مثلما حاول تنظيم "داعش" طرد القاعدة من الأراضي الخاضعة لسيطرته في غرب أفريقيا فقد فعل الشيء نفسه في شرق أفريقيا
منذ مطلع السنة الحالية، ظل فرع تنظيم "داعش" بالساحل الأفريقي، المعروف باسم "داعش في الصحراء الكبرى"، يحترم التفاهمات المُتوصّل إليها مع منافسه، ما يسمى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المبايعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الذي مقره مالي. والآن.. قرر تنظيم داعش الإرهابي كسر هذا التوازن وعبور أراضي سيطرة الخصم والوصول إلى حدود مالي مع موريتانيا.
دفعت هذه التطورات ما يسمى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى الرّد، وهو ما أجج الصراع بين المجموعتين الإرهابيتين ودفعهما إلى الاقتتال خارج أراضيهما في مالي وبوركينا فاسو. ومع اشتداد المعارك، اضطروا للجوء إلى جنوب بوركينا فاسو وغابات شمال بنين. وفي المحصلة، أودت المواجهات بحياة حوالي 250 إرهابياً من الجماعتين.
رغم تفضيل القاعدة للتعايش مع الجماعات الإرهابية المنافسة، بدلاً من مواجهتها، إلّا أن تنظيم داعش لا يرغب في ذلك.
وعلى الرغم من عدم خروج الأمر للعلن، تم في شهر أبريل/نيسان الماضي، تشكيل جبهة بطول 450 كيلومتراً، في مالي ضد تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى". وتُسيطر على نصف هذه المساحة قوات برخان الفرنسية، فيما يسيطر ما يسمى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على النصف الآخر.
ويؤشر ذلك إلى وجود تعاون بين الجيشين الفرنسي والمالي للقضاء على تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وبالموازاة مع ذلك، أغلق جيش بوركينا فاسو حدوده، باستثناء منفذ صغير بمحاذاة الحدود مع النيجر لدفع عناصر داعش إلى الانسحاب من خلاله.
بدأت كل هذه الصراعات بعد اغتيال زعيم تنظيم "داعش" السابق، أبو بكر البغدادي، الذي كان يحترم دائماً قواعد التعايش في غرب إفريقيا بين المجموعتين الإرهابيتين، على عكس خلفه، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
وفي غضون ذلك، وعقب هذا الضغط الممارس من طرف تنظيم "داعش في غرب إفريقيا" تجاه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، عادت مجموعة "أنصارو" في نيجيريا، والتي ظلّت نائمة منذ 2013، للظهور مجدداً بمهاجمة قافلة عسكرية في كادونا بنيجيريا. وفي نفس الفترة، كانت تنشط مجموعة أخرى تابعة للقاعدة في موكيمبوا بموزمبيق دون أن تتبنّى أياً من هجماتها حتى الشهر الحالي.
ومثلما حاول تنظيم "داعش" طرد القاعدة من الأراضي الخاضعة لسيطرته في غرب أفريقيا، فقد فعل الشيء ذاته في شرق أفريقيا (الصومال) أيضاً. وسعى التنظيم جاهداً لإخراج حركة الشباب، التي كان ردّها قوياً، وهو ما أجبر داعش إلى الانتقال جنوباً إلى موزمبيق.
ورغم تفضيل القاعدة للتعايش مع الجماعات الإرهابية المنافسة، بدلاً من مواجهتها، إلّا أن تنظيم داعش لا يرغب في ذلك. وعلى ما يبدو، فإن تنظيم "داعش" الحالي، لم يستوعب الدرس جيداً، وهو ما كانت له عواقب وخيمة. وفي الوقت الذي ظلّت فيه القاعدة صامتة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والصومال، فإنها عززت حضورها الآن في بلدين آخرين ينشط فيهما تنظيم "داعش" الإرهابي.
هل ستواصل القاعدة تمددها في أفريقيا؟
أُعلِن مؤخراً عن اعتقال قائدٍ بارز في تنظيم "داعش" الإرهابي بالعراق. ولم يتأكد لنا قط أن، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، هو الذي حلّ محل البغدادي. وعليه، نتوقّع أن تكون قرارات استراتيجية "داعش" صادرة عن شخص أو عدة أشخاص. وستكون الخطوات الجديدة المتعلقة بفرع الجماعة الإرهابية في أفريقيا بالغة الأهمية، لا سيما التي تخص العلاقة مع تنظيم القاعدة. ويعود سبب ذلك إلى أن القاعدة لن تتراجع ولو لخطوة واحدة للوراء على أي من جبهاتها، بل إنها مستعدة للتوسّع على حساب تنظيم "داعش" الإرهابي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة