انهيار رسمي جديد لـ"الليرة".. هل تقضي الدولرة على اقتصاد لبنان؟
قال رياض سلامة محافظ مصرف لبنان المركزي إن لبنان سيغير سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألف ليرة للدولار الأمريكي.
وذلك اعتبارًا من أول فبراير/شباط، مما يمثل خفضًا نسبته 90% عن سعر الصرف الرسمي الحالي الذي ظل دون تغيير لمدة 25 عامًا.
ولا يزال التحول من السعر القديم البالغ 1507 ليرات إلى 15 ألفا بعيدًا عن السعر في السوق الموازية؛ حيث جرى تداول الليرة اليوم الثلاثاء 31 يناير/كانون الثاني 2023 عند نحو 57 ألفا للدولار.
البنوك ستفقد جزء من رؤوس أموالها
وقال "سلامة" إن هذا التغيير سيُطبق على البنوك، مما سيؤدي إلى انخفاض رؤوس أموال المؤسسات الواقعة في قلب الأزمة المالية للبلاد منذ عام 2019.
ويتوقع المحللون أن يكون لهذا التحول تأثير أقل على الاقتصاد الأوسع نطاقا الذي يتعامل بالدولار بشكل متزايد وتتم فيه معظم التعاملات وفقا لسعر السوق الموازية.
وفقدت الليرة نحو 97% من قيمتها منذ أن بدأ سعر الصرف يرتفع عن 1507 ليرات للدولار في 2019.
وقال سلامة في تصريحات مع وكالة "رويترز" إن البنوك التجارية في البلاد "ستشهد انخفاض جزء من رؤوس أموالها، الذي هو بالليرة، بمجرد تحويله مقابل الدولار بسعر 15 ألفا بدلا من 1500".
وأضاف أنه من أجل تخفيف أثر هذا التحول، ستُمنح البنوك خمس سنوات "لتعويض الخسائر الناجمة عن خفض قيمة العملة".
وقال سلامة إن تغيير سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة خطوة نحو توحيد أسعار الصرف المتعددة في البلاد، ويأتي تماشيا مع مسودة اتفاق توصل إليه لبنان مع صندوق النقد الدولي العام الماضي وحدد شروطا لتقديم خطة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
أزمة معيشية تتفاقم
وكانت وكالة "رويترز" قدر رصدت في تقرير لها تفاقم الأوضاع المعيشية في لبنان؛ ففي داخل متجر للصرافة عند منخفض سهل البقاع اللبناني يصيح الموظفون بأسعار العملات المختلفة أمام الليرة وترن الهواتف المحمولة بلا توقف ويتوافد زبائن حاملين أكياسا بلاستيكية تحوي مليارات الليرات التي لم تعد تشكل سوى وزن زائد.
صاحب الصرافة وهو يبتسم ابتسامة عريضة فيما يضع خلفه على أحد الأرفف سلاحا رشاشا خشية التعرض للسرقة قال لـ"رويترز" "مرحبا بكم في وول ستريت في لبنان".
أصبح النقد هو الملك في لبنان؛ حيث أدى الانهيار المستمر منذ ثلاث سنوات إلى ضمور القطاع المصرفي وتفاقم الوضع بسبب السياسيين الذين كانوا يشيدون بالوضع المالي في السابق.
وجمدت المصارف عشرات مليارات الدولارات من أموال المودعين، وأوقفت الخدمات الأساسية مما دفع بعض العملاء إلى الذهاب للحصول على أموالهم وهم يحملون السلاح.
ويتعامل الأفراد والشركات الآن حصريًا تقريبًا نقدًا. وتضخمت العملة المحلية المتداولة 12 ضعفًا منذ سبتمبر/أيلول 2019 حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وفقا لوثائق مصرفية اطلعت عليها "رويترز".
وعلقت معظم المطاعم والمقاهي لافتات تعتذر فيها عن قبول بطاقات الائتمان لكنها تتقاضى الدولار وفق أسعار السوق الموازية المتقلبة هي الأخرى.
ويستخدم اللبنانيون تطبيقات الهاتف المحمول لمتابعة سعر الليرة التي فقدت حوالي 97% من قيمتها منذ عام 2019.
وتنتقل سيارات شركات الصرافة إلى المكاتب أو المنازل لإجراء المعاملات فيما تنتشر على الطرق السريعة لوحات إعلانية عن ماكينات عد النقود.
ومع عدم استعمال بطاقات الائتمان، يوثق الأشخاص المعاملات الكبيرة عن طريق التقاط صور لفواتير الدولار المستخدمة مع إظهار الأرقام التسلسلية.
وحتى الدولة التي أصاب الشلل مفاصلها إلى حد كبير تتجه نحو الاقتصاد النقدي إذ تدرس وزارة المالية مطالبة التجار بدفع بعض الرسوم الجمركية التي زادت مؤخرا نقدا.
ونتيجة تزايد الأوراق النقدية المتداولة ارتفعت معدلات الجريمة. وقال إيلي أناتيان الرئيس التنفيذي لشركة سلفادو للأمن، إن المبيعات السنوية للخزائن نمت باطراد مع زيادة بنسبة 15 بالمئة في عام 2022.
فيما يتوقف أي انتعاش على الإجراءات الحكومية لمعالجة حوالي 72 مليار دولار من الخسائر في النظام المالي وإنعاش القطاع المصرفي. لكن السياسيين والمصرفيين ذوي المصالح الخاصة قاوموا الإصلاحات التي يسعى إليها صندوق النقد الدولي لإصلاح الوضع والضرورية لفتح الباب أمام الحصول على المساعدات الدولية.
وتساور هذه المخاوف أيضا الحكومات الغربية التي تعارض دور جماعة حزب الله. وقال دبلوماسي غربي إن الحكومات الأجنبية تخشى من تزايد التعاملات غير المشروع؛ حيث يصعب تعقب النقد.
وقامت وزارة الخزانة الأمريكية الأسبوع الماضي بفرض عقوبات على صاحب شركة سيتكس للصيرفة في لبنان حسن مقلد وأعماله لعلاقاتها المالية المزعومة مع حزب الله، قائلة إنه ساعد في "تحويل الأموال" نيابة عن الجماعة. ونفى مقلد التهم الموجهة إليه.
وقال نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني إن استمرار انخفاض الليرة يعني أن الاقتصاد النقدي أصبح الآن "مدولارا أيضا حيث يمثل الدولار حوالي 70 أو 80% من العمليات بلبنان".
وقال محمد شمس الدين الخبير الاقتصادي في (الشركة الدولية للمعلومات) وهي شركة دراسات وأبحاث لبنانية إن "وقت ما تحول الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي يعني انهيار الاقتصاد".