نيويورك نسخة أمريكية من البندقية.. تفاصيل غرق مدينة
إذا لم يكن ارتفاع المحيطات مصدر قلق بما فيه الكفاية، أضف إلى ذلك، المخاطر التي تواجهها مدينة نيويورك.
المدينة تغرق ببطء تحت وطأة ناطحات السحاب والمنازل والطرق والكثافة السكانية نفسها.
الهبوط الأرضي
الهبوط هو غرق كتلة الأرض بسبب العمليات الطبيعية مثل التعرية أو النشاط البشري مثل استخراج المعادن. وبحسب الجيولوجيين، ينتشر أكثر من مليون مبنى في الأحياء الخمس بالمدينة، وأن كل هذه المباني تضيف ما يصل إلى 1.68 تريليون طن (1.5 تريليون طن متري) من الخرسانة والمعدن والزجاج - حوالي 4700 مبنى إمباير ستيت - تضغط على الأرض. هذا، فضلًا عن إن معدل الضغط يختلف من منطقة لأخرى في جميع أنحاء المدينة. من هذا المنطلق، كشفت الدراسة أن ناطحات السحاب في وسط مدينة مانهاتن مبنية إلى حد كبير على الصخور، والتي لا تنضغط إلا قليلاً، بينما توجد بعض أجزاء من مدن بروكلين وكوينز على تربة أكثر مرونة وتغرق بشكل أسرع.
وفي هذا الصدد، وجد علماء من كلية الدراسات العليا لعلوم المحيطات بجامعة رود آيلاند، في دراسة جديدة نُشرت هذا الشهر في مجلة Earth's Future، أن مدينة نيويورك تغرق بمعدل 1 إلى 4 ملليمترات في السنة. على الرغم من أن هذا الهبوط يتوافق مع الهبوط الطبيعي في المنطقة، وجد الباحثون بعض المناطق ذات معدلات هبوط أكبر بشكل ملحوظ، والتي قد تكون مرتبطة بالوزن الهائل للمباني وناطحات السحاب. وأشار الباحثون إلى أن الهبوط يجعل المدينة أكثر عرضة لارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات الساحلية الناجمة عن تغير المناخ. وبحسب ما ذكره المؤلف الرئيس للدراسة "توم بارسونز" من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، إن أجزاء من مدينة نيويورك ستكون في النهاية تحت الماء، وبالتالي فإن بناء عدد أقل من ناطحات السحاب لن يحل المشكلة؛ حيث إن السبب الرئيس للهبوط في نيويورك وعلى طول الجزء الأكبر من الساحل الشرقي هو "تكتوني غير متوقع و"لا مفر منه"، فالأرض تنخفض والماء يتصاعد.
- كيف تقوم ناطحات السحاب في نيويورك بالتقاط الكربون؟
- التكنولوجيا النظيفة.. 5 اتجاهات وابتكارات لعام 2023
تبعات الهبوط الأرضي
من المقرر أن يؤدي الهبوط إلى تفاقم تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة وذوبان القمم الجليدية في العالم. وفي أحيان أخرى، سيؤدي الهبوط مباشرة إلى فيضانات ساحلية حتى في غياب ارتفاع مستوى سطح البحر. وحيث تحدث كلتا العمليتين، فإن الغمر الساحلي سيحدث بشكل أسرع بكثير مما تنبأت به نماذج ارتفاع مستوى سطح البحر.
ففي مدينة نيويورك، بدأت الأرض التي كانت مغطاة بالجليد، شمال المدينة، في الارتفاع وبدأت الأرض التي كانت جنوب الجليد مباشرة في الهبوط؛ حيث تقع المدينة اليوم، في الغرق. تستمر هذه الاستجابة لذوبان الصفائح الجليدية حتى يومنا هذا.
أراد فريق البحث فهم تأثير البنية التحتية الهائلة للمدينة على هذا الهبوط التدريجي بشكل أفضل. للإجابة على هذا السؤال، قدر الفريق أولاً الوزن الجماعي لأكثر من مليون مبنى في مدينة نيويورك، والبالغ 1.68 تريليون رطل، ثم حسب الضغط النزولي الناجم عن وزن تلك المباني. كيف إن تفاعل الأرض مع هذا الضغط ليس موحدًا؛ حيث تختلف الجيولوجيا الأساسية لمدينة نيويورك من حجر الأساس الصلب إلى الرمل والطين، والتي يمكن أن تنضغط بسهولة أكبر. استخدم الفريق أيضًا صور الرادار لسطح الأرض التي تم جمعها من الأقمار الصناعية المدارية لرسم خريطة لتغيرات الارتفاع في المنطقة.
هذا، وتُشير تصريحات منظمة Sea Level Rise، إلى أن مستويات المياه حول نيويورك أعلى بمقدار تسع بوصات مما كانت عليه في عام 1950. كما تتوقع حكومة المدينة أن المياه المحيطة سترتفع بما يتراوح بين ثماني بوصات (20 سم) و30 بوصة بحلول عام 2050.
الخطوات المتبعة للتخفيف من المخاطر
تجدر الإشارة إلى إن مدينة نيويورك معرضة لخطر الفيضانات بسبب العواصف الهائلة التي يمكن أن تتسبب في تضخم المحيطات الداخلية أو إغراق الأحياء بأمطار غزيرة. وفي ضوء ذلك، تنفق الدولة مليارات الدولارات على بناء الجدران البحرية ورفع الطرق وتحسين الصرف للتخفيف من المخاطر؛ لكن المناطق المنخفضة شعرت بالفعل بوطأة الفيضانات المدمرة التي سببتها العواصف والأعاصير الشديدة السابقة. لا سيما، إعصار "ساندي" عام 2012، الذي أودى بحياة 40 مواطن من سكان نيويورك، ودمر ما يقرب من 300 منزل وترك عشرات الآلاف من السكان بدون كهرباء. فضلًا عن إعصار "إيدا" عام 2021، الذي خلف أكثر من عشرة قتلى في مدينة نيويورك، بعد أن لم يتمكن الكثير منهم من الهروب من أقبية الفيضانات.
وبحسب ما ذكره "بارسونز"، إنه كان من المستحيل تحديد متى ستغرق أجزاء من نيويورك بالمياه لكن هذا سيحدث. وذكر أنه من الصعب للغاية التنبؤ حتى بوقت عصيب؛ لأنه في حين أن هبوط المدينة ثابت نسبيًا، فإن توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر غير مؤكدة وتعتمد على المعدلات المستقبلية المتوقعة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
نيويورك ليست وحدها التي تغرق
توصل بارسونز وفريقه من الباحثين إلى استنتاجاتهم باستخدام التصوير بالأقمار الصناعية ونمذجة البيانات والكثير من الافتراضات الرياضية، إلى أن المباني نفسها تساهم، وإن بشكل متزايد، في تغيير المشهد؛ حيث سوف يستغرق الأمر مئات السنين -على وجه التحديد عندما يكون غير واضح- قبل أن تصبح نيويورك النسخة الأمريكية من مدينة البندقية الإيطالية، التي تشتهر بالغرق في البحر الأدرياتيكي.
في هذا الصدد، تُصبح مدينة نيويورك قابلة للمقارنة ومع ذلك، فإن العديد من المدن، ومعظمها في شرق أو جنوب شرق آسيا، لديها مناطق تغرق بشكل أسرع بكثير من مناطق الغرق في نيويورك '؛ حيث يرجع الهبوط الذي يحدث في تلك المدن على نطاقات زمنية أطول في الغالب إلى أنشطة بشرية أخرى مثل استخراج المياه الجوفية أو النفط والغاز. لا سيما، مدينة جاكرتا، التي تُنذر بالخطر بسبب الإفراط في استخراج المياه الجوفية مما دفع إندونيسيا إلى إعادة توطين عاصمتها، كما يساهم ثقل التنمية الحضرية في تلك المدن في الهبوط لفترة قصيرة من الزمن بعد تشييد كل مبنى.
تنمو المدن الساحلية بسرعة، ويؤدي الجمع بين تكثيف البناء وارتفاع مستوى سطح البحر إلى جعلها أكثر عرضة للفيضانات. وفقًا للورقة، تعتبر مدينة نيويورك رمزًا للمدن الساحلية المتنامية في جميع أنحاء العالم والتي لوحظ أنها تنحسر، مما يعني وجود تحد عالمي مشترك للتخفيف من خطر الفيضانات المتزايد.
يأمل الباحثون، في أن يحفز البحث المجتمعات الساحلية على حساب التراجع في الخطط التي يضعونها اليوم استعدادا لارتفاع مستويات سطح البحر وعرام العواصف. وأضافوا أنه يجب على مخططي المدن ومديري الطوارئ وغيرهم من صانعي القرار النظر في البيانات بمزيد من التفصيل، وتحديد المواقع التي تظهر معدلات هبوط أعلى ودمج الهبوط في تخطيطهم.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjUuMTkyIA== جزيرة ام اند امز