زيلينسكي بـ«فخ» التغيير الحكومي.. هل بدأت العاصفة المضادة؟
أجرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تعديلا وزاريا كبيرا الأسبوع الماضي، مما خلف انقساما في الآراء والرؤى حول نواياه.
وسائل الإعلام الدولية والمحلية رددت، إلى حد كبير، وجهة نظر الحكومة بشأن هذه المسألة، مدعية أن هذه هي أكبر عملية إصلاح منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفقا لمجلة "بوليتيكو".
ولكن من جانب آخر رأى مسؤول أوكراني رفيع المستوى، لم تكشف "بوليتيكو" عن هويته، أن التعديل الوزاري الذي أعلنه زيلينسكي هو "تحريك للكراسي".
المسؤول قال "في الحقيقة لا تمثل هذه العملية إصلاحا كبيرا على الإطلاق، إنها ببساطة إعادة تموضع لبعض الشخصيات الدرامية التي تم تقديمها بصورة أكبر مما هي عليه بالفعل".
موضحا "لم تتم إضافة وجوه جديدة من الصناعة أو المجتمع المدني أو الأوساط الأكاديمية، وهو الأمر الذي تم حث الحكومة عليه لبعض الوقت"، مضيفا "هذه مشكلة".
ووفق المسؤول، فإن الاستثناءات الوحيدة لهذا الإطار هي "الرحيل القسري" لوزير الخارجية دميتري كوليبا، ورئيس شبكة نقل الطاقة الوطنية في أوكرانيا فولوديمير كودريتسكي.
المسؤول وغيره من المطلعين الذين قابلتهم "بوليتيكو"، أفادوا بأن "كوليبا أثار غضب رئيس أركان مكتب زيلينسكي القوي أندريه يرماك، الذي يريد المزيد من السيطرة على وزارة الخارجية".
"حكاية التغيير الوزاري"
ووفق "بوليتيكو" كان الزعيم الأوكراني يثير التوقعات بتغيير كبير في الحكومة منذ الربيع، مع محاولته ومساعديه رفع الروح المعنوية المتدهورة وسط انخفاض تقييمات الرأي العام، وتشكيك الأمة في قيادته.
ومن هنا جاء "التوغل الدرامي" عبر الحدود الذي تم إطلاقه في منطقة كورسك الروسية الشهر الماضي، بحسب "بوليتيكو".
وفي السياق، قال النائب المعارض والناقد لزيلينسكي ميكولا كنيازيتسكي "كانت غارة كورسك ذات أهداف سياسية بحتة وليس لها أي أهداف عسكرية حقا".
وأضاف: "بالطبع، ارتفعت معنوياتنا بسبب عملية كورسك. لكن لدينا الكثير من المشاكل التي يتم إهمالها، على سبيل المثال الافتقار إلى أي استراتيجية ومساعدة جادة لأكثر من 3 ملايين نازح في جميع أنحاء أوكرانيا".
كنيازيتسكي شدد على أنه "ما لم نفعل شيئا أكثر لمساعدة هؤلاء فسنرى المزيد من الأوكرانيين يفرون من البلاد".
"أصدقاء زيلينسكي"
بوليتيكو زعمت في تقريرها أن التعديل الوزاري "لم يقدم شيئًا لتخفيف المخاوف القديمة بشأن طريقة زيلينسكي الشخصية للغاية والاستبدادية في الحكم، بما في ذلك اعتماده على دائرة داخلية شبه متماسكة من الأصدقاء والمستشارين الموثوق بهم داخل الإدارة الرئاسية".
وأضافت أن "بعض هؤلاء الأفراد الذين يكتسبون السلطة ولا يخضعون للمساءلة إلى حد كبير، لا يتقاضون رواتب، بل إن بعضهم كان محور تحقيقات الفساد السابقة".
"بوليتيكو" شددت أيضا على أنه "يُنظَر إلى رحيل كوليبا على وجه الخصوص باعتباره مثالاً آخر على كيفية طرد مجموعة زيلينسكي لمن يروهم متطرفون على استعداد لطرح الأسئلة والتحدي".
وفي هذه النقطة، قالت المجلة "ينطبق ذلك أيضا على إقالة قائد القوات المسلحة الجنرال فاليري زالوزني في وقت سابق، الذي اصطدم مع زيلينسكي بشأن استراتيجية الحرب والحاجة إلى حشد المزيد من القوات للقتال".
"بوليتيكو" سلطت الضوء أيضا على أن "معدلات الشعبية العالية التي يتمتع بها زالوزني لم تجعله محبوبا لدى الإدارة الرئاسية".
ومن جهة أخرى، كان كل من كوليبا وزالوزني محل إعجاب المسؤولين الغربيين، وقد تسبب رحيلهما، إلى جانب رحيل وزير الدفاع السابق أوليكسي ريزنيكوف في بعض الانزعاج بالعواصم الغربية، على حد قول المجلة الأمريكية.
يد حازمة أم حكومة جامعة؟
ويرد المدافعون عن زيلينسكي بأن الحرب تتطلب يدا حازمة، وليس هناك وقت للمجاملات الديمقراطية عند محاربة "خصم روسي يريد محو أوكرانيا ولا يؤمن بضرورة وجودها كدولة".
ولكن في حين يتفقون على أنه لا ينبغي السماح لصخب الديمقراطية بالتأثير سلبا على الدفاع عن أوكرانيا، يشير منتقدو زيلينسكي إلى أن قادة آخرين في زمن الحرب اتخذوا نهجا مختلفا بشكل ملحوظ، على حد قول "بوليتيكو".
والجدير بالذكر أن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني اعتمد على فريق من الوزراء الأقوياء من مختلف الأطياف السياسية لتشكيل حكومة حرب توازن بين المصالح وتستطيع كسب ولاء جميع السكان، إبان الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من أن زيلينسكي كان يُنظر إليه كقائد شجاع في الخارج، حيث استحوذت خطاباته الملهمة وخطاباته الساحرة على قلوب الجماهير من واشنطن إلى لندن ومن بروكسل إلى وارسو، فإن شعبيته كانت تتراجع باطراد في بلده، وكان الأوكرانيون أكثر تشككا فيه.
بوليتيكو قالت "بالطبع.. أشادوا به حتى السماء لثباته على موقفه بينما كانت الدبابات الروسية تنقض على كييف، بل سيظل الأوكرانيون ممتنين لكلماته اليومية المبكرة في زمن الحرب التي حشدت الأمة، مثلما كانت خطابات تشرشل البرلمانية الحماسية تشد من عزيمة البريطانيين".
لكن الحرب لم تعلمه الامتناع عن تجنب المشورة التي يقدمها غير الموالين له أو التسامح مع الرقابة البرلمانية، وفق المصدر ذاته.
المجلة مضت قائلة "لطالما شعر منتقدو الرئيس بالقلق من أن أوكرانيا ستبدأ في دفع ثمن ما يسميه البعض عقلية ما بعد الاتحاد السوفياتي القائمة على القيادة والسيطرة، مجادلين بأن الكثير من صمود البلاد يمكن تفسيره بالطبيعة الفطنة والمبتكرة لشعبها ومجتمع مدني عنيد".