«الماكريل» قبل السلاح.. قصة لعبة «القط والفأر» بين فرنسا وبريطانيا

بينما عمل الفرنسيون والبريطانيون يدًا بيد في أوكرانيا، لم تكن الأمور خلف الكواليس على نفس القدر من الانسجام والتناغم.
لطالما اعتاد الفرنسيون على إزعاج البريطانيين. ومؤخراً كانوا يتشبثون بتنازلات يريدونها من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، مقابل إعادة العلاقات المأمولة مع الاتحاد الأوروبي، وفق مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
وكان الدبلوماسيون الفرنسيون يلعبون دورًا متشددًا حيال بريطانيا، في ملفات تمتد من الدفاع إلى مصايد الأسماك، وفقًا لمسؤولين من الجانبين.
لذلك، في حين إن البعض يبدو متفائلا بأن بريطانيا وأوروبا يمكن أن يعيدا إحياء العلاقات في أعقاب محاولة دونالد ترامب، إدارة ظهره لهما، فمن المؤكد أن الأمر لن يكون سهلا.
مثلما لعبت باريس دور "الشرطي السيئ" خلال المفاوضات حول انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والاتفاق التجاري اللاحق بين عامي 2016 و2020، فإنها تكرر الآن نفس الأداء في الوقت الذي يريد فيه البريطانيون التقارب مرة أخرى، مع اقتراب موعد قمة لندن الحاسمة بعد أقل من أسبوعين، على حد قول المجلة.
"لا مزايا"
وقال فرانسوا جوزيف شيشان، وهو دبلوماسي فرنسي سابق ومدير في شركة ”فلينت جلوبال“ الاستشارية: ”ظل الفرنسيون متمسكين بموقفهم بأنه لا ينبغي أن تكون هناك أي مزايا للبريطانيين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي“.
في الواقع، فإن بعض القضايا نفسها التي سببت صداعًا للجانبين أثناء الطلاق بين أوروبا وبريطانيا تطل برأسها مرة أخرى، وفقًا لدبلوماسيين من الجانبين.
فرنسا، على سبيل المثال، تريد الحد من وصول بريطانيا إلى صندوق دفاعي أوروبي لإعادة التسلح بقيمة 150 مليار يورو يجري التفاوض بشأنه. كما أنها تريد تأمين وصول أساطيل الصيد التابعة للاتحاد الأوروبي إلى المياه البريطانية قبل الموعد النهائي العام المقبل.
في باريس، يشعر المسؤولون الفرنسيون بالتفاؤل بأن ضغوطهم ستؤتي ثمارها في قضية شراء الأسلحة، لكن الأمر لا يزال معقدا في مسألة مصايد الأسماك.
مفاوضات
وانخرط المفاوضون الأوروبيون والبريطانيون هذا الأسبوع في جولة أخرى من المحادثات المكثفة للتوصل إلى اتفاق من ثلاثة أجزاء يتضمن إعلانًا سياسيًا واتفاقية دفاعية وقسمًا ثالثًا حول مجالات التعاون الأخرى.
ومن المقرر عقد قمة تاريخية بين الجانبين في لندن في 19 مايو/أيار.
وشهدت الأشهر القليلة الماضية، استضافة ستارمر لقادة أوروبيين، ودعوته إلى مناقشات على مستوى القادة حول أوكرانيا، ومشاركة وزراء المملكة المتحدة في اجتماعات الاتحاد الأوروبي. وكان آخرها اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء في بولندا بحضور وزير الخارجية ديفيد لامي.
وقال لامي خلال الاجتماع الأخير: ”نحن نعمل جنبًا إلى جنب مع حلفائنا الأوروبيين لبناء أوروبا أكثر أمنًا وأمانًا وازدهارًا“.
ضغوط متزايدة
ولكن لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى تدهور في هذا المسار، ليس أقلها أن ستارمر يتعرض لضغوط متزايدة بعد الفوز الكبير الذي حققه زعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج في الانتخابات المحلية الأسبوع الماضي.
وكان فاراج من أشد المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو يعارض أي محاولة حكومية لدفع المملكة المتحدة إلى الحظيرة الأوروبية.
ومع حالة عدم اليقين التي تحوم حول مستقبل حلف شمال الأطلسي "الناتو" في عهد ترامب، وتهديد واشنطن بالانسحاب من مفاوضات وقف إطلاق النار الصعبة مع روسيا وأوكرانيا، يريد المسؤولون الأوروبيون إبرام اتفاق أمني مع المملكة المتحدة.
أما في باريس، فإن الفرنسيين حريصون من حيث المبدأ على التحالف الأمني مع المملكة المتحدة، لكنهم قلقون من أن إبرام اتفاق أكبر يجعلهم عرضة للصدمة لاحقاً في قضايا أكثر إثارة للجدل، مثل وصول سفن الصيد التابعة للاتحاد الأوروبي إلى المياه البريطانية.
وبموجب اتفاقية التجارة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، الموقعة في عام 2020، تتمتع الأساطيل الأوروبية بحقوق وحصص صيد معينة في المياه البريطانية، لكن هذه الحقوق والحصص تنتهي صلاحيتها في عام 2026.
وتريد فرنسا والدنمارك وهولندا تمديد هذا الوصول.
ووفق بوليتيكو، من الواضح أن فرنسا تضغط من أجل تأمين حقوق الصيد كشرط أساسي لشراكة دفاعية أوثق.
وقال مسؤول فرنسي: ”لا يمكنك التفاوض على الأمن [و] الدفاع في عام واحد، وفي العام التالي تتشاجر على حصص الماكريل“.
برنامج "سيف"
في المقابل، تريد المملكة المتحدة أن تستفيد شركاتها من برنامج ”سيف“، وهو برنامج إعادة التسليح بمليارات اليورو يتم التفاوض عليه حاليًا من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي، لكن فرنسا ترى أن هذا الجهد غير مرحب به.
فيما أبدت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا ودول أوروبا الشرقية التي تتعرض لتهديد أكبر من روسيا، استياءها مما تعتبره تعنتًا فرنسيًا في هذا الملف.
وقال أحد الدبلوماسيين غير الفرنسيين في الاتحاد الأوروبي، إن باريس بدأت ”تشعر بالعزلة“ لأنها قاومت جعل "سيف" (SAFE) أكثر سهولة للبريطانيين.
وإثر ذلك، يتجه المزاج السائد في فرنسا حاليًا نحو ”ضم البريطانيين إلى البرنامج، ولكن بشروط صارمة“.
أحد الخيارات التي يتم طرحها هو جعل المملكة المتحدة مشاركًا يدفع رسومًا في "SAFE"، وفق مصادر فرنسية.
أسباب الخلاف
ومن ثم، يتلخص الخلاف في اختلاف العقليات بين باريس ولندن في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا لا تزال ترى في بروكسل شريكًا وثيقًا على الرغم من خروجها من الاتحاد الأوروبي، لكن الثقة الفرنسية في المملكة المتحدة لا تزال مهزوزة.
وفي حين تعتقد بريطانيا أن ”العلاقة الخاصة“ مع الولايات المتحدة قابلة للإنقاذ، فإن أوروبا قد تصالحت مع انفصالها عن أمريكا في عهد ترامب.
وقد عزز ذلك، بالإضافة إلى الجهود البريطانية لتأمين اتفاق تجاري مع واشنطن، وجهة النظر الفرنسية بأن إعادة الضبط مع ستارمر ستكون محدودة نسبيًا، وأن المملكة المتحدة لا ترى أن مستقبلها يكمن حصريًا في القارة.
aXA6IDE4LjExNi4yMy4xNzgg جزيرة ام اند امز