في 29 مارس/آذار 2023 نشرت على "العين الإخبارية" مقالا بعنوان "هل العلمانية تمنع لعنة العقد الثامن؟" جاء فيه: "والمشهد السياسي اليوم في المجتمع الإسرائيلي هو محاولة لاستدعاء العلمانية لتنقذ المجتمع والدولة من المصير الديني المحتوم».
«فقد استقر في الوعي التاريخي اليهودي أنه لم يستطع اليهود تكوين دولة لهم إلا في حالتين: مملكة الملك النبي داود عليه السلام التي تأسست عام 1011 ق.م ولم تكمل عامها الثمانين فقد نشبت فيها الصراعات والانقسامات في العقد الثامن حتى سقطت، والدولة الثانية والأخيرة هي مملكة "الحشمونائيم"؛ وهي مملكة يهودية كانت موجودة في فلسطين، تأسست عام 140 قبل الميلاد وانتهت بسيطرة الإمبراطورية الرومانية على البلاد عام 63 قبل الميلاد، حيث دام عمرها 77 عاماً. والدولة الثالثة التي تخشى نفس المصير هي دولة إسرائيل الحالية».
والغريب في هذا المشهد أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في كلمة له عام 2017 حذر من لعنة العقد الثامن، ووعد أن يجعل إسرائيل تتجاوز هذه اللعنة، وتكمل عامها المئة.
وبعده كرر رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك نفس المخاوف من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـالتاريخ اليهودي الذي يؤكد أنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة.
ففي مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" في 7 مايو/أيار 2022 قال باراك: "على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة؛ حيث كانت بداية تفككها في العقد الثامن، وإن تجربة الدولة الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها".
أما رئيس الحكومة السابق "نفتالي بينيت" فأعرب عن أمله ألا يتصارع اليهود فيما بينهم حتى يتجاوزوا تحدي الحكم لأكثر من 80 عامًا، وتجنّب الانهيار من الداخل كما حصل مع ممالك اليهود السابقة، معرباً عن خشيته من ذلك المصير.
وأضاف "بينيت" في تصريحات له بداية العام الحالي، أنه "يتوجب التركيز على عدم الانهيار من الداخل؛ لأن أشد ما يواجه إسرائيل هو خطر التفكك داخليًا، وبالتالي الاندثار كما حصل بممالك اليهود السابقة".
وفي مقال نشر عام 2020 تحت عنوان "إسرائيل في امتحان العقد الثامن"، كتبه رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الجنرال عوزي ديان أعاد فيه إلى الأذهان لعنة العقد الثامن بالمملكتين اليهوديتين السابقتين، وأضاف إليهما العديد من التجارب الدولية التي تفيد بأن العقد الثامن هو عقد محمل بالمخاطر وكثيراً ما انتهى بـ(تفكك عنيف)"، على حد تعبيره.
وبعد مرور عام على نشر هذا المقال نجد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ينسى تماما ما وعد به وهو أن يجعل إسرائيل تتجاوز هذه اللعنة وتكمل عامها المئة، ويطلق العنان لتفكيره الغرائزي، ويجعل غرائزه تتحكم في عقله، فتقوده غريزة البقاء في السلطة، والحفاظ على المصالح الشخصية، وكذلك تتحكم فيه غريزة الانتقام، والتشفي إلى أن يضع مستقبل إسرائيل على المحك، فيخالف يكل إصرار أسس وقواعد الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التي تنص على ثلاثة مبادئ كررها كل المفكرين والاستراتيجيين اليهود وغير اليهود وهي، أولا: أن إسرائيل يجب أن تبادر بالحرب لا أن تكون في موقع الدفاع، والحرب التي تكون فيها في موقع الدفاع تخسرها في العادة، وثانيا: أن إسرائيل تتبع سياسة الحرب الخاطفة التي تحقق النصر سريعا، ومن الخطر عليها أن تدخل في حرب استنزاف طويلة الأجل، لأن غالبية الجيش من قوات الاحتياط وهم القوة العاملة في الاقتصاد، ومؤسسات الدولة، وثالثاً: إن إسرائيل لا ينبغي أن تنخرط في حرب على جبهتين حتى لا يتشتت الجهد خصوصا مع صغر المساحة، وبعد المسافة بين الشمال والجنوب.
ورئيس الوزراء الحالي وتحالفه الوزاري المتطرف العنيف؛ الذي تتحكم فيه أيديولوجيا مغلقة لا علاقة لها بالواقع يدفعون لاستمرار الحرب في غزة وتوسيعها للضفة الغربية وجنوب لبنان، بل لا يكترثون باستفزاز مصر، وهذا ضرب من الجنون الاستراتيجي، الذي قد يقود إلى عواقب تجعل لعنة الثمانية قادمة لا محالة؛ خصوصا مع بداية تفكك المجتمع الإسرائيلي بعد قرار تجنيد المتدينين من الحريديم، وتوسع الهجرة المعاكسة إلى خارج إسرائيل، ومن المتوقع توقف الهجرة القادمة، وبذلك تكون النهاية قد بدأت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة