على إيقاع الانقلابات العسكرية في القارة السمراء يبدو أن النيجر لم تكن فريدة وهي تشهد آخر الشهر الماضي الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم، وتنصيب قائد الحرس الرئاسي نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، وسط حديث عن الفساد وسوء الإدارة وحماية أمن البلاد ومصالح الشعب.
هذا الانقلاب هو الرابع في تاريخ النيجر المعاصر، وسابع انقلاب عسكري في أقل من 3 سنوات في منطقة الساحل الأفريقي، ويمكن تفسيره بالدور المتزايد للحرس الرئاسي في تركيبة السلطة، فضلاً عن الانعكاسات السلبية لصراع النفوذ بين الدول الكبرى والتحديات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي.
ولعلّ أبرز المخاوف الدولية في أزمة النيجر هي انعكاساتها على تمدّد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، والجهود الأمريكية والأوروبية الخاصة بمواجهة تنظيمات العنف والتطرّف في القارة السمراء.
الموقع الجغرافي للنيجر يجعلها قريبة من تهديدات الجماعات المتطرفة التي تتمركز على حدود النيجر وامتداد دول الساحل، ففي الجنوب ينشط تنظيم "القاعدة" الذي تمثله جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".
وعلى الجنوب الشرقي تواجه جماعة "بوكو حرام" النيجيرية بالقرب من بحيرة تشاد، وتنظيم "داعش" الإرهابي الذي رغم الضربات الموجعة التي تلقاها في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق وغيرها إلا أنه نجح في الحفاظ على تمركزه في منطقة الساحل.
وتعتبر النيجر عنصراً مهماً في الحرب ضد جماعات العنف والتطرف في دول الساحل، وتتمتع باستقرار نسبي بفضل الدعم العسكري الغربي في مواجهة تلك الجماعات، لكنها اليوم -وفقاً للقراءة الأولية لمسار الأحداث واستشراف الاستحقاقات السياسية والأمنية المقبلة بعد الانقلاب العسكري- قد تدخل نفقاً مظلماً وحالة من الفوضى الداخلية ربما تمتد لفترة طويلة.
هذا التوتر السياسي في البلاد واستمرار مناخ عدم الاستقرار الأمني والسياسي سيمثل فرصة سانحة أمام تلك الجماعات الإرهابية، لا سيما "القاعدة" و"داعش" و"بوكو حرام" التي تنشط على الحدود لتوظيف هذه الأحداث لصالحها، سواء بتصعيد أنشطتها الإرهابية، أو محاولات توسيع سيطرتها الميدانية.
ويبدو ذلك وارداً في ظلّ احتمال تراجع قدرات الدول الغربية التي كانت تدعم النيجر في مواجهة هذه الجماعات، وتراجع خطط الجيش والأمن في مكافحة الإرهاب بسبب الصراعات داخل المؤسسة العسكرية.
ختاماً، كل السيناريوهات تبقى واردة فيما ستؤول إليه الأزمة في النيجر، وهناك جهود دبلوماسية أفريقية مكثفة قد تقود إلى صفقة توافقية تضمن للمؤسسة العسكرية بعض الدور السياسي في المستقبل، وقد يضطر الرئيس "بازوم" للاستقالة من أجل فتح آفاق جديدة للحل السياسي.
هناك من يكسب وهناك من يخسر في صراع القوة والنفوذ بين الدول الكبرى في القارة السمراء، ولكن يبقى الرابح الوحيد هي الجماعات المتطرفة التي تستغلّ حالة الفوضى والاقتتال الداخلي في تمدّدها وإعادة تموضعها وبالتالي تتعاظم تهديداتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة