حرب ترامب على المخدرات.. الرسوم الجمركية وحدها لا تكفي

فور تنصيبه، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العديد من الأوامر التنفيذية لإعلان حالة الطوارئ الوطنية على الحدود.
وتستهدف الأوامر التنفيذية شن حرب على تدفق المخدرات خاصة "الفنتانيل" إضافة إلى مواجهة الهجرة غير الشرعية، وفي هذا الإطار فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك لكن البلدين نجحا في التفاوض لتأجيل الرسوم لمدة شهر.
ولا ينبغي أن تكون هذه التحركات مفاجئة؛ فطوال حملته الانتخابية، ركز ترامب على تهديدات تجارة المخدرات ووعد "بإنهاء حرب المخدرات" بإعدام تجارها، كما تعهد بمعاقبة الدول المسؤولة عن تصنيع وتهريب المخدرات والمواد الكيميائية المستخدمة في صنعها بالرسوم الجمركية وغيرها من العقوبات.
ولترامب الحق في التركيز على أزمة المخدرات، حيث قتلت المواد الأفيونية، وخاصة الفنتانيل، أكثر من نصف مليون أمريكي منذ 2012، وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في تقرير طالعته "العين الإخبارية".
لكن التقرير اعتبر أن العديد من مقترحات ترامب محفوفة بمخاطر جسيمة. فإلى جانب الرسوم الجمركية والضربات العسكرية ضد المكسيك، تستعد واشنطن للإعلان عن قائمة لتصنيف عصابات المخدرات والمنظمات الإجرامية كمنظمات إرهابية أجنبية.
هذا التحرك سبق وأن بحثه الرئيسان جو بايدن وباراك أوباما، وحتى ترامب نفسه في ولايته الأولى، لكن دائمًا ما كان يتم التراجع عنه لأن ضرره أكبر من نفعه.
وسيلحق التطبيق الفعلي للتعريفات الجمركية وتصنيف المنظمات الإرهابية الضرر بالعلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك، وسيؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي. كما أن اللجوء إلى الضربات العسكرية أحادية الجانب ضد الكارتلات سيمثل ضربة قاتلة لجهود إنفاذ القانون المشتركة بين البلدين.
وبالنسبة لكندا، فإن النهج القاسي لإدارة ترامب يعرض التعاون في إنفاذ القانون للخطر، وهو ما ينطبق أيضًا على الصين.
وإذا كانت إدارة ترامب تريد بالفعل إضعاف الشبكات الإجرامية التي تضخ المخدرات القاتلة إلى الولايات المتحدة، فيتعين عليها موازنة تهديداتها وأفعالها.
وأدى تسلل الكارتلات المكسيكية إلى الحكومة والاقتصاد المكسيكيين إلى إضعاف سيادة القانون وتهديد المصالح الوطنية الأمريكية بطرق غير مباشرة أخرى كثيرة، بحسب المجلة الأمريكية.
وفي 2024، تداولت الولايات المتحدة والمكسيك حوالي 800 مليار دولار من السلع والخدمات، مما يجعل المكسيك أكبر شريك تجاري لها، لكن خطف الكارتلات للشاحنات وحصار الموانئ يعرض سلاسل التوريد الأمريكية المكسيكية للخطر، وهو ما يهدد الهدف الاستراتيجي الأمريكي لإزالة مخاطر الاعتماد على الصين.
وفي يونيو/حزيران الماضي، انتخب المكسيكيون كلوديا شينباوم رئيسة للبلاد، وعلى عكس سلفها لوبيز أوبرادور، أعربت شينباوم عن اهتمامها باستعادة التعاون مع الولايات المتحدة ضد نشاط الكارتلات، من خلال إعادة تركيز إنفاذ القانون على الهياكل الكاملة للجماعات الإجرامية المكسيكية، وليس فقط كبار قادتها. ولا تستطيع واشنطن إهدار هذه الفرصة.
وفي اليوم الأول له في منصبه، وقع ترامب على أمر يكلف السلطة التنفيذية بتصنيف بعض الكارتلات والجماعات الإجرامية كمنظمات إرهابية أجنبية، وهو ما حدث بالفعل اعتبارًا من 12 فبراير/شباط مع 6 مجموعات مكسيكية.
وقد تكون هذه الخطوة قوية، وكتب أحد المحللين في مقال على موقع "ذا هيل" إن "هذا الإجراء الحاسم يجعل رئاسة ترامب واحدة من أكثر الرئاسات أهمية في جيل كامل، حتى لو لم يحقق أي شيء آخر خلال السنوات الأربع المقبلة".
لكن هذه الطريقة ليست الأكثر أهمية لتمكين الحكومة الأمريكية، لأن تصنيف الكارتلات والتهديد بالرسوم الجمركية لن يكون إلا وسيلة ضغط مهمة إذا طلب ترامب الاستجابات الصحيحة من الحكومة المكسيكية.
وقد تكون مطالبة المكسيك بوقف تدفقات الفنتانيل بشكل كامل غير قابلة للتحقق، كما أن تدابير مكافحة الهجرة أو الضربات العرضية ضد زعماء الكارتلات أو شن ضربات عسكرية على الأراضي المكسيكية قد يعرض المعركة ضد تهريب الفنتانيل لانتكاسة هائلة.
فمن ناحية، ستعتبر المكسيك هذا العمل غزوًا، وسيتوقف أي تعاون في مجال إنفاذ القانون. كما أن هذه الضربات ستفشل في تدمير الكارتلات، وسيتم العثور بسرعة على بدائل للقادة الذين قتلوا.
ودائمًا ما كان التهديد بتصنيف منظمة إرهابية أجنبية أكثر فائدة من تطبيقه الذي يحمل الكثير من المخاطر. وإذا تم تصنيف عصابات المخدرات المكسيكية كمنظمة إرهابية أجنبية، فستضطر الشركات الأمريكية التي تتعامل مع شركات مكسيكية إلى قطع علاقاتها مع هذه الشركات على الفور أو المخاطرة بالملاحقة القضائية.
وقد يؤدي التصنيف أيضًا إلى الحد بشكل كبير من تدفق التحويلات المالية إلى المكسيك من الولايات المتحدة، والتي بلغت في عام 2023 نحو 63.3 مليار دولار.
ويشكل تعميق التجارة مع المكسيك، وليس عرقلتها، عنصرًا حاسمًا في أي جهد لتقليص مخاطر سلاسل التوريد الأمريكية.
وينطبق الأمر نفسه على الصين في ظل الأدلة المتعددة على أن النهج القائم على التعاون يمكن أن يؤتي ثماره، خاصة وأن التعاون الأمريكي الصيني في مجال مكافحة المخدرات انتعش خلال عام 2024، ودفعت المفاوضات الثنائية الصين إلى وضع فئة كاملة من العقاقير من نوع الفنتانيل تحت ضوابط قانونية صارمة على أمل أن تخفض الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية. وعندما لم يحدث ذلك، أنهت الصين كل تعاون في مجال إنفاذ القانون.
وفي عام 2024، لم يكن سوى 0.2% من الفنتانيل الذي دخل الولايات المتحدة قد جاء من كندا، لذا فإن تحركات ترامب المتشددة ضدها كانت أقل منطقية.
ومع ذلك، تواجه كندا تحديات خطيرة تتعلق بالجريمة المنظمة وغسيل الأموال، كما أن وجود الكارتلات المكسيكية هناك آخذ في الازدياد سواء في غسيل الأموال أو إنتاج المخدرات.
وهناك أدوات قوية يمكن لواشنطن استخدامها لمكافحة إنتاج وتصدير المنتجات المرتبطة بالفنتانيل خارج حدودها وتفكيك الجماعات الإجرامية العابرة للحدود.
ويجب على ترامب أن يستخدم بعناية التهديد بفرض الرسوم الجمركية أو تصنيف الكارتلات لتشجيع شينباوم على إحياء التعاون الهادف في مجال إنفاذ القانون مع واشنطن.
وبالفعل تتجاوب المكسيك مع التهديد. فمن أجل تأجيل فرض التعريفات الجمركية، وعدت الحكومة بنشر 10 آلاف جندي إضافي من الحرس الوطني المكسيكي على الحدود مع الولايات المتحدة للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين والمخدرات.
ومع استمرار المحادثات على مستوى وزيري الخارجية، يتعين على واشنطن الإصرار على أن تسمح المكسيك لوكلاء إنفاذ القانون الأمريكيين بتوسيع نطاق وصولهم للبلاد والمشاركة بشكل مكثف في تنفيذ مشاريع إنفاذ القانون المشتركة.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دورها من خلال الالتزام بمكافحة غسل الأموال وتهريب الأسلحة إلى المكسيك، والمساعدة في تصميم استراتيجيات جديدة لإنفاذ القانون تركز على تفكيك المستويات الوسطى في العصابات المكسيكية، ومساعدة المكسيك في بناء قدراتها على التحقيق، وعزل المدعين العامين والقضاة عن الفساد والتهديدات.
كما وعدت كندا بتوسيع إجراءات إنفاذ القانون لتجنب الرسوم الجمركية، مثل زيادة عدد موظفيها القضائيين، في حين خصصت الولايات المتحدة المزيد من الأفراد والأصول لدوريات الحدود بين البلدين، وأطلقت قوة ضاربة مشتركة لمعالجة الجريمة المنظمة والفنتانيل وغسيل الأموال.
aXA6IDMuMTQ0LjI1Mi4xNzAg جزيرة ام اند امز