في الخطاب العام الذي يتوجه به الأزهر إلى الدنيا، له قصة تستحق أن تُروى، وأن تكون محل إنصات!.
عندي خبران اثنان عن زيارة الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إلى البرازيل قبل أيام، خبر مهم، وآخر أهم. أما الخبر المهم فهو أن الرئيس البرازيلي ميشال تامر، قد استقبل الدكتور شومان، بنفسه، وبحفاوة ظاهرة، وأما الخبر الأهم فهو أن تامر قد أبدى إعجابه الشديد باعتماد الأزهر في خطابه العام مع العالم، وليس مع المسلمين وحدهم، على مصطلح جديد ورائع اسمه: المواطنة!
والحقيقة أن الأزهر يعتمد على هذا المصطلح، ليس في خطاب إمامه الأكبر، الدكتور أحمد الطيب فقط، ولا حتى في خطاب وكيله الدكتور شومان وحسب، ولكنه يُروج له في كل مكان، وفي كل مناسبة، ويريده موجوداً بكثافة على كل لسان، ومستقراً بقوة في كل وجدان!
المواطنة في جوهرها، إنما تعني أول ما تعني، أن اختلاف الديانة من مواطن لآخر، أو اختلاف اللون، أو الشكل، ليس مبرراً للتفرقة في التعامل بين مواطني الدولة الواحدة، لأي سبب، ولا تحت أي ظرف. فكل المواطنين متساوون في الحقوق التي من حقهم أن يحصلوا عليها، وكذلك في الواجبات
واعتماد مثل هذا المصطلح، في الخطاب العام الذي يتوجه به الأزهر إلى الدنيا، له قصة تستحق أن تُروى، وأن تكون محل إنصات!
ففي مارس/آذار من العام الماضي، كانت مشيخة الأزهر قد دعت إلى مؤتمر كبير، وأرادت أن تقدم لمدعويه الكثيرين، الذين جاؤوا من شتى أنحاء العالم، تصوراً مختلفاً لشكل العلاقة التي لا بد أن تربط بين أبناء الدولة الواحدة أياً كانت دياناتهم، أو ألوانهم، أو أشكالهم، وكان الإمام الأكبر يريد أن يؤسس لعلاقة مختلفة من هذا النوع، فلا تكون بعد المؤتمر، كما كانت قبل انعقاده، وهو ما كان!
هذا التصور الجديد الذي طرحه الإمام الأكبر، وهو يخاطب ضيوف المؤتمر يومها، هو أن مصطلح المواطنة لا بد أن يحل في مكان مصطلح الأقليات في الخطاب العام كله، وأن يكون ذلك من حيث المضمون طبعاً، ومن حيث الجوهر كذلك، وليس بالشكل، ولا بالظاهر في حديث الناس!
ومما قاله الإمام الأكبر في ذلك اليوم، أنه يأخذ المصطلح بمعناه، عن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، الذي لما آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة، التي كانت أول مجتمع مدني مسلم يقيمه الرسول الكريم، فإنه ساوى بين المسلمين كلهم، مهاجرين وأنصاراً، وبين اليهود في المدينة، على اختلاف طوائفهم وقبائلهم، وجعل الجميع سواء في الحقوق والواجبات!، والذي يطالع في تاريخ الإسلام، أثناء دولة المدينة الأولى، سوف يجد ما يقول به الدكتور الطيب، حقيقة ماثلة أمام كل عين، وسوف يجد أن رسول الإسلام، وهو يساوي بين الطرفين، كان يُرسخ لمبدأ المواطنة، داخل المجتمع الواحد، بطريقة عملية، لا نظرية، وقبل أن تعرف الدنيا كلمة اسمها المواطنة، تتردد على الأسماع كثيراً هذه الأيام!
فالمواطنة في جوهرها، إنما تعني أول ما تعني، أن اختلاف الديانة من مواطن لآخر، أو اختلاف اللون، أو الشكل، ليس مبرراً للتفرقة في التعامل بين مواطني الدولة الواحدة، لأي سبب، ولا تحت أي ظرف. فكل المواطنين متساوون في الحقوق التي من حقهم أن يحصلوا عليها، وكذلك في الواجبات التي على كل واحد أن يؤديها دون تقصير!
هذا هو ما كان الدكتور شومان قد ذهب إلى البرازيل، في أقصى الأرض، ليبشر به، وليعمل على الترويج له في كل مناسبة حضرها، وفي كل موقع زاره أو التقى فيه بالناس، ولم يكن يردد أفكاراً تخصه بالطبع، ولكنها كانت أفكار مؤسسة كبيرة وعظيمة يتولى فيها موقع الوكيل، مؤسسة تجاهد في سبيل نشر صورة الإسلام الصحيح بين الناس، وتسعى إلى إزالة غبار كثير عن صورة الدين في فطرته الأولى، مؤسسة تعرف أن إرهاب العصر الذي يتستر بالدين قد جنى على هذا الدين، كما لم يحدث أن جنى إرهاب من قبل على أي دين، مؤسسة تدرك أن ذلك يضع على كتفيها مسؤولية مُضاعفة!
وكان الرئيس ميشال تامر يعني ما يقول في أثناء استقبال وكيل الأزهر، عندما صرح في بيان صدر بعد الاستقبال، بأن ما يؤمن به الأزهر، وما جاء وكيله ليقوله على مسمع من الجميع، إنما هو الطريق السليم إلى العيش المشترك بين أبناء كل دولة، والبرازيل مثال على ذلك على حد تعبيره، ثم إلى التعاون الإنساني بين الناس جميعاً بامتداد الأرض، وعلى مستوى الدول كافة.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة