ستدخل المنطقة العربية مرحلة جديدة في إطار العلاقات العربية والعربية الإقليمية نتاج استئناف العلاقات السعودية الإيرانية،
وهو ما سيلقي بتبعاته على علاقات الإقليم خاصة وأن البلدين لديهما مشروع سياسي قد لا يلتقي في مساراته، أو اتجاهاته، وكثيرا ما كان محل تجاذب حقيقي لا يمكن تجاوزه في ظل ما كان يجري من تطورات سابقة شملت أزمات الإقليم، ومع التوقع المبدئي بارتدادات عامة على الإقليم نتاج ما جري مع التقدير لعنصر التوقيت ودلالاته وارتداداته، وإجراءات بناء الثقة التي ستتشكل بين الجانبين، وبالتالي ليس من المبكر التوقع بما سيجري، وعلى رأس تلك المسارات احتمال إجراء تفاهمات مبدئية في بعض الملفات الرئيسة، والتي ستكون محور ما سيجري خاصة بالنسبة للملف اليمين باعتباره أولوية للجانب السعودي، وفي إطار ما يجري من تطورات تمس أمن الإقليم، ومن ثم فإن توقف التوصل لحل حقيقي ومتماسك في اليمن والإنصات لصوت العقل والرشادة الذي سبق وأن طرح في مخرجات عدة للحوار الوطني، أو مخرجات الرياض وغيرها وتنفيذ القرارات الدولية، والتي وصل عددها تسعة عشر قرارًا دوليًا ابتداءً من القرار رقم 2014 الصادر في أكتوبر 2011، مرورًا بالقرار الدولي رقم 2216.
واليوم ينفتح الباب أمام احتمالات التهدئة، والعمل على مسار محدد خاصة وأن أمن الخليج العربي سيبقي مسئولية دوله، بالرغم من كل التطورات الجارية والمرتبطة بالترتيبات الأمنية في مناطق متعددة بما فيها الشرق الأوسط وفقا لاستراتيجية الإدارة الأمريكية التي أعلنها الرئيس جو بايدن في أغسطس من العام الماضي، وارتبطت بحالة التعامل مع الشركاء والخصوم، والتعامل مع المسار الإيراني بما في ذلك التفاوض الرئيسي بشأن الاتفاق النووي، وبعد أن وصلت المفاوضات إلى مرحلة صعبة في ظل قناعات أمريكية إسرائيلية بأن إيران تشتري الوقت للوصول للعتبة النووية وفقا لمقاربات استخباراتية إسرائيلية تدفع بهذا الاتجاه، ومن ثم فان ما جري بين الرياض وطهران سيكون مدخلا لمناخ جديد للتفاوض الجاد من منطق أن إيران باتت طرفا مقبولا في الإقليم، وأنه لا توجد تحفظات خليجية أولية للتوصل إلى اتفاق مع طهران حول النووي برغم أن الإدارة الأمريكية السابقة، والراهنة لم تُدخل الدول العربية في أي مفاوضات، واليوم ستتغير قواعد اللعبة بعد أن باتت إيران طرفا مقبولا في الخليج، وستراعي حضورها القوي الرئيسة المعنية.
وبصرف النظر عن التوصل لاتفاق، أو عدم توصل الجانبين الأمريكي والإيراني لاتفاق، فإن إسرائيل باتت الطرح الخاسر الأكبر مما يجري خاصة، وأن التوجه لضربة عسكرية إسرائيلية محدودة سيظل واردا لإرباك المشهد السياسي والأمني في الإقليم، ولتسجيل حضور إسرائيل في معادلات التغيير الراهنة والمحتملة، فإسرائيل ستذكر الولايات المتحدة بأن إيران ستظل العدو والخصم، كما أن إسرائيل ستقر معادلة التغيير حفاظا على أمنها.
وفي كل الأحوال ستعمل إسرائيل في مواجهة السيناريو الراهن، ولن تحتاج إلى دعم أمريكي كامل مع التقدير لخصوصية التنسيق الأمني والاستخباراتي، كما يتصور البعض خاصة وأن إسرائيل ليس لديها خيارات عدة بل تركيزها على الخيار العسكري المحدود، وستظل تراهن عليه خاصة، وأنه ليس فقط الاتفاق النووي بل وأيضا تجاه نمط العلاقات بين طهران والرياض في ظل رهانات رئيس الوزراء الإسرائيلي على الانفتاح الرسمي، والمباشر مع السعودية، خاصة وأن ما تباهي به نتنياهو مؤخرا لم يعد له وجود في ظل تخوفات إسرائيلية من أن يؤدي الأمر واستئناف العلاقات بين الرياض وطهران إلى التأثير السلبي على توجهات دول عربية وإقليمية آخرى للانفتاح على إسرائيل في ظل ما يجري من مخططات إسرائيلية.
ستظل إسرائيل الطرف الخاسر مما يجري الأمر الذي سيدفعها إلى التحرك في مساحات آخري من التحالفات المختلفة، والتي تعمل في سياقات متعددة ومهمة، ومن المؤكد أن إسرائيل ستعمل على سيناريوهات أخرى بديلة، أما الحديث عن التأثير في سياسات حماس والجهاد الفلسطيني وحزب الله، وغيرها من حركات الإسلام السياسي فإنه للوهلة الأولي ستظل الهواجس قائمة مما يجري .
وبصرف النظر عن ردود فعل هذه الجماعات إلا أن إيران ستظل توجه وتتحرك، وتعمل في اتجاهات التمسك بأوراقها الضاغطة، وإن كانت ستعمل في إطار الحفاظ على مصالحها الكبرى عند الضرورة خاصة، وأن إيران تدرك أن أذرعها الإقليمية الوكيلة أدت أدوارا مهمة في توقيتات معينة، ولا يمكن التخلي عنها خاصة وأن إيران تدرك خطورة التحرك الإسرائيلي الأمريكي، وأن هناك مرحلة مهمة تعد انتقالية ينبغي التعامل معها بجدية، وقد تطول لبعض الوقت وتتعلق بتنفيذ كامل ما سيتم الاتفاق بشأنه خاصة وأن خفض التوتر وتقليله سيظل هدفا مهما ومطروحا من قبل الأطراف المعنية، ففي الإقليم ستكون هناك مرحلة سيراقبها الجميع، وسيعمل عليها كل الأطراف وليس فقط السعودية أو إيران فقط كخطوات بناء ثقة، وستراقب الولايات المتحدة ما سيجري خاصة وأن المتابعة والتتبع الأمريكي لن تتوقف فقط على طرفي المعادلة إيران والسعودية خاصة مع حالة التخوف من تمدد الدور الصيني في الشرق الأوسط، وخارجه مما يعطي إشارات مهمة بأن الولايات المتحدة تتخوف من امتداد التعاون الصيني الروسي ليس في جنوب شرق آسيا ومناطق التماس بل، وأيضا إلى الشرق الأوسط في إشارة لا تغيب، وفي إطار تحالفات كبري تشكل سياسات أكثر واقعية هي أشبه بمعادلات معقدة ومركبة، بمعني أن التسويات المقبلة في الإقليم ستبدأ باليمن، كما هو متوقع، وستمر بالاتفاق النووي إلى الوكلاء الإقليمين، ولكن الأهم بالنسبة للدول العربية المعنية تطويق مسارات التحرك الإيراني، وعدم تدخله في أمن الإقليم والتمدد في دوله، كما أن هناك مقارنات ستعقد في إطار حرص الولايات المتحدة على أن تكون طرفا رئيسيا فيما يجري خاصة وأن روسيا أيضا ستسجل حضورها في المشهد في إطار الواقع السياسي الجديد، والتي تقوده السعودية وتحاول بناء مقاربات متعددة مع الصين إلى جوار الولايات المتحدة ما يؤكد على أن ما يرسم من سيناريوهات حالية ومنتظرة سيكون مدخلا لتفكيك عناصر الأزمة الإقليمية الراهنة، وبناء شراكات جديدة مع التأكيد على أن خسارة بعض الأطراف الاخرى مرتبط بما يمكن أن يخفف من حدة ما يجري خاصة والأطراف الإقليمية المجاورة للنظام الإقليمي العربي سواء إيران، أو تركيا، أو إسرائيل ستتفاوت مصالحها واستراتيجيات تحركها في الفترة المقبلة، وهو ما يؤكد على أن المعادلات الكبرى في الإقليم ستنتقل، ولو جزئيا من السعودية وإيران لتشمل دول أخري وفواعل غير رسمية، ومنها حزب الله وحماس والحوثي وغيرها .
إن التأكيد على أن الولايات المتحدة تعمل في اتجاه السلام الإقليمي في الشرق الأوسط، وأنها تؤيد ما يجري، وأن الاتحاد الأوروبي يرى فيما تم بين الرياض وطهران خطوة على الطريق الصحيح، إلا أن المشكلة الحقيقية ستكون في حسابات المكسب والخسارة لكل الأطراف رئيسية وفرعية والتي تتأهب لتغيير سياستها بالفعل، وتعمل في اتجاه مغاير لما يتم، كما أن التوصل لمقاربة مصلحيه لكل طرف، ستدفع بالبعض لمزيد من التنازلات غير المؤلمة، والتي من خلالها تسعي لتحقيق أهدافها الرئيسة، وهو ما ستعمل عليه أيضا كل من السعودية وإيران، وقد يمتد ليشمل دول أخري أيضا في المديين القصير والمتوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة