انسحاب «العمال الكردستاني» من تركيا.. خطوة تكتيكية أم تحول استراتيجي؟
منعطف مهم يتخذه مسار السلام بين تركيا و"العمال الكردستاني"، بعد قرار الأخير نقل قواته بالكامل إلى الأراضي العراقية.
والأحد الماضي، أعلن حزب العمال الكردستاني سحب جميع قواته من الأراضي التركية إلى إقليم كردستان في شمال العراق، داعيا أنقرة لاتخاذ الخطوات القانونية اللازمة للدفع قدما بالعملية التي بدأت قبل عام عندما مدت تركيا يدها للسلام لزعيم الحزب المسجون عبدالله أوجلان.
خطوة اعتبر الحزب في بيان صادر عنه أنها تهدف إلى تجنب الصدامات العسكرية وتهيئة مناخ مناسب لعملية السلام.
أما الحزب الحاكم وعلى لسان المتحدث باسمه عمر جليك، فوصفه في منشور على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي بأنه "تقدم مهم يتماشى مع الهدف الرئيسي المتمثل في بناء تركيا خالية من الإرهاب".
في حين رآها محللون سياسيون أتراك تحدثت معهم "العين الإخبارية"، بأنها "تاريخية" على مسار السلام الذي لا يزال يواجه تحديات جساماً.
خطوة "كبيرة" ولكن
المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو قال إن "الانسحاب يمثل خطوة كبيرة باتجاه إغلاق العمل المسلح، ويعني أن هناك تغييرا كاملا في المشهد والعقل، خاصة التكتيك الميداني والعسكري، نحو إيقاف الكفاح المسلح كما يقولون".
لكنه أضاف "من الناحية الإعلامية والسياسية، هناك تضخيم لهذا الأمر (الانسحاب) لرمي الكرة في ملعب تركيا، منتظرا ردها عبر قوانين تمهد للمرحلة المقبلة وهي تسليم سلاح هؤلاء المقاتلين الذين تجمعوا في منطقة واحدة".
وفي تصريحات للصحفيين، أمس الإثنين، قال الرئيس المشارك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب المناصر لقضايا الأكراد تونجر باكيرهان، إن "هذا القرار بالانسحاب هو أكثر تعبير ملموس عن تصميم (حزب العمال الكردستاني) على مسار السلام"، واصفا الخطوة بأنها "من أكبر الخطوات وأكثرها أهمية".
وتابع أنه "تم إنجاز المرحلة الأولى من عملية السلام"، داعيا الحكومة للمضي قدما بـ"المرحلة الثانية المهمة والحيوية.. (المتمثلة) بخطوات قانونية وسياسية".
وأضاف أنه "على البرلمان تسهيل هذه العملية.. ينبغي القيام بترتيبات قانونية من أجل المرحلة الانتقالية. لن تكون هذه ترتيبات فنية فحسب، بل ستكون ركائز السلام".
بين التفاؤل والحذر
وفي المقابل، أكد طه عودة أوغلو، الباحث التركي في العلاقات الدولية، أن ما حدث هو "تطور تاريخي لاقى ترحيبا في الأوساط السياسية التركية، لكنه قوبل بحذر أمني واضح".
وفي حديثه مع "العين الإخبارية" أشار عودة أوغلو إلى أن "المؤسسات الأمنية التركية تتابع العملية من كثب، خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية الملتهبة".
وأضاف: "نحن حاليا أمام معادلة جديدة عنوانها التحول من البندقية إلى السياسة، بمعنى أننا أمام اختبار حقيقي لقدرة الطرفين على تجاوز المرحلة الصعبة السابقة وبناء علاقة جديدة تقوم على الاعتراف المتبادل والاندماج"، واصفا هذه المرحلة بـ" الأهم والحساسة".
وتابع قائلا إنه: "حتى هذه اللحظة لا يزال الطريق طويلا وشائكا، خاصة إذا تحدثنا عن بعض الأمور المتعلقة بتمركز حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، ومصير القادة وعناصر الحزب، فكلها تعتمد على الخطوات التي تنتهجها تركيا في المرحلة المقبلة".
قبل أن يضيف: "هناك رغبة جادة من الجانب التركي وحتى من الجانب الكردي هذه المرة، على خلاف العقود الماضية التي شهدت انهيار هذا المسار"، لافتا إلى أن "تركيا تشهد الآن ترتيب أوراقها الداخلية للتفرغ لملفات أكثر أهمية خارجيا".
ومضى قائلا: "نحن أمام مرحلة حساسة ودقيقة للغاية، وكل طرف يحاول بقدر الإمكان تحقيق مكاسب، بعد أن شعر في السنوات الماضية أن العمل العسكري لم يحقق أي نجاح على أرض الواقع".
وكان حزب العمال الكردستاني، قد أعلن حل نفسه في مايو/أيار الماضي، بعد أكثر من أربعة عقود من القتال ضد القوات التركية.
وبدأ الحزب بنزع سلاحه بشكل رمزي في منتصف يوليو/تموز بعد محادثات مع السلطات التركية عبر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد.
في المقابل، طالب حزب "المساواة" المؤيد للأكراد، الذي يمثل ثالث أكبر تكتل في البرلمان، بتحسين حقوق الأكراد الذين يمثلون نحو 20% من سكان تركيا.
تحديات متشابكة
ورغم الأجواء الإيجابية، يرى مراقبون أن الطريق إلى سلام دائم لا يزال محفوفا بالتحديات. فوجود عناصر الحزب في جبال قنديل شمال العراق يشكل — بحسب تقديرات أمنية تركية — مصدر قلق مستمر لأنقرة، التي تصر على تفكيك البنية العسكرية للحزب بالكامل.
كما تبرز ملفات أخرى معقدة تتعلق بمصير القادة الميدانيين، ومستقبل المقاتلين المنسحبين، وحقوق الأكراد داخل تركيا، وهي قضايا يعتبرها الخبراء “مفاتيح” حقيقية لإنجاح أي اتفاق قادم.
في هذا الإطار، أشار فراس رضوان أوغلو إلى أن "العملية السلمية تحظى هذه المرة بدعم خارجي واضح، لا سيما من الولايات المتحدة وكذلك من عبدالله أوجلان، الأب الروحي للحزب (العمال الكردستاني) وصاحب النفوذ الكبير فيه".
لكنه لفت إلى أن "تباين المواقف داخل الحزب نفسه قد يعرقل المسار في حال لم تترجم النوايا إلى التزامات عملية".
وفي هذا السياق أوضح أن "هناك قيادات في الحزب لا تريد هذا الأمر، لكن القيادات الأخرى التي تستمع للأب الروحي هي التي تسيطر على الوضع داخل الحزب".
وأواخر العام الماضي، بدأت مفاوضات غير مباشرة مع حزب العمال الكردستاني، بدعم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
فيما لعب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، ثالث أكبر حزب في تركيا، دورا رئيسيا في تسهيل الاتفاق، وذكر أنه سيجتمع مع أردوغان بعد غد الخميس.
وأسست تركيا لجنة برلمانية لتحديد أسس عملية السلام وإعداد إطار عمل قانوني من أجل الإدماج السياسي لحزب العمال الكردستاني ومقاتليه.
وأفاد قيادي كبير في حزب العمال، فرانس برس، الأحد، بأنه من الضروري أن تجتمع اللجنة فورا مع أوجلان الذي أدت دعوة تاريخية صدرت عنه في فبراير/ شباط الماضي إلى قرار مقاتليه لاحقا إلقاء السلاح، ليطوي صفحة أربعة عقود من العنف حصدت أرواح نحو 50 ألف شخص.