طرد السفراء.. ورقة عسكر النيجر لاكتساب الشرعية أم مغازلة للشارع؟
مع إشهار "إيكواس" سلاحي الترغيب والترهيب في وجه المجلس العسكري، محاولة إثناءه عن المضي قدمًا في طريق الانقلاب، مطالبة إياه بإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، كان لعسكر النيجر رأي آخر.
فالمجلس الذي أعلن عن رئيس للوزراء وقائد للحرس الرئاسي في وقت سابق من الشهر الجاري، مضى في طريقه غير عابئ لعصا "إيكواس" أو جزرتها، بل إنه بدأ يتخذ خطوات على طريق تثبيت أركانه، متسلحًا بالشارع الذي خرج الآلاف في احتجاجات مؤيدة له.
فما آخر خطوات عسكر النيجر؟
في الوقت الذي يستمر فيه وصول الوفود إلى نيامي، في محاولة من "إيكواس"، للدفع بسبل المفاوضات جنبًا إلى جنب مع تجهيز مهمة احتياطية لاحتمال "استخدام مشروع للقوة" لإعادة الديمقراطية في حال الضرورة، أشهر المجلس العسكري سلاح طرد السفراء في وجه سفير قائد تلك المجموعة الاقتصادية، وبعض سفراء أوروبا.
وأمهل العسكريّون الذين استولوا على السلطة في نيامي، الجمعة سفير نيجيريا في النيجر 48 ساعة لمغادرة البلاد، بحسب رسالة صادرة عن وزارة الخارجيّة النيجريّة.
وأكّدت الوزارة في بيان أنّه نظرا إلى "رفض سفير نيجيريا في نيامي الاستجابة" لدعوتها إلى "إجراء مقابلة" الجمعة، و"تصرّفات أخرى من الحكومة النيجيريّة تتعارض مع مصالح النيجر"، قرّرت السلطات "سحب موافقتها على اعتماد (السفير) محمّد عثمان والطلب منه مغادرة الأراضي النيجريّة خلال مهلة 48 ساعة".
وبحسب مراقبين، فإن خطوة المجلس العسكري بحق سفير النيجر، تعني إغلاق الباب أمام مساعي "إيكواس"، للدخول من باب المفاوضات، سبيلا لحل أزمة الانقلاب، الذي قال قادة المجموعة الاقتصادية عنه، إنهم لا يستطيعون قبول انقلاب آخر في منطقتهم، مما حدا بهم لفرض عقوبات على النيجر للضغط على النظام الجديد.
وكانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) رفضت مقترحا من المجلس العسكري الحاكم في النيجر بإجراء انتخابات في غضون ثلاث سنوات من انقلاب يوليو/تموز.
أوروبا غير مرغوب فيها
خطوة عسكر النيجر بحق نيجيريا التي تقود "إيكواس"، كانت مشابهة بتلك التي اتخذوها بحق سفير ألمانيا، الذي أمهلوه 48 ساعة لمغادرة البلاد.
وأمهل العسكريّون الذين استولوا على السلطة في نيامي، الجمعة سفير ألمانيا في النيجر 48 ساعة لمغادرة البلاد، بحسب رسالة صادرة عن وزارة الخارجيّة النيجريّة، بُعيد صدور مهلة مماثلة أعطيت لسفير نيجيريا.
وأكّدت الوزارة في بيان أنّه نظرا إلى "رفض سفير ألمانيا في نيامي الاستجابة" لدعوتها إلى "إجراء مقابلة" الجمعة، و"تصرّفات أخرى من الحكومة الألمانيّة تتعارض مع مصالح النيجر"، قرّرت السلطات "سحب موافقتها على اعتماد (السفير) أوليفييه شناكنبيرغ "والطلب منه مغادرة الأراضي النيجريّة خلال مهلة 48 ساعة".
أمريكا لم تكن بعيدة عن رسائل المجلس العسكري في النيجر؛ فالأخير أمهل السفير الأمريكي في نيامي، 48 ساعة -كذلك- لمغادرة البلاد.
كانت السفيرة الأمريكية الجديدة إلى النيجر كاثلين فيتزجيبونس قد وصلت إلى العاصمة نيامي في وقت سابق هذا الشهر لتولي منصبها.
يأتي ذلك، فيما توجهت كبيرة الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا مولي فيي، توجهت إلى نيجيريا وغانا وتشاد، في محاولة دبلوماسية جديدة لحل الأزمة المستمرة منذ شهر في النيجر.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، إن فيي ستتطرق خلال جولتها "للأهداف المشتركة المتمثلة في الحفاظ على الديمقراطية التي اكتسبتها النيجر بشق الأنفس وتحقيق الإفراج الفوري عن الرئيس بازوم وعائلته وأعضاء حكومته المحتجزين ظلماً".
ومن أمريكا إلى فرنسا، كانت الرسالة حاضرة؛ فالنظام العسكري الذي تولى السلطة في 26 يوليو/تموز الماضي، في نيامي قد أعلن في وقت سابق أنه يمهل السفير سيلفان إيت 48 ساعة لمغادرة أراضي النيجر، بحجة أنه رفض "الاستجابة لدعوة (..) لإجراء مقابلة" الجمعة. كما برر الطلب بصدور "تصرفات أخرى من الحكومة الفرنسية تتعارض مع مصالح النيجر.
هل من رد؟
رفضت فرنسا مساء الجمعة مطالبة السلطات العسكرية في النيجر بمغادرة سفيرها، معتبرة أن "الانقلابيين ليست لهم أهلية" لتقديم مثل هذا الطلب.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية لوكالة فرانس برس إن "فرنسا تبلّغت بطلب الانقلابيين"، مضيفة أن "الانقلابيين ليست لهم أهلية لتقديم هذا الطلب، واعتماد السفير لا يأتي إلا من السلطات النيجرية الشرعية المنتخبة (..) نقوم باستمرار بتقييم الظروف الأمنية والتشغيلية لسفارتنا".
ومنذ الانقلاب، تعتبر فرنسا أن السلطة الشرعية الوحيدة في النيجر تظل سلطة الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم المحتجز حاليًا في القصر الرئاسي. وسبق أن رفضت باريس في مطلع أغسطس/آب الجاري، إعلان الانقلابيين إلغاء الاتفاقيات العسكرية الثنائية.
وتنشر فرنسا 1500 عسكري في النيجر للمساعدة في مكافحة الجماعات الإرهابية، التي تنشط منذ سنوات في هذا البلد وقسم كبير من منطقة الساحل.
ومثل الانقلابات الأخيرة في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين، جاء استيلاء الجيش على السلطة في النيجر وسط موجة متزايدة من المشاعر المعادية لفرنسا، حيث اتهم بعض السكان المحليين الدولة الأوروبية بالتدخل في شؤونهم.
ويعكس تدهور العلاقات بين النيجر وفرنسا تطورات ما بعد الانقلاب في مالي وبوركينا فاسو، والتي أدت إلى طرد القوات الفرنسية وقطع العلاقات الطويلة الأمد.
وتتمتع النيجر بأهمية استراتيجية باعتبارها واحدة من أكبر منتجي اليورانيوم في العالم وكقاعدة للقوات الفرنسية والأمريكية وغيرها من القوات الأجنبية التي تساعد في قتال الجماعات الإسلامية المتشددة في المنطقة.
ماذا تعني تلك القرارات؟
يقول مراقبون، إن تلك الخطوات تعني مضي المجلس العسكري في النيجر قدمًا في طريقه نحو تثبيت أركان الانقلاب، غير عابئ بالرفض الدولي له، مما يضع "إيكواس" أمام اختبار جدي، وسيجعل اختياراتها تحت المجهر.
وبحسب المراقبين، فإنه إذا غامرت "إيكواس" باستخدام القوة العسكرية في النيجر، فإنها تغامر بوضع تلك البقعة الملتهبة، في مهب الريح، بالإضافة إلى أن قرارها يواجه بالفعل مقاومة سياسية في شمال نيجيريا، الدولة المهمة في إيكواس وفي المنطقة.
ذلك القرار -حال المضي قدما فيه- سيؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة، وخاصة بعد أن أجاز المجلس العسكري، لجيشي الجارتين بوركينا فاسو ومالي التدخّل في النيجر "في حال تعرّضت لعدوان".
وضع حذر منه، وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الذي كان قد أجرى قبل أيام جولة، إلى دول في غرب أفريقيا، سعيا للتوصل إلى حل لأزمة تعارض فيها الجزائر أي خيار عسكري.
ويقول مراقبون، إن المطالب المتتالية من قادة النيجر لسفراء دول أوروبية وغربية وأفريقية بالمغادرة، تعني أن سيناريو التدخل العسكري بات قاب قوسين أو أدنى، وأن المجلس العسكري في النيجر أحيط بها، أو تسربت إليه عبر وسطاء، مما دفعه إلى محاولة التحرك سريعًا، بتطويق تلك المساعي، والتلويح بقرارات تصعيدية، إذا مضت تلك البلدان في خططها.
نقطة أخرى تشير إليها قرارات عسكر النيجر، تتمثل في محاولة من المجلس العسكري، لرفع أسهم شرعيته في البلد الأفريقي، بإيصال رسالة إلى الشارع، بأنه يقف في وجه المستعمر السابق، والدول التي تعاونه.
رسالة يبدو أن الشارع التقطها مبكرًا؛ فتظاهر الأسبوع الماضي، آلاف النيجريين، في وسط نيامي دعما للمجلس العسكري، وردد المتظاهرون وعرضوا العديد من الشعارات واللافتات المعادية لكل من فرنسا و"إيكواس".
وتجمع الآلاف من أنصار المجلس العسكري في ملعب بالعاصمة نيامي، ورفعوا لافتات كُتب عليها: "لا للعقوبات" و"تسقط فرنسا" و"أوقفوا التدخل العسكري".
aXA6IDMuMTIuMzQuMjA5IA== جزيرة ام اند امز