ضربت بكين مفاجأة كبيرة عندما نجحت في تحقيق ما لم تحققه واشنطن، بالوساطة بين الرياض وطهران لإعادة العلاقات الدبلوماسية،
بعد قطيعة دامت 7 سنوات، بعد حادثتي الاعتداء على سفارة وقنصلية السعودية في إيران عام 2016.
يتزامن الاتفاق مع إعادة انتخاب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" لولاية ثالثة، وتنامي دور بكين في منطقة الشرق الأوسط على الصعيد الاقتصادي، والدور السياسي الجديد الذي تتبعه في علاقاتها الدولية كدولة فاعلة، وتوجهاتها نحو البراغماتية على حساب ايديولوجيتها الكلاسيكية، لاسيما إصدار وثيقة "موقف الصين تجاه الحل السياسي للأزمة في أوكرانيا"، وأخيرا إعلان الوساطة بين السعودية وإيران، في ظل تراجع الدور الأمريكي في المنطقة على إثر تغيرات النظام الدولي.
لم تأت الحروب إلا باستنزاف الموارد والطاقات، والظروف العالمية الراهنة تجعل التهدئة هي الحل الأمثل، وستبقى تساؤلات أن كانت إيران ستوقف وكلاؤها الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان عن أنشطتها العدائية؟ في كل الأحوال تصب النظرة الشمولية للاتفاق السعودي الإيراني في صالح الأمن والاستقرار في المنطقة، وتطوي حقبة طويلة من الصراعات، عبر التركيز على جسور الحوار وفرص التنمية، لتحقيق مستقبل مزدهر للشعوب.
سيجلب الاتفاق للسعودية ومحيطها الخليجي التهدئة، وسيؤمن مناخ ملائم للتركيز على المشاريع التنموية، استعدادا لمراحل ما بعد النفط، وسيخلق أجواء ايجابية ستسهم في ايجاد تفاهمات في عدد من الملفات العالقة، لاسيما في لبنان واليمن وسوريا والعراق، بينما سيفتح لإيران آفاقا اقتصادية تعوضها عن العقوبات، ما سيخفف أعباء الانهيار الاقتصادي.
سيقطع التقارب الخليجي الإيراني الطريق على الأجندات الدولية والاقليمية التي تستخدم بروباغندا "الخطر الإيراني" كأداة لتوظيف سياساتها في المنطقة، وسترتبك عناصر الميليشيات الإرهابية، والشخصيات الإعلامية المتكسبة من الأزمات، لأن وجودها مرتبط بتقويض أمن المنطقة، ليضع الاتفاق الدول العربية المحورية في توجه واحد في التعامل مع إيران.
منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979، والمنطقة تشهد صراعات استهدفت دول الخليج والمنطقة العربية، ولم ينجح الغرب في تحييدها بحيث يكتفي بالعقوبات الاقتصادية، برغم إدراكهم بقدرة الإيرانيين على الالتفاف عليها، وكأن الغرب يريد إيران قوية على جيرانها وضعيفة دوليا. ولهذا، جاءت ضرورة تغيير قواعد الاشتباك ونهج سياسة الحوار المباشر مع طهران، فإيران دولة جارة ويجمعنا الكثير من المشتركات، ونستطيع التعامل مع التحديات ندا لند.
أعاد الاتفاق السعودي الإيراني إلى الأذهان، قرار دولة الامارات إعادة سفيرها إلى طهران، في أغسطس 2022، ما يؤكد توافق الرؤى بين أبوظبي والرياض في التعامل مع ايران، عبر إبقاء جسور الحوار مفتوحة والأبواب مواربة مع التركيز على التعاون الاقتصادي.
سيشكل دخول دبلوماسية الصين كوسيط يملك تحالفات اقتصادية قوية، ومصداقية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط أهمية بالغة، لأنها منطقة نفوذ أمريكية، ولأن الدو الصيني تاريخيا اقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، لتجنب الاشتباك السياسي مع الولايات المتحدة، ما يؤكد التحول الكبير في ميزان القوى الدولي، إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لتصبح واشنطن أحد شركاء المنطقة الفاعلين، وليس الشريك الوحيد.
لقد أبرزت الوساطة الصينية الفارق بين بكين وواشنطن، وتحديدا في مسألتين: أن بكين لا تتدخل في شؤون الدول الداخلية، وقدرة الصين الواضحة على التأثير سياسيا على الجانب الإيراني، مقابل فشل واشنطن في التعامل مع تحديات المنطقة الأمنية خلال عهد الرئيس بايدن.
مهما كانت سيناريوهات عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وإن كانت ستنجح في نقل وضع المنطقة المتوتر إلى منهج التعاون، عبر استمرار الصين كضامن للتوجهات الإيرانية، أو كان السيناريو دبلوماسي التوجه في المرحلة الأولى، ويركز على التعاون الأمني والاقتصادي في المشتركات من الملفات، فيمكن القول أن عودة العلاقة بين البلدين ستسهم في تبريد الأزمات نحو سياسة تصفير المشكلات، في ظل ما تمر به المنطقة من تحديات أمنية واقتصادية، وتغيرات مناخية وإنسانية آخرها الزلزال الذي لحق بسوريا وتركيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة