«المقرن» في الخرطوم.. الصراع على «عنق» النيلين و«كنز» العاصمة
تحتدم المعارك في السودان في نقاط نار منتشرة بمختلف المناطق، لكن القتال الحالي في "مقرن النيلين" استثنائي من حيث أهميته في مسار الحرب.
وأفادت مصادر عسكرية "العين الإخبارية"، باندلاع مواجهات جديدة، صباح اليوم الإثنين، بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في محور منطقة "المقرن" في العاصمة الخرطوم، باستخدام الأسلحة الثقيلة والخفيفة.
ووفق المصادر نفسها التي فضلت عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالحديث، فإن الجيش أدخل عربات قتالية جديدة إلى المنطقة، لكن قوات "الدعم السريع"، حشدت عناصرها لعرقلة عمليات التوغل "باستخدام المدفعية الثقيلة والقناصة".
أما قوات الجيش القادمة من مدينة أم درمان عبر جسر "السلاح الطبي"، فتحاول الالتحام مع أفرادها المحاصرين في مقر القيادة العامة للجيش، غير أن العملية تواجه صعوبات كبيرة بسبب كثافة نيران قوات "الدعم السريع" في المنطقة، بحسب المصادر.
ولم يتسن لـ"العين الإخبارية" الحصول على تعليق فوري من قبل طرفي الصراع، حول الاشتباكات الجارية في منطقة المقرن، والتي وصفها شهود عيان بأنها "حرب شوارع" أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف كلا الطرفين.
أهمية المنطقة
منطقة "المقرن" تقع عند التقاء النيلين الأزرق والأبيض، اللذين يقطعان مسافات طويلة من قلب القارة الأفريقية ويتعانقان عند الخرطوم وتتوسطهما جزيرة "توتي" التي يحدها شمالا شارع النيل وجنوبا شارع الطابية.
تصنف منطقة "المقرن" بالاستراتيجية في الخرطوم، إذ لعب سكانها أدوارا رئيسية في النشاط الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي في السودان.
ويقول مراقبون إن السيطرة على هذه المنطقة يجعل منها نقطة ضرورية للتحكم في الملاحة النهرية وموارد المياه.
وإضافة إلى قربها من مراكز الحكم الرئيسية مثل القصر الرئاسي والبرلمان، تضم المقرن بنية تحتية حيوية للنقل والكهرباء والمياه والاتصالات، بما في ذلك الجسور التي تربط الخرطوم ببقية المدن، مما يجعل المنطقة محورًا أساسيًا لأي جهة تسعى للسيطرة على العاصمة سياسيًا وعسكريًا، وفق مراقبين.
لماذا القتال الشرس؟
يقول معتصم عبدالقادر الحسن، المستشار بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إن "المقرن بالخرطوم هي منطقة النيلين الأبيض والأزرق، وهي على شكل مثلث يتجه رأسه شمالا ليجري منه نهر النيل".
وأضاف عبد القادر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "غرب منطقة المقرن نجد النيل الأبيض على ضفته مدينة أم درمان وشرقه وجنوبه مدينة الخرطوم ومن الشمال تطل جزيرة توتي ومن الشمال الشرقي مدينة بحرى".
مستطردا "من هذه الإطلالة الجغرافية على المدن الثلاثة تستمد منطقة المقرن موقعها الاستراتيجي ويزداد الموقع أهمية إذا أضفنا إليه جسر الفتيحاب الرابط بين الخرطوم وأم درمان وجسر النيل الأبيض الحديدي الرابط بين الخرطوم وأم درمان جهة السلاح الطبي وسلاح المهندسين".
كما تتميز المقرن والمناطق المحيطة بها في كل من أم درمان وبحري، بالمباني والأبراج العالية.
ولذلك- يوضح الحسن- " نجد أن القتال في هذه المنطقة وحولها يتخذ شكلا شرسا ومميتا يختلف عن باقي مناطق الخرطوم ويتطلب خططا ومعلومات استخبارية دقيقة لأن الكمائن والقناصين والألغام والالتفافات والالتحامات من المسافات الصفرية تكون هي النمط السائد للقتال في مثل هذه الظروف وهي من أشد أشكال حرب المدن استنزافا وتكتيكا".
ومضى قائلا "عمليات (الجيش السوداني التي بدأت في) 26 سبتمبر/أيلول 2024 حققت جزءا كبيرا من الأهداف المخطط لاستلامها ولكن تبقى المهمة مستمرة لتحقيق ما تبقى من أهداف، وبعد كل إنجاز يتم تقييم الموقف وتكثيف الاستخبارات والاستطلاعات لمزيد من التقدم والانفتاحات، حيث إن الهدف النهائي هو السيطرة على كل المناطق في ولاية الخرطوم".
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.