"صراع الدببة".. تريليونات القطب الشمالي تثير شهية أمريكا والصين وروسيا
ممرات مائية مفاجئة تفتح طرقا إلى القطب الشمالي، بقدر ما تكثف تنافسا ثلاثيا يتنامى منذ سنوات حول السيطرة عليه.
التنافس الثلاثي يجمع الصين وروسيا والولايات المتحدة في وقت يزداد فيه الحديث بشكل مطرد عن تحول في النظام العالمي يودع القطبية الأحادية إلى عالم متعدد الأقطاب على حساب أوكرانيا.
وفيما العالم منشغل بدخول الحرب الأوكرانية شهرها السابع، كان الغرب ينقب عن "السياسة" في ثلوج القطب الشمالي، إذ أعلنت الولايات المتحدة، الجمعة، استحداث منصب سفير لمنطقة القطب الشمالي.
وتهدف الخطوة إلى تكثيف الدبلوماسية الأمريكية هناك وسط تعزيز روسيا والصين لوجودهما في المنطقة القطبية مع ظهور ممرات مائية جراء التغيّر المناخي تسهل الوصول إليها.
وقال فيدانت باتل، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن وزير الخارجية أنطوني بلينكن سيعيّن قريبا سفيرا متجولا مهمته التعامل مع دول القطب الشمالي ومجموعات السكان الأصليين وأصحاب المصلحة الآخرين.
وأضاف باتيل أن "منطقة القطب الشمالي التي يعمها السلام والاستقرار والازدهار وتتمتع بالتعاون تشكل أهمية استراتيجية أساسية للولايات المتحدة وأولوية للوزير بلينكن".
وسجّل القطب الشمالي ارتفاعا في درجات الحرارة بمستويات تتجاوز بكثير بقية مناطق الأرض، ما يزيد من احتمال فتح مزيد من الممرات المائية التي كان يستحيل عبورها أمام السفن التجارية والعسكرية.
وتعزز روسيا وجودها بالقرب من القطب الشمالي سواء من خلال نشر غواصات أم طائرات حربية، بينما تبني الصين محطات أبحاث في القطب الشمالي يُنظر إليها على أنها مقدمة لوجود أكبر.
قفزة "الناتو"
وجاءت الخطوة الأمريكية بعد ساعات من إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، خلال زيارة لكندا، أن القدرات الروسية في الدائرة القطبية الشمالية تمثل تحديا استراتيجيا للحلف، وأن الحلف يحتاج إلى وجود قوي له في منطقة القطب الشمالي، وفق ما نقلته "رويترز".
وقال ستولتنبرج الذي كان يقف إلى جوار رئيس وزراء كندا جاستن ترودو في كولد ليك في ألبرتا "تتزايد أهمية الدائرة القطبية الشمالية لحلف شمال الأطلسي ولكندا لأننا نرى تعزيزا عسكريا روسيا كبيرا (هناك) يتمثل في قواعد جديدة ومنظومة أسلحة جديدة".
ومن جانبه، قال ترودو "حدث تحول في الوضع الجيوسياسي خلال الشهور الماضية هو السبب في أن تفهم أن روسيا مثار قلق متزايد لنا جميعا".
وأضاف "بالنسبة لنا أن نطلع الأمين العام وحلف شمال الأطلسي على جميع الأشياء التي تفعلها كندا من خلال نوراد" مشيرا إلى المنظمة الأمريكية الكندية للدفاع عن أمريكا الشمالية.
"الأزمة السر"
لكن التطورات المتسارعة في مواقف أمريكا و"الناتو" جاءت بعد أزمة كبيرة بين النرويج وروسيا في منطقة القطب الشمالي، في يونيو/حزيران الماضي.
وحدثت الأزمة عندما اتهمت موسكو،ج النرويج بعرقلة عبور معدات ومواد غذائية إلى الروس المقيمين في أرخبيل سفالبارد النرويجي في القطب الشمالي، وهددت أوسلو بأعمال انتقامية.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان "طلبنا من الجانب النرويجي تسوية هذه المسألة في أسرع وقت ممكن" معلنة استدعاء القائم بالأعمال النرويجي في موسكو إلى الوزارة.
وأضافت "لقد قلنا إن التصرفات غير الودية تجاه روسيا ستؤدي إلى إجراءات انتقامية".
وأوضحت أن النرويج منعت عند نقطة عبور الحدود البرية في ستورسكوغ إمدادات من المعدات والأغذية التي كان يفترض تحميلها على متن سفينة لتوصيلها إلى سفالبارد لعمال المناجم الروس في الأرخبيل.
وبحسب سيرغي غوشتشين القنصل الروسي في الأرخبيل، فإن هناك 20 طنا من المؤن والمعدات بما فيها سبعة أطنان من المواد الغذائية وقطع غيار ومعدات أساسية للاستعداد لفصل الشتاء.
وأشار إلى أن النرويج تحظر وصول تلك المعدات والمواد الغذائية تطبيقا للعقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
ووفق مراقبين، فإن هذه الأزمة أعادت إبراز أهمية منطقة القطب الشمالي، ومهدت لتطوير التنافس الثلاثي بين أمريكا والصين وروسيا على مواردها، وبشكل أكبر على السيطرة عليها.
وتشير التقديرات إلى وجود 30 تريليون دولار (26.6 تريليون جنيه إسترليني) من الموارد أسفل تضاريس القطب الشمالي، وفق صحيفة ديلي أكسبرس البريطانية.
"مخلب الدب"
وبعد هذه الأزمة بشهر واحد، أعلنت روسيا عقيدة بحرية جديدة تشمل تعزيز مواقعها في منطقة القطب الشمالي اقتصاديًا وعسكريًا.
وتنص العقيدة الجديدة على أن القطب الشمالي "يتحوّل إلى منطقة منافسة دولية، ليس فقط من وجهة نظر اقتصادية، ولكن أيضًا من وجهة نظر عسكرية".
كما تنص على أن روسيا تعتزم تعزيز "مواقعها الرئيسية في غزو القطب الشمالي واستكشافه"، وتحقق "الاستقرار الاستراتيجي" في المنطقة من خلال تعزيز الإمكانات العسكرية لأسطولي روسيا في الشمال والمحيط الهادئ.
وبالإضافة إلى تعزيز إمكانات الأسطولين لتعزيز القدرات الروسية في القطب الشمالي، قامت موسكو في السنوات الماضية ببناء 13 قاعدة جوية عسكرية جديدة في المنطقة، بعضها في مواقع تعود إلى الحقبة السوفياتية.
وزادت موسكو أيضا من الدوريات التي تجريها مقاتلات الميج التي تحمل صواريخ اعتراضية، وقاذفات "Tu-22M3" التي تنطلق من القواعد الجوية في القطب الشمالي.
كما طورت السلطات الروسية أيضا، أنظمة دفاع جوي طويلة المدى من طراز S-400 ومتوسطة المدى SA-17، بهدف الدفاع عن قواعدها في المنطقة، وفق أكسبرس.
دور حرب أوكرانيا
وبالتزامن مع أزمة النرويج وروسيا، وإعلان العقيدة الجديدة، أعلنت سبع دول تحيط بالقطب الشمالي مؤخرًا أنها ستعلق التعاون مع روسيا في مجلس القطب الشمالي، الذي تترأسه روسيا حاليًا، ردا على العملية الروسية ضد كييف.
الخطوة التي اتخذتها كندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة (أعضاء في مجلس القطب الشمالي) غير مسبوقة في تاريخ المجلس، وعكست وضعية التنافس الحالية على المنطقة.
هل أمريكا مستعدة؟
ووفق صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إذا امتد الصراع المترتب على حرب أوكرانيا إلى القطب الشمالي، فإن الجيش الأمريكي في وضع غير مؤات إلى حد ما.
وفقًا لماثيو بوليج، الباحث في مؤسسة "تشاتام هاوس"، وهو معهد سياسي مقره لندن، "تشعر موسكو أن لديها موقع قوة نسبية في القطب الشمالي، مما يعني أنها تسعى بوضوح للحصول على أرباح من تفوقها العسكري المتصور".
وتابع "قد تفكر الولايات المتحدة وشركاؤها في القطب الشمالي في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع روسيا من خلال مجلس القطب الشمالي في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا".
وتعد روسيا إلى حد بعيد أكبر دولة في مجلس القطب الشمالي استنادًا إلى الحجم والسكان والقوات العسكرية المتمركزة في المنطقة، وتجري بشكل روتيني تدريبات تكتيكية في القطب الشمالي مع آلاف القوات، بما في ذلك وحدات القطب الشمالي المتخصصة.
وتمتلك روسيا أيضًا محطات استطلاع ومنشآت وقواعد عسكرية مدنية ذات استخدام مزدوج ومجهزة بصواريخ ورادار منتشرة عبر حدودها الشمالية الشاسعة في القطب الشمالي، بما في ذلك ضمن مسافة 300 ميل من ألاسكا الأمريكية.
ومع ذلك، ربما تكون حرب روسيا المستمرة في أوكرانيا قد استنفدت بعض قدراتها في القطب الشمالي، أو على الأقل صرف انتباهها عن القطب الشمالي في الوقت الراهن، وفق لوس أنجلوس تايمز الأمريكية.
من المحتمل أيضًا أن يؤدي تعليق الأنشطة لمجلس القطب الشمالي بسبب الحرب الأوكرانية، إلى الإضرار بسكان القطب الشمالي البالغ عددهم 4 ملايين نسمة والذين عاشوا في سلام منذ الحرب العالمية الثانية، وهو سلام رائع نجا من الحرب الباردة ونزاعاتها المتعددة بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
لكن الأخطر، أن افتقار الولايات المتحدة للوجود المستمر واستعدادها المحدود للعمليات التكتيكية في القطب الشمالي، يمكن أن يمثل تحديات للتعامل مع الصراع العسكري في المنطقة، وفق الصحيفة نفسها.
وبحسب لوس أنجلوس تايمز، لا تزال أجزاء كثيرة من الجيش الأمريكي تتعلم (أو تتعلم) كيفية العمل في القطب الشمالي. لكن تتعرقل الجهود بسبب الطقس القاسي، وسوء الاتصالات الناجم عن نقص الأقمار الصناعية القطبية والتداخل الجوي، والمعدات التي لم يتم تحسينها لدرجات الحرارة المتجمدة والقدرة المحدودة في الاعتماد بسلاسة على شركاء القطب الشمالي بسبب استمرار عدم قدرتهم على العمل جنبًا إلى جنب مع بعضهم البعض.
aXA6IDE4LjExNy4xNTQuMTM0IA==
جزيرة ام اند امز