لا أعتقد أنه يحق لنا أن نهاجم الشعب الأمريكي لأنه اختار دونالد ترامب رئيساً له، رغم المآخذ السياسية والأخلاقية والمالية والضريبية على هذا الرجل.
لا أعتقد أنه يحق لنا أن نهاجم الشعب الأمريكي لأنه اختار دونالد ترامب رئيساً له، على رغم المآخذ السياسية والأخلاقية والمالية والضريبية على هذا الرجل؛ إذ يجب أن لا ننسى أن هذا الشعب الأمريكي ذاته اختار قبل ثماني سنوات أول رئيس أسود ليحكمه، ثم كرر هذا الاختيار مرة ثانية قبل أربع سنوات، في قرار تاريخي يصعب معه أن يوصف هذا الشعب بالجاهل أو الأحمق أو العنصري.
منح الأمريكيون فرصتين لباراك أوباما ليحافظ على وضع بلادهم كما يريدونها، قوة عظمى تلعب دوراً رائداً في العالم، تعرف كيف تواجه التحديات عندما تتعرض لها، سواءً جاءت هذه التحديات من روسيا أو من الصين أو من إيران أو من التنظيمات الإرهابية. كما يعرف كيف يحافظ على حلفاء أمريكا ويحرص على صداقاتهم، سواءً كان هؤلاء الحلفاء في المنطقة العربية أو في أوروبا أو في دول أمريكا اللاتينية التي تتطلع أنظمتها الديموقراطية المتعثرة إلى أمريكا كنموذج يصلح للاقتداء به.
لكن الذي حصل أن باراك أوباما خيّب ظنون الأمريكيين وآمالهم به، مثلما خيّب آمال كثيرين حول العالم. وكان اختيارهم دونالد ترامب خلفاً لأوباما بمثابة انتقام مما فعله أوباما، ومحاولة لتصحيح ما يعتبره الأميركيون أخطاء متراكمة ضربت سمعة الدولة العظمى وهيبتها وموقعها الدولي. ذهب الأمريكيون إلى الحد الأقصى ووقع اختيارهم على أسوأ ما يمكن أن يخرج عادة من صناديق الاقتراع الديموقراطية. لكن خيارهم كان بين ترامب وبين هيلاري كلينتون، أي بين ترامب وبين ولاية ثالثة لباراك أوباما، فاختاروا ترامب.
ارتاح الأمريكيون لدعوة ترامب إلى عودة الولايات المتحدة قوة عظمى (America Great Again). لم تصعقهم إشادته بفلاديمير بوتين، رئيس الدولة التي تعتبر خصماً تقليدياً لبلادهم، بل اعتبروا أن ترامب يقدم من خلال هذه الاشادة صورة لما يجب أن يفعله القائد لإعادة الهيبة إلى بلاده، وهو ما فعله الرئيس الروسي بكفاءة عالية في معظم الأزمات الدولية، في مقابل انهزامية أوباما، وخصوصاً في الأزمتين السورية والأوكرانية.
لم يستغرب الأمريكيون عندما حمّل ترامب كلاً من أوباما وهيلاري كلينتون المسؤولية عن قيام تنظيم «داعش». فقد كان الفراغ الذي تركته انعزالية أوباما في كل من سوريا والعراق هي السبب وراء تقدم هذا التنظيم الإرهابي وتوسعه في البلدين. الانسحاب الأمريكي من العراق ترك الساحة فارغة لإيران والتنظيمات الشيعية التي يسلحها ويمولها نظام طهران، وصعد «داعش» في المقابل كقوة مسلحة تستغل الصراع المذهبي بحجة حماية السنّة. أما في سوريا فقد كان تراجع أوباما عن تعهده بمواجهة نظام بشار الأسد إذا خرق «الخط الأحمر» الشهير واستخدم السلاح الكيماوي، كما فعل في غوطة دمشق في آب (أغسطس) 2013، وامتناعه عن دعم المعارضة السورية في وجه جرائم النظام، سبباً لتوسع نفوذ «داعش» الذي لم يكن موجوداً في سورية مع انطلاق الثورة في آذار (مارس) 2011.
دعم الأمريكيون دعوة ترامب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران تمهيداً لوقف الالتزام به من جانب الولايات المتحدة. فقد اعتبروا أن هذه الدولة، التي كان نظام الملالي فيها ولا يزال عدواً لبلادهم، حصلت على الكثير من التنازلات بنتيجة الاتفاق النووي الذي أبرمه اوباما معها. وعاد ترامب فأكد في أول حديث صحفي إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «إيران تزداد نفوذاً بسببنا»، وهو ما يوافقه عليه حلفاء أمريكا في منطقة الخليج، الذين اعتبروا أن الاتفاق مع نظام طهران سمح له بتوسيع نفوذه في هذه المنطقة وفي الأزمات العربية الأخرى، كما سمح برفع العقوبات عن هذا النظام من دون الحصول على تنازلات مقابلة بعدما أوضح أوباما للإيرانيين أنه يفصل بين الاتفاق النووي وبين تدخلهم في الأزمات الإقليمية.
أما في شأن دعوة ترامب حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها، في الحلف الأطلسي وفي الشرق الاوسط، إلى تسديد الفواتير في مقابل حمايتهم، فهي تبقى أقل وطأة على هؤلاء الحلفاء مما فعله أوباما عندما تخلى عن الأوكرانيين بعدما قام بوتين باقتطاع جزء من بلادهم وضمه إلى الاتحاد الروسي، أو عندما ترك أوباما لإيران حرية تهديد الأمن في منطقة الخليج، ثم تحدث بوقاحة متناهية، إلى مجلة «أتلانتيك»، عن أن السعودية ودول الخليج «تنتفع مجاناً» من الحماية الأمريكية.
نقلا عن الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة