من المرجح أن تتخذ الإدارة الأمريكية الجديدة موقفاً أكثر تشدداً فيما يتعلق بالملف الليبي وإذا كان من المستبعد أي تدخل أمريكي بري، إلا أنه من المرجح تكثيف الضربات الجوية لداعش.
قبل الحديث عن سياسة الرئيس الأمريكي الجديد تجاه قضايا المنطقة، يجب أن نسلم بداية بعدد من الحقائق والثوابت التي تحكم النظام السياسي الأمريكي، وأول هذه الثوابت أن عملية صنع القرار في الولايات المتحدة تخضع لتعددية واضحة تشارك فيها دوائر سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وتشريعية فضلاً عن جماعات المصالح ذات النفوذ، بحيث يحظى القرار في النهاية بقدر مناسب من التوافق بين هذه الدوائر على الأقل في حدوده الإستراتيجية.
والحقيقة الثانية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تلتزم جميعها على مدى السنوات الطويلة الماضية بأهداف إستراتيجية عليا تحقق المصالح الأمريكية وتوفر الأرضية للهيمنة في جميع مناطق العالم ذات الأهمية لها حسب تقديرها، ويتضح ذلك جلياً من مراجعة وثائق إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي تصدر كل أربع سنوات.
والحقيقة الثالثة، أن الدائرة الضيقة حول الرئيس لهم التأثير الكبير في عملية صياغة القرارات وتحديد أدوات التنفيذ وآلياتها بأبعادها المختلفة، وتنعكس توجهاتهم بوضوح خلال هذه العملية ارتباطاً بشخصية الرئيس والمساحة التي يسمح بها لكل منهم وقد لاحظنا ذلك بوضوح في إدارة الرئيس أوباما.
الملامح الرئيسية تشير لعدد من الخطوط الإستراتيجية التي سوف تحكم توجهات إدارة الرئيس الجديد وذلك بالنظر إلى الأهداف الإستراتيجية الأمريكية العليا والمصالح الأمريكية في المنطقة وكذلك توجهات الشخصيات المرشحة لتولي المناصب القيادية في الإدارة الجديدة والتي يمكن الإشارة إليها علي النحو التالي:
- الحقبة الأمريكية الجديدة سوف تشهد توقفاً وتراجعاً واضحاً فيما يتعلق بقضية تمكين قوى الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين بروافدها المختلفة، من الوصول إلى الحكم في عدد من دول المنطقة والمراهنة عليها واعتبارها أداة التنفيذ للتغيير السياسي وتحقيق الاستقرار في دول المنطقة وهي القضية التي تبنتها الإدارة السابقة، ويرى بعض المراقبين أنه من المتوقع أن تسعى الإدارة الجديدة ارتباطاً برؤية الرئيس الجديد وبعض المستشارين القريبين منه ويرجح أن يشغلوا مناصب ذات تأثير داخل هذه الإدارة إلى اعتبار تلك القوى لا تحقق المصالح الأمريكية، وأنها ليست الأداة المناسبة لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق التطور السياسي والاستقرار المنشود في المنطقة.
- الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته سوف يسعون لصياغة موقف أمريكي من قضايا المنطقة يكون أكثر وضوحاً وحسماً وبما يتجاوز تردد إدارة أوباما وضعفها، وبهذا الخصوص فمن المرجح أن تشهد العلاقات الأمريكية مع إيران نوعاً من المراجعة وفي تقديري أنه لن يتم إلغاء الاتفاق النووي الذي سبق توقيعه بين إيران ودول (5+1)؛ حيث إن البديل أن تستأنف إيران التخصيب النووي، أو أن تكون هناك مواجهة عسكرية ولكن لن يتم في الوقت نفسه السماح لإيران بتجاوز عناصر هذا الاتفاق أو تحقيق مكاسب سياسية أوسع ارتباطاً بأبعاد هذا الاتفاق وحتى لا يؤثر ذلك في النهاية على المصالح والأهداف الإستراتيجية الأمريكية، ومن المرجح، كذلك أن تخضع قضية التحالف الإيراني الروسي بمتغيراتها المختلفة لمزيد من الاهتمام من الإدارة الأمريكية الجديدة وإذا كان من المتوقع ألا تسعى الإدارة الجديدة لمواجهات حادة مع إيران إلا أنها سوف تسعى للحد من التمدد الإيراني في المنطقة بحيث لا يمس المصالح الأمريكية العليا.
- العلاقة الأمريكية بدول الخليج من المرجح أن تخضع لمراجعة أكثر وضوحاً لوضعها في إطارها الصحيح، وتأكيد الطبيعة الخاصة لتلك العلاقة وعلى قاعدة تبادل المصالح والأعباء الاقتصادية والسياسية والأمنية والسعي لتثبيت النفوذ السياسي والعسكري والأمني الأمريكي في الخليج كركيزة لدعم الحضور الأمريكي المتزايد في آسيا، وبما يعيد التحالف الأمريكي الخليجي في النهاية إلي حدوده الطبيعية.
- الملف السوري سوف يشهد أكبر مظاهر التغيير في السياسة الأمريكية في المنطقة حيث من المرجح أن تجري الإدارة الأمريكية الجديدة حواراً أكثر إيجابية مع روسيا بخصوص مستقبل تطورات الأزمة السورية بما يعيد النفوذ الأمريكي المتراجع في ذلك الملف، ومن المرجح أن تركز الإدارة الجديدة على محاربة الإرهاب «داعش» والتنظيمات العسكرية المرتبطة بالقاعدة وهو ما يرسي مناخاً للتفاهم مع روسيا ويصب في النهاية في صالح التوصل إلي الحل السياسي وليس العسكري للأزمة وفترة انتقالية تشارك فيها قوى سياسية وتحاصر خلالها تنظيمات الإرهاب ويتم بقدر الإمكان محاصرة النفوذ الإيراني.
- من المرجح أن تتخذ الإدارة الأمريكية الجديدة موقفاً أكثر تشدداً فيما يتعلق بالملف الليبي وإذا كان من المستبعد أي تدخل أمريكي بري إلا أنه من المرجح تكثيف الضربات الجوية لداعش وتنظيمات الإرهاب وممارسة ضغوط أوسع علي القوي السياسية الليبية لدعم التوافق السياسي دون الانحياز لتيار الإسلام السياسي كما كان قائما خلال الفترة الأخيرة.
وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، فليس من المتوقع حدوث أية تغييرات في السياسة الأمريكية تتفهم المطالب الفلسطينية أو تسعى لإقامة الدولتين، بل إنه من المرجح أن يكون توجه الإدارة الأمريكية الجديدة أكثر تقارباً مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة وهو ما يجعل الملف الفلسطيني في أولوية متراجعة لدي صانع القرار الأمريكي. ومن الضروري ونحن نتحدث عن الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس الأمريكي الجديد أن نستكشف ملامح التوجه الأمريكي تجاه مصر، ويقدر الكثيرون أن هذا التوجه سوف يشهد تغييراً كبيراً.
وهي مؤشرات تحمل عدداً من الدلالات وتشير إلى أن مصر سوف يكون لها مكانة مؤثرة عند صياغة السياسة الأمريكية الجديدة لمحاربة الإرهاب، وأن تحقيق الاستقرار والأمن في مصر سوف يحظى بمزيد من الاهتمام الأمريكي ارتباطاً بأن مصر هي ركيزة التوازن فيما يتعلق بأية إستراتيجيات أو سياسات تستهدف المنطقة وسوف يبقى الأمر مرهوناً بقدرة مصر على امتلاك أوراق تأثير تتعامل بها مع الإدارة الأمريكية الجديدة وقدرتها على خلق عناصر التواصل مع تلك الإدارة بعناصرها المختلفة والحرص على إجراء حوار إستراتيجي متعدد معها يكفل في النهاية تحقيق تفاهمات وخلق مصالح مشتركة تعيد صياغة العلاقات الثنائية على أسس جديدة.
نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة