خبراء لـ"العين الإخبارية": 6 تحديات تنتظر رئيس الجزائر الجديد
محللون سياسيون وخبراء قانونيون يكشفون لـ"العين الإخبارية" عن أبرز التحديات والرهانات التي تنتظر رئيس الجزائر المنتخب.
قدم خبراء وأكاديميون جزائريون تصورات عن التحديات والرهانات التي تنتظر الرئيس الجزائري المنتخب عبدالمجيد تبون مباشرة بعد تسلمه مهامه قبل نهاية العام الحالي.
- في أول كلمة له.. الرئيس الجزائري الجديد يُحدد أولوياته
- عبدالمجيد تبون.. رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق يخلفه في حكم الجزائر
واتفق المتابعون على صعوبة مهمة الوافد الجديد إلى قصر "المرادية" الجمهوري؛ بالنظر إلى جملة الظروف التي عاشتها الجزائر منذ فبراير/شباط الماضي، وما تخلل العملية الانتخابية من احتقان شعبي بين مؤيد للانتخابات ورافض لها.
وتلخصت تلك الرهانات في قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى دبلوماسية، يصفها المراقبون بـ"الأشواك الموضوعة على طريق الرئاسة الجزائرية".
وقال خبراء لـ"العين الإخبارية" إن عبدالمجيد تبون يعد أول رئيس يحكم الجزائر بمعطيات متناقضة أوصلته إلى أعلى منصب في البلاد، تتعلق بـ"وجود شريحة من الحراك الشعبي رافضة لانتخابات الرئاسة ومخرجاتها، ومقاطعة أكثر من 50% من الناخبين للاستحقاق الرئاسي".
في مقابل "نسبة مشاركة مفاجئة وغير متوقعة" يقول المتابعون إنها "كبيرة" بالنظر إلى حالة الاحتقان الشعبي ودعوات مقاطعتها بشكل أحاط الغموض حول مصير الانتخابات في حد ذاتها، والتي بلغت 41.13% داخل البلاد، بينما وصلت الإجمالية باحتساب الجالية في المهجر 39.83%، أي ما يمثل 9 ملايين 774 ألف و804 ناخبين.
5 أولويات للرئيس المنتخب
بعد إعلان نتائج الانتخابات، كشف الرئيس المنتخب للجزائر عبدالمجيد تبون عن أولويات ولايته الرئاسية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مستخدماً خطاباً هادئاً ترجمه متابعون على أنه اعتراف ضمني من تبون بصعوبة المهمة ومعرفة دقيقة في الوقت ذاته بالألغام التي تنتظره عند دخول قصر "المرادية" الجمهوري.
وحدد الرئيس الجزائري الجديد أجندة ولايته الرئاسية في 5 أولويات قال إن هدفها "إعادة لم شمل الجزائريين" الذين قسمتهم الأزمة السياسية إلى أكثر من جبهة، وتعهد بـ"التجاوب مع مطالب الحراك الشعبي" الذي وصفه بـ"المبارك على الجزائر".
أولها إجراء تعديل دستوري "جذري وعميق" قال عنه تبون إنه "سيكون إعلان قطيعة نهائية مع عهد النظام السابق ويُدخل البلاد في عهد جديد"، وأعلن أنه سيكون أول قرار سيتخذه مباشرة بعد تسلمه مهامه، يستدعي خلاله "الأكاديميين والخبراء القانونيين ويشرك في صياغته المجتمع المدني والطبقة السياسية".
والثانية تعديل قانون الانتخاب بشكل "يفصل المال عن الانتخابات" و"يمنح الشباب المترشح للانتخابات تمويلاً لحملته حتى لا يكون رهينة لأي جهة" كما قال في أول ظهور له.
والأولوية الثالثة التي ذكرها الرئيس الجزائري الجديد هي فتح حوار شامل مع الحراك الشعبي "دون إقصاء أو انتقام" وفق تعبيره.
أولوية عبدالمجيد تبون الرابعة والتي ركز عليها في حملته الانتخابية، هي "استعادة الأموال المنهوبة من قبل رموز نظام بوتفليقة"، وذلك رغم رفضه الكشف عن آليات استرجاعها، مبررا ذلك بأن "الكشف عنها يعني تمكن العصابة من إعداد خطة معاكسة"، وقد عد ذلك "التزاما أكثر منه تعهداً" كما قال في مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية".
أما الأولوية الخامسة فكانت عن الوضع الاقتصادي، حيث أعلن الرئيس المنتخب أنه "سيعمل على وضع حد لتدهور القدرة المالية للبلاد وتضخيم الفواتير" التي وصفها بـ"الكارثة على الاقتصاد الجزائري".
التحديات الـ6
الأكاديمي الجزائري الدكتور لزهر ماروك استشرف الرهانات التي تنتظر الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون التي وصفها بـ"الألغام" في ظل انتخابه وسط احتقان شعبي وخلاف عميق داخل مكونات الشعب بين مؤيد ومعارض للانتخابات.
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "الانتخابات ما هي إلا خطوة أولى نحو الحل، وهناك تحديات كبيرة تواجه الرئيس الجديد، منها الأوضاع السياسية والاقتصادية المعقدة وتحديات داخلية خطرة جداً، بالإضافة إلى التحديات الخارجية.
الحراك الشعبي
أول تلك الرهانات التي ذكرها المحلل السياسي "المظهر الأول للأزمة السياسية في الجزائر".
وتابع: "لغم الشارع الذي هو في حالة غليان وفي حراك شعبي يدخل شهره العاشر من خلال نزول آلاف الجزائريين كل جمعة إلى الشارع المطالبين بالتغيير الجذري والشامل والعميق وحتى رفض الانتخابات، وهي معضلة حقيقية، ننتظر من خلالها كيف سيحاور ويتعامل مع الشارع، ومع من سيحاور".
هناك أيضا – يضيف الأكاديمي – "يوجد تيار معارض كبير من التيار الديمقراطي رفض الانتخابات وقاطعها بشدة، وهو تيار سياسي ومؤسس في الساحة السياسية، ونترقب كيف سيتعامل معه أيضا، وهل سيحاول السعي لكسبه إلى جانبه".
تقليص صلاحيات الرئيس
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر تطرق أيضا إلى ما عده "معضلة صلاحيات الرئيس الكبيرة جداً، والتي جعلت من رئيس الجزائر إمبراطوراً، وهذه الصلاحيات الواسعة والضخمة كادت أن تشل المؤسسات الأخرى، وبالتالي فإن الرئيس الجديد يمكنه تعديل الدستور بشكل عميق، خاصة وأن الأوضاع السياسية الداخلية تسمح له بفتح ورشة تعديل دستوري لأهميتها لتقليص صلاحيات الرئيس".
وأضاف أنه "يبقى التساؤل عن مدى قدرته على إحداث التغيير في الدستور كما تعهد في ظل هذا الاستقطاب الأيديولوجي الموجود الآن في الجزائر، وفي ظل السقف المرتفع للشارع، ووصلنا معها إلى مستويات عنصرية في الخطابات خطرة جداً، ولا يمكن تحقيق التغيير في الدستور إلا إذا تم ضمان الحد الأدنى من الاستقرار السياسي، وإذا استطاع تبون أن يفكك الأزمة السياسية بإمكانه فتح المجال أمام التغييرات التي تعهد بها".
الأزمة الاقتصادية
أشار المحلل السياسي إلى الأزمة الاقتصادية التي عدها "معقدة وأخطر من السياسية، ذلك أن الجزائر تعيش وضعاً صعباً سواء فيما يتعلق بتقلص إنتاج النفط والغاز وتهديد حصة الجزائر الغازية في السوق الأوروبي من قبل منافسين شرسين، وتراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة".
بالإضافة كما ذكر الدكتور لزهر ماروك "الارتفاع السكاني إلى قرابة 45 مليون نسمة بمعدل مليون نسمة في كل عام، وغياب اقتصاد منتج وبقاء الجزائر تحت نظام اقتصادي قائم على الريع النفطي، وغياب آلة إنتاجية تستطيع أن تحقق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المواد الضرورية دون اللجوء إلى السوق الدولية، والكثير من الشباب العاطل عن العمل، وإفلاس الشركات في الأشهر الأخيرة بسبب نقص المشاريع، وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي صعب في ظل شح الموارد المالية".
وأشار إلى أن تلك الصعوبات "ستكون من مهام الرئيس الجديد الصعبة، وكيف سيتعامل معها، هل بالتقشف أم بالاستدانة، وكل المشاريع تحتاج إلى أموال ضخمة".
يشار إلى أن عبدالمجيد تبون أول رئيس جزائري بتكوين اقتصادي، ومتخصص في "المالية والاقتصاد"، وتولى حقيبتي السكن والمالية بالنيابة في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي كرمه عام 2016 كـ"أحسن وزير بوسام استحقاق جمهوري" عما تحقق في "مجال توفير السكنات ونجاح مشروع السكن" كما ذكرت الرئاسة في بيانها.
الهوية
من بين التحديات التي تنتظر الرئيس الجزائري الجديد كما ذكر الأكاديمي "صراع الهوية والطرح الأمازيغي واستكمال الهوية الأمازيغية، وهو ما يثير حساسيات عند بعض الجزائريين، الذين لا ينظرون بعدم الارتياح إلى هذه المسألة".
تحديات خارجية
في الشأن الدبلوماسي، أكد الدكتور لزهر ماروك أن تحديات خارجية كثيرة تنتظر الرئيس عبدالمجيد تبون، أبرزها "تفكك اتحاد المغرب العربي والذي أفقد كثيراً من مكانة الجزائر، بالإضافة إلى الأزمة الليبية والتدخلات الأجنبية فيها التي باتت تهدد الجهة الشرقية للبلاد، والوضع في منطقة الساحل خاصة في مالي والنيجر، وصحراء الجزائر التي تمثل عمقاً استراتيجياً محاطة بدول هشة أمنياً".
إضافة كما قال إلى "انكماش دور الجزائر الكبير في الجامعة العربية، وغياب دورها الكامل في أفريقيا وبالأخص في الجانب الاقتصادي، كما أن التوتر في العلاقات مع باريس ونوعاً ما مع الاتحاد الأوروبي، كلها تحديات خارجية تنتظر رئيس الجزائر الجديد، تحتاج منه إلى توفير جيش من المستشارين والكفاءات حتى يساعدونه لاتخاذ القرارات الرشيدة والسليمة في هذا الظرف الحساس".
استرجاع الأموال المنهوبة
وعن مسألة استعادة الأموال المنهوبة التي أبدى الرئيس الجزائري الجديد "ثقة كبيرة" في استعادتها، حتى إنه صرح في وقت سابق بأنه يعلم "مكان تواجدها ويملك الآليات الكافية لإعادتها سواء الموجودة خارج البلاد أو في الداخل".
وكشفت مصادر سياسية جزائرية لـ"العين الإخبارية" عن أن الجزائر باشرت منذ مدة اتصالات مع الدول التي تتواجد بها أموال رموز نظام بوتفليقة في بنوكها، وأبدت بعضها تجاوباً مع الجزائر، وأخرى تنتظر التحقيقات والأحكام القضائية، فيما رفضت بعض الدول، مرجعة ذلك إلى "أن جزءا من تلك الأموال تم استثماره في تلك الدول بطرق قانونية".
غير أن خبراء قانونيين أشاروا في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى صعوبة استعادة الأموال المنهوبة، وبعضهم أبدى تشاؤماً بأن صنف مهمة استعادتها في خانة "المهمة المستحيلة"، خاصة مع عدم وجود أرقام واضحة عن حجمها.
وقال الخبير في القانون الدستوري الدكتور عامر رخيلة في حديث مع "العين الإخبارية" إن مسألة استعادة الأموال من الخارج ليست جديدة، "بل هي قديمة منذ عقود من الزمن فيما يتعلق بالأموال المهربة والموضوعة في حسابات بنكية أجنبية في بنوك أوروبية وآسيوية".
وأوضح أن "هذه المسألة معقدة جداً، وأول تعقيد فيها كمية هذه الأموال الرهيبة والتي تبقى مجهولة الحجم التي خرجت نتيجة الطفرة المالية التي عرفتها الجزائر وكانت فرصة لمسؤولين سابقين لتهريبها، وهناك جزء منها يمكن استعادته عبر القنوات الرسمية أو تحويلها إلى شراكة وتعاون، ومع ذلك فإن تهريب الأموال هي قضية عالمية وليست خاصية جزائرية".
وتعهد الرئيس الجزائري الجديد بعد انتخابه بـ"عدم العفو عن ناهبي المال العام" من رموز نظام بوتفليقة، وأشار الخبير القانوني إلى أن "الحل الذي قدمه البعض بالعفو عنهم مقابل استعادتهم تلك الأموال لا يلقى قبولاً عند الجزائريين، ويبقى الأمر مرتبطاً بصحوة ضمير هؤلاء المتهمين".
وتحدث الدكتور رخيلة عن تجارب عالمية نجحت في استعادة الأموال المهربة أو جزء منها "من بينها التجربتان الروسية والمصرية"، مضيفاً أن "على الجزائر أن تحدد حجم تلك الأموال، وعدم التعويل فقط على العلاقات الثنائية خاصة وأن هناك أموالا موجودة في بنوك قدمت ضمانات لعملائها".
ويرى العضو السابق في المحكمة العليا الجزائرية أن "الإرادة السياسية متوفرة لاسترجاع تلك الأموال، فيجب البدء بالموجودة داخل البلاد، وإذا ثبت إدانة هؤلاء الأشخاص فلا بد من اتخاذ الإجراءات لاستعادتها من خلال القيام بعمليات فتح وكشف الحسابات الموجودة في المصارف الجزائرية والأسهم في الشركات الأجنبية، رغم أن ذلك قد يتطلب بعض السنوات، بينما استعادتها من الخارج يتطلب عقوداً من الزمن".
أما العضو في هيئة الدفاع عن المتهمين من رموز نظام بوتفليقة المحامي نجيب بيطام فقد قدم قراءة "متشائمة" عن إمكانية استعادة الأموال، وتوقع "استحالة" استعادتها.
وأرجع ذلك في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن "استرجاع الأموال المنهوبة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسيرورة الحكم النهائي، والحكم النهائي يتطلب عدة سنوات باحتساب إجراءات الطعون، ويستحيل إرجاع تلك الأموال المهربة إلى الخارج إلا من الدول التي تكون الجزائر قد أبرمت معها اتفاقيات قضائية، وخارج هذا الإطار يستحيل استعادتها، والبنوك الأوروبية لها تنظيمات خاصة".
التصويب الضريبي
الدكتور رخيلة أشار إلى أن "الجزائر يمكنها الاستفادة من "التجربتين الروسية والسعودية، وسبق لي أن اقترحت فكرة التصويب الضريبي، من خلال فتح ملفات التهرب الضريبي لكثير من رجال الأعمال التي تقدر بمليارات الدينارات، والقانون الجزائري يلزم المتهربين ضريبياً دفع الضريبة ثم التقدم بالشكوى، وهي الطريقة الوحيدة لاسترجاع تلك الأموال، وهي حيلة قانونية تجبر المتورطين في نهب المال العام على إعادة الأموال الموجودة في الداخل والخارج".