو نتنياهو في مفترق طرق يقود نحو جملة من الخيارات، أسوأها التنحي.
فإما أن يقبل بأحكام اللعبة السياسية والتوازنات الحزبية، ويعترف بعجزه عن تشكيل الحكومة خلال فترة 28 يوما قابلة للتمديد لأسبوعين (42 إجمالا)، وهذا ما يفسح المجال لتكليف زعيم حزب "أزرق أبيض" الوسطي المعارض بيني غانتس، بالقيام بالمهمة في غضون 28 يوما غير قابلة للتمديد.
وإما أن يقبل بخيار ثان، لكنه صعب، وهو تقديم تنازلات وإن تكن مهينة، في سبيل إقناع شريكه القديم زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، للانضمام إلى ائتلافه، لكن حتى هذا الطرح يبدو بعيد المنال في ضوء إصرار الأخير على مصادقة الحكومة على مشروع قانون التجنيد الذي ترفضه الأحزاب الدينية الشريكة لنتنياهو.
نتنياهو قد يدفع أيضا نحو انتخابات جديدة يروج فيها لنفسه على أنه السياسي الراغب في حكومة وحدة رفضتها الأحزاب المعارضة له، ما قد يرفع رصيده الانتخابي بأصوات إضافية قد تؤمن له الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، أو تغري أحزابا أخرى بالتحالف معه إرضاء لقواعدها.
أما أسوأ الخيارات، فهو أن يجد نتنياهو نفسه مجبرا على مغادرة الحياة السياسية في إسرائيل، وليس ذلك فقط، وإنما يخرج من الباب الصغير مدفوعا باضمحلال صورته في أعين الإسرائيليين، واعتباره سبب الأزمة المستمرة منذ فترة.
يدرك نتنياهو أن هكذا خيار قد يسرع طريقه إلى السجن ولذلك فإنه يقاتل كما لم يفعل من قبل من أجل تجنب هذا الخيار، وليس غريبا أن نتنياهو الذي يعلق على كل شاردة وواردة في الشأن الإسرائيلي لم يعلق على تقارير قالت إنه يدرس التنحي طواعية مقابل العفو عنه من التهم الموجهة إليه.
ولكن ليس ثمة بند في القانون الإسرائيلي يسمح بالعفو عن شخص متهم بتهم الاحتيال والرشوة وإساءة الأمانة وهي التهم الموجهة إليه.
وفي حال خروج نتنياهو، تكون المعارضة الإسرائيلية حققت أبرز أهدافها باستبعاد الأخير عن زعامة "الليكود" وإفساح الطريق أمام زعيم جديد للحزب، ما يفتح الطريق أمام حكومة وحدة وطنية تضم الحزب اليميني و"أزرق أبيض" وربما عددا آخر من الأحزاب.
طرح لا يعتبر مستبعدا خصوصا في ظل صمت قيادات بارزة في حزب "الليكود" عن التقارير الإعلامية بهذا الشأن، بينها جدعون ساعر، ما قد يحمل على أنه مؤشر على رغبة في تجسيد قرار إقصاء نتنياهو.
بالمعايير السياسية نتنياهو "ثعلب" قادر على إيجاد الثغرات وعقد الصفقات وتدبير المؤامرات، لكن نجمه الذي برز خلال مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991 بدأ بالأفول عام 2019 بعد أن بات السلام أبعد من أي وقت مضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة